شهدت الفترة الأخيرة تحركات إثيوبية مكثفة في منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا، ومن المؤشرات الدالة على ذلك زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” لكينيا وتوقيعه 7 اتفاقيات لتعزيز التعاون المشترك بين الدولتين، هذا إلى جانب الإعلان عن توقيع مذكرة تفاهم مع أوغندا بهدف تعزيز التعاون العسكري بين الدولتين، بالإضافة إلى إجراء مباحثات مع إقليم أرض الصومال لتعزيز التعاون في مجال الرعاية الصحية عبر الحدود.
تحركات متنوعة:
اتخذت التحركات الإثيوبية في منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا صورًا متنوعة ما بين الزيارات الرسمية وتوقيع عدد من اتفاقيات التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري مع دول المنطقة، فعلي الصعيد السياسي قام رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” بجولة خارجية لبعض دول المنطقة، شملت كينيا وتنزانيا، والتي بدأها بزيارة رسمية إلى كينيا في 28 فبراير 2024، وخلال الزيارة تم التوقيع على 7 مذكرات تفاهم لتعزيز التعاون الثنائي بين الدولتين في مجالات الثقافة والسياحة والاقتصاد الأزرق والطاقة والإدارة العامة والزراعة والنقل، كما قام رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بزيارة رسمية إلى تنزانيا لمدة 3 أيام خلال الفترة من 29 فبراير الماضي إلى 2 مارس الجاري.
وقد شملت التحركات الإثيوبية أيضًا، توجه مسئوليها إلى إقليم أرض الصومال، حيث قامت وزيرة الدولة للصحة الإثيوبية “أييلي تيشوم” بزيارة إقليم أرض الصومال في 28 فبراير 2024، وتمثل الهدف الرئيسي لهذه الزيارة في تطوير التعاون الثنائي بين الطرفين في قطاع الصحة وتحديدًا فيما يتعلق بالرعاية الصحية عبر الحدود وتبادل الخبرات الخاصة بالطوارئ والتغذية العلاجية، وصولًا إلى إقامة علاقات شراكة استراتيجية في هذا المجال، وتعكس هذه الزيارة الموقف الرسمي الراهن للحكومة الإثيوبية، والخاص بإصرارها على تطوير علاقاتها الثنائية مع إقليم أرض الصومال في كافة المجالات، بما في ذلك تنفيذ مذكرة التفاهم الخاصة بحصول إثيوبيا على منفذ بحري في ميناء بربرة الواقع في إقليم أرض الصومال، وذلك رغم المعارضة الصومالية لذلك الأمر، وهو ما يزيد من حدة التوتر في العلاقات الصومالية الإثيوبية.
وعلى الصعيد العسكري، اتجهت إثيوبيا لتعزيز علاقاتها العسكرية مع أوغندا[1]، وذلك من خلال التوقيع على مذكرة تفاهم مشتركة خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها وفد عسكري أوغندي برئاسة كل من وزير الدفاع الأوغندي “فنسنت بامولانجاكي سيمبيجا” ورئيس أركان قوات الدفاع الأوغندية “ويلسون مباسو مبادي” لأديس أبابا مؤخرًا، حيث التقيا خلالها بوزير الدفاع الإثيوبي “أبراهام بلاي”، وشملت مذكرة التفاهم الاتفاق على الدفاع المشترك والتدريب.
وفي السياق ذاته، جاء اجتماع رئيس الأركان العامة لقوات الدفاع الإثيوبية “برهانو جولا” مع قائد قوات الدفاع الكينية “فرانسيس أوجولا” في نيروبي، وشهد الاجتماع مناقشة سبل تعزيز العلاقات العسكرية، والتهديدات الأمنية المشتركة لكل من إثيوبيا وكينيا، وذلك على خلفية تصاعد التهديدات الأمنية في منطقة البحر الأحمر، وتم الاتفاق خلال هذا الاجتماع على تعزيز التعاون العسكري المشترك بما في ذلك الدفاع والتدريب، والتعاون الأمني للتصدي لتجارة المخدرات والإتجار بالبشر والتهريب عبر الحدود المشتركة.
أهداف استراتيجية:
اكتسبت التحركات الإثيوبية الأخيرة في منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا أهمية خاصة، وتعكس في مجملها سعي أديس أبابا لتحقيق مجموعة من الأهداف، خاصةً فيما يتعلق بتعزيز نفوذها الإقليم، وحماية مصالحها الإستراتيجية في القرن الأفريقي.
فمن جهة أولى، تعكس التحركات الإثيوبية الراهنة تبني إثيوبيا سياسة خارجية ترتكز على توظيف القدرات السياسية والاقتصادية والعسكرية لتطوير نمط العلاقات القائم مع دول الجوار الإثيوبي بشكل يحقق المصالح الإستراتيجية لإثيوبيا في القارة الأفريقية، كما تعكس حالة من الحراك الدبلوماسي المكثف الذي تشهده منطقة القرن الأفريقي، في ظل توتر العلاقات الإثيوبية مع الصومال وإريتريا، وبالتالي جاءت زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لهذه الدول للتأكيد على قوة العلاقات الإثيوبية بدول منطقة القرن الأفريقي، وذلك بالتزامن مع توتر العلاقات الإثيوبية الإريترية، وهو ما دفع أديس أبابا لسرعة التحرك على الصعيد الإقليمي.
ومن جهة ثانية، تهدف هذه التحركات بشكل رئيسي لإقامة شبكة من العلاقات والتحالفات الإقليمية لمساعدة إثيوبيا على تنفيذ توجهات سياستها الخارجية وتأييد مواقفها في مواجهة الأزمات الخارجية، لا سيما أزمة سد النهضة، وكذا التوتر السياسي مع كل من الصومال وإريتريا، ومن ثم ضمان تأييد هذه الدول للمواقف الإثيوبية المختلفة.
وعلى صعيد آخر، تمثل الاتفاقات الموقعة بين كل من إثيوبيا وكينيا وأوغندا لتعزيز التعاون العسكري والدفاع المشترك، في هذا التوقيت، رسالة إلى الصومال، مفادها قدرة إثيوبيا على إقامة تحالفات عسكرية مع دول الشرق الإفريقي، وذلك ردًا على التحركات الصومالية المناوئة خلال الفترة الأخيرة، ومنها توقيع اتفاق للتعاون العسكري بين الصومال وتركيا من جهة، وبين الصومال وأوغندا من جهة ثانية، وإعلان الولايات المتحدة إنشاء 5 معسكرات حديثة للجيش الصومال لتعزيز قدراته الدفاعية، ورفع جاهزية قواته المسلحة من جهة أخرى.
وختامًا، اكتسبت هذه الزيارات الخارجية لآبي أحمد أهمية خاصة، نظرًا لعدة أمور، من أهمها رغبته في تطويع مواقف الدول الأفريقية لصالح موقف بلاده الخاص بالحصول على منفذ بحري في إقليم أرض الصومال، إذ تتمتع إثيوبيا بعلاقات سياسية واقتصادية وأمنية قوية مع كينيا، كما أن تنزانيا تستضيف المحادثات الجارية بين أديس أبابا وجيش تحرير الأورومو، في محاولة لتقريب وجهات النظر بين الطرفين والوصول إلى تسوية سياسية يترتب عليها وقف الصراع بين الجانبين.
وفي ضوء ما سبق، يمكن القول إن التحركات الإثيوبية الأخيرة في منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا هي انعكاس لتوجهات السياسة الخارجية للحكومة الإثيوبية الحالية برئاسة آبي أحمد، والتي تقوم على توظيف مقاربات سياسية واقتصادية وأمنية لتحقيق المصالح الإثيوبية في المقام الأول، بما يساعدها على تعزيز وتمديد نفوذها في دول الجوار. وفي هذا الإطار، فإنه من المرجح أن تواصل إثيوبيا تحركاتها النشطة في منطقة القرن الأفريقي لضمان تأييد دول المنطقة لمساعيها الخاصة بتنفيذ الاتفاق الموقع مع أرض الصومال للاستفادة من مينا “بربرة لتحقيق أغراض تجارية وعسكرية وضمان موطئ قدم لها في منظمة أمن البحر الأحمر.
[1] جاء التوقيع على مذكرة التفاهم الخاصة بتعزيز التعاون العسكري بين إثيوبيا وأوغندا، عقب الحديث عن مبادرة أوغندية محتملة للعب دور الوساطة بين إثيوبيا والصومال لتهدئة الخلافات القائمة بينهما منذ شهر يناير الماضي، وتوقيع أوغندا على مذكرة تفاهم مع الصومال لتعزيز التعاون العسكري بينهما، وهو ما دفع إثيوبيا للإسراع نحو تحييد الدور الأوغندي في الخلاف المتصاعد مع الصومال، وذلك من خلال التوقيع على مذكرة تفاهم مشابهة.