سلطت المخاوف والهواجس إزاء تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل بعد الضربات الأخيرة في إطار الردع والردع المقابل بين الجانبين الأضواء على العوائق الجيوسياسية التي تؤثر على ممرات ومشروعات الربط التجاري بين الشرق والغرب المخطط إقامتها أو تلك الجاري العمل عليها في الشرق الأوسط، كما جاءت الحرب الدائرة بين غزة وإسرائيل في الوقت الراهن، لتبرز التأثيرات على استخدام ممرات التجارة أو تعطيلها وفق كل حالة، مع إعادة طرح أفكار أخرى لمشروعات قديمة مثل قناة “بن غوريون” التي طرحتها إسرائيل منذ سنوات.
ولقد اكتسبت مشروعات تحويل الحدود إلى ممرات تصل بين الدول والقارات اهتمامًا مؤخرًا، إذ أنها تمثل تحولًا مهمًا في التعاون الإقليمي، حيث تسهم في تعزيز التواصل والتجارة بين الدول والقارات المختلفة، وتهدف إلى توفير ممرات فعّالة من حيث التكلفة لنقل البضائع وتسهيل حركة الأفراد والاستثمارات عبر الحدود، فضلًا عن أهميتها في إنشاء شبكات اقتصادية متكاملة في نطاقات إقليمية متعددة، وتفتح أبوابًا جديدة لفرص الاستثمار والتجارة الدولية، بالإضافة إلى ذلك، فإنها تعزز الاستقرار السياسي من خلال تعزيز الارتباطات الاقتصادية بين الدول وتعزيز التفاهم والتعاون المشترك.
توترات مضيق هرمز:
شهد الإقليم العديد من التوترات مؤخرًا بسبب الهجوم المتبادل بين إيران وإسرائيل، مما سلط الضوء على التهديدات التي قد تواجه تفعيل مشروع الممر الاقتصادي IMEC، وتباعًا مشروع طريق التنمية العراقي وكذلك مشروع البوابة الأوروبية، حيث أن تهديد المرور عبر الخليج العربي قد يؤدي لتراجع الاهتمام بتلك الطرق، علمًا بأن استيلاء طهران على السفينة الإسرائيلية المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي التي تواجدت بالقرب من مضيق هرمز في 13 إبريل 2024، لم يكن التهديد الأول من نوعه في منطقة الخليج العربي، إذ طالما واجهت هذه المنطقة تحديات عديدة مماثلة في السنوات الأخيرة، وتعرّضت العديد من ناقلات النفط والسفن لهجمات وعمليات احتجاز.
غالبًا ما تهدد إيران بإغلاق المضيق كورقة ضغط سياسية؛ إذ يتبلور أهمية المضيق بأن اغلاقه يمثل تهديدًا كبيرًا للأمن الدولي، وتعود أهميته إلى مرور حوالي 40% من الإنتاج العالمي من النفط عبر المضيق، ويستوعب من 20 إلى 30 ناقلة نفط يوميًا، كما أن 20% من الإمدادات العالمية ستتعطل بتعطل مرور سفن النفط والطاقة عبر مضيق هرمز[1]، ويُشار في هذا الصدد إلى أن التهديدات الحالية لم تتوقف عند كونها قد تتسبب في أزمة كبيرة للنقل والبضائع فقط، بل قد يكون لها تداعيات اقتصادية أخرى، تتمثل في ارتفاع سعر الطاقة في السوق العالمي، والتأثير على القطاعات الاقتصادية في العديد من دول العالم التي تعتمد على مصادر الطاقة، وكذلك السلع المستوردة، وتراجع لأهم مؤشرات أسواق الأسهم والبورصة الإقليمية والعالمية.
وقد أسفرت الحرب القائمة على قطاع غزة، وما تبعها من تهديدات حوثية للملاحة في البحر الأحمر، إلى تزايد التقدم في تنفيذ مشروع الممر الاقتصاديIMEC ، حيث وقعت الهند والإمارات في 13 فبراير 2024، اتفاقية إطارية لتشغيل الممر الاقتصادي، ويُشار في هذا الصدد إلى أن نجاح الممر يرتبط إلى حد كبير بالمشهد الجيوسياسي المعقد في الشرق الأوسط؛ حيث سيكون لآثار الحرب في غزة انعكاساتها على المشروع الذي سيواجه تحديات جوهرية قد على جدوى الاعتماد عليه كممر رئيسي للنقل والتجارة بين الشرق والغرب.
يُشار في ذات السياق إلى أن الهند تأمل في نجاح الممر، لاسيما مع سعيها لتعزيز علاقاتها مع المنطقة العربية، فقد سجل التبادل التجاري بين الهند والمنطقة العربية التي تعتبر أكبر شريك تجاري لها حوالي 240 مليار دولار، وبالأخص مع دول مجلس التعاون الخليجي، حيث سجل التبادل التجاري نحو 184 مليار دولار في الفترة 2022 – 2023[2]، وبالتالي يوفر ذلك الممر فرصًا متعددة للهند لزيادة حجم تبادلها التجاري مع دول الخليج خلال السنوات المقبلة.
الخلاف بين العراق وكردستان:
لا يقتصر الأمر على التوترات الجيوسياسية المتواجدة في مضيق هرمز، وإنما قد تتعرض مشروعات النقل العابرة للحدود لتوترات قد تعيق تقدم أهدافها، لاسيما طريق التنمية العراقي الذي ينقل التجارة بين الشرق والغرب عبر العراق وتركيا، فلا تقتصر العوائق على تحديات التمويل والتنفيذ التي يواجها المشروع، بل يُواجه توترات داخلية ناشبة في إقليم كردستان العراقي، إذ يرى الإقليم أن عدم مرور المشروع به خطة من خلفها دوافع سياسية واقتصادية تستهدف إضعافه.
كما يُذكر أن تلك التوترات الناشبة بين بغداد وإقليم كردستان قد تعقّدت بسبب الخلافات بشأن السيطرة على الموارد الطبيعية، خاصةً النفط، في المناطق المتنازع عليها، بالرغم من الجهود الدولية والإقليمية للتوسط في النزاع، إلا أن الحلول الدائمة لا تزال تتأثر بالتحديات السياسية والاقتصادية والأمنية المعقدة في المنطقة، بالإضافة إلى إمكانية نشوب توترات بين تركيا وحزب العمال الكردستاني في شمال العراق، وبالتالي تمثل كل هذه العوامل مجتمعةً تحديات قد تؤدي إلى عرقلة التقدم في طريق التنمية العراقي.
ويؤخذ في الاعتبار أيضًا أن التوتر في مضيق هرمز قد يقلص من فعالية طريق التنمية العراقي، وذلك على غرار ممر IMEC، حيث أن المضيق هو المنفذ الوحيد لعبور السفن من وإلى موانئ دول الخليج العربي، ويُعد البديل هو الاعتماد على إيران في نقل التجارة من الشرق لدول المنطقة، ولكن يُواجه ذلك الأمر بتحديات لوجستية واقتصادية وسياسية، في ضوء العقوبات المفروضة على طهران.
وختامًا، فإنه على الرغم من أن مشروعات ممرات النقل الإقليمية توفر لدولها العديد من المكاسب، إلا أن استدامة هذه المشروعات أصبحت موضع شك، لأن نجاحها يعتمد على تخفيف التوترات الجيوسياسية في المنطقة لاسيما أن الأمن الاقليمي هو جوهر استكمال لهذه المشروعات، كما يتطلب الأمر تخطيطًا دقيقًا شاملًا للمشروعات وإعداد دراسات جدوى بشأن العائد منها، حيث ستواجه الممرات الكثير من العقبات الجيوسياسية والتمويلية، خاصةً في المناطق المليئة بالاضطرابات مثل الشرق الأوسط، وهذه المشروعات وإن كانت تهدف إلى الربط بين مناطق مختلفة وتسهيل حركة السلع والخدمات والأشخاص، إلا أنها في ظل التوترات الجيوسياسية قد تؤدي إلى نتائج عكسية، لاسيما أن تباين الأوضاع الاقتصادية أو المنافسة على المنافع المُحقَّقة من هذه المشروعات قد تؤدي إلى تفاقم التوترات القائمة بالفعل، وارتباط ذلك بمركزية الدور في دعم التجارة العالمية، وتعميق الثقل الاستراتيجي للدول التي تمر بها تلك الممرات.
[1] “أمن دولي – انعكاسات الحروب والنزاعات الدولية على حرية الملاحة في مضيق هرمز”، المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات. 25 أكتوبر 2023. متاح على https://tinyurl.com/5ndhxsy5
[2] “Hope India-GCC FTA becomes a reality “very soon” Official”, The Financial Times. 12 July 2023. Available at: https://economictimes.indiatimes.com/news/economy/foreign-trade/hope-india-gcc-fta-becomes-a-reality-very-soon-official/articleshow/101699298.cms?from=mdr