Search

مستقبل التعليم ما قبل الجامعي في الجمهورية الجديدة، الفرص والتحديات

14/05/2024

مقدمة:

تؤمن العديد من دول العالم بأن التعليم هو صمام أمن المجتمعات والداعم الأول لاستقرارها، لذا تسعى حثيثًا نحو اصلاح نظمها التعليمية لمواكبة المستجدات المتلاحقة محليًا وإقليميًا ودوليًا. ولا يستطيع أي مجتمع تحقيق أهداف التنمية الشاملة والمستدامة ومواجهة متطلبات المستقبل إلا عن طريق تحسين جودة التعليم، خاصةً في إطار التطورات العلمية والتكنولوجية المتسارعة.

وينطلق الاهتمام بتطوير التعليم في مصر من الإيمان العميق بأن التعليم ضرورة قومية وعامل رئيس من عوامل تقدم المجتمع واستقراره، ومن المؤكد أن قدرة التعليم على إحداث تغيير نوعي في حياة المواطنين تكفل قيامه بالدور التنموي المُناط به، كما يعزز قدرة المواطنين على مواجهة التحديات التي تواجههم، وتكرس فرص الحراك الاجتماعي بين الطبقات المختلفة، خاصةُ مع تنوع طبيعة التعليم ومحتواه.

يرى كثير من الخبراء أن مصر تحتاج إلى ذلك النوع من التعليم الذي يشكل الفرد والمجتمع بصورة تنهض بهما معًا، بحيث يصبح المواطن قادرًا على الابتكار والابداع والتعلم ومواكبة تحديات العصر ومتطلبات سوق العمل المحلية والإقليمية والعالمية.

لقد بات هذا النوع من التعليم هو البوابة التي تدعم قيم الولاء والانتماء، وتطور قدرات الأفراد وتنمي مهارات التفكير لديهم، وقد أولت الدولة المصرية اهتمامًا بالغًا بالتعليم من خلال طرحه ضمن رؤية مصر 2030 الوطنية للتنمية المستدامة، انطلاقًا من حقيقة أن تنمية قدرات البشر تجعلهم قادرين على أن يكونوا جزءًا فاعلًا في منظومة التطور في الدولة والمجتمع معًا، وتعد رؤية 2030 بمثابة خارطة الطريق التي تستهدف تعظيم الاستفادة من المقومات والمزايا التنافسية، وتعمل على تحويل أحلام وتطلعات الشعب المصري إلى واقع عبر توفير حياة لائقة وكريمة للمواطنين.

وانطلاقًا من هذه الرؤية، اتجهت الدولة نحو وضع المزيد من خطط النهوض بالتعليم عبر مراحله المختلفة، وإيلاء أهمية متزايدة لمرحلة التعليم ما قبل الجامعي، كونها المرحلة التأسيسية التي يكتسب من خلالها الطلاب المهارات والقدرات التي تؤهلهم للقيام بدور نشط وفاعل في المجتمع.

التعليم قضية أمن قومي:

تعد قضية التعليم في مصر واحدة من أكثر القضايا محل الاهتمام نظرًا لانعكاساتها الاجتماعية. فالتعليم هو حجر الزاوية في برنامج التحديث والتطوير الذي تتبناه الدولة المصرية، بحكم مسئوليته المحورية في بناء الإنسان وتطوير قدراته الذاتية وخبراته العلمية والعملية.

وقد اتخذت الحكومة المصرية منذ عام 2014 مجموعة من الإجراءات لتحسين أداء منظومة التعليم ومخرجاتها، وتجسدت تلك الخطوات في عدد من الاستراتيجيات القطاعية التي أُطلقت، ومجموعة من البرامج المنبثقة عنها، والتي نُفذ البعض منها أو يجري استكمال البعض الآخر، من أجل تحقيق الأهداف الاستراتيجية للدولة المتعلقة بالاستثمار في رأس المال البشري. وتقوم هذه الاستراتيجيات على مجموعة من البرامج الرئيسية وعدد من البرامج الفرعية أهمها برنامج تكنولوجيا المعلومات، وبرنامج التغذية المدرسية وبرنامج الإصلاح الشامل للمناهج.

وفي نفس الوقت، أطلقت الحكومة المصرية في يوليو 2018 المشروع القومي لإصلاح التعليم الذي يقوم على طرح نظام تعليمي جديد بدأ تطبيقه في سبتمبر 2018، وتقوم محاوره الأساسية على اصلاح المناهج التعليمية وتحديث أساليب التعليم والتعلم وتطويرهما، وتنويع مصادر التعليم والتوجه نحو أساليب البحث والتعلم الذاتي، وتطوير أساليب التقييم وقياس المهارات والامتحانات وتغييرها، فضلًا عن التنمية المهنية للمعلمين وتدريبهم.

ومع ازدهار التوجه عالميًا نحو خصخصة التعليم ما قبل الجامعي، بدأت مصر تضع قدميها على طريق الخصخصة استجابة لهذا التوجه العالمي، فوضعت اللوائح والقوانين المنظمة لهذا التوجه، كي تتواكب مع المتغيرات المحلية والعالمية المعاصرة.

كما شرعت الدولة المصرية في تنفيذ استراتيجية جديدة لتطوير التعليم الفني وذلك بهدف الارتقاء بالمستوى المهني لخريجي التعليم الفني وإمدادهم بمهارات تواكب معايير التنافس المحلي والدولي في سوق العمل، وتتماشى مع احتياجات المشروعات التنموية القومية الجديدة، وحددت وزارة التربية والتعليم مجالات تطوير التعليم الفني من خلال تحسين جودة التعليم الفني، وتحويل المناهج الدراسية إلى مناهج قائمة على الجدارات، وتحسين مهارات المعلمين من خلال التدريب والتأهيل ومشاركة أصحاب الأعمال في تطوير التعليم الفني، وأخيرًا تغيير الصورة النمطية السائدة في المجتمع عن التعليم الفني.

الاستجابة للتحديات والتغلب عليها:

يمكن رصد عدد من التحديات التي تواجه منظومة التعليم ما قبل الجامعي بشكل عام، وتتمثل في:  ضعف الإتاحة والإعداد المبكر للتعليم “مرحلة رياض الأطفال” ومحدودية انتشارها، ونقص الإتاحة والاستيعاب أيضًا في مرحلة التعليم الأساسي، وكذا نقص الإتاحة والاستيعاب خلال مرحلة التعليم الثانوي، فضلًا عن مشكلات الأبنية التعليمية وانعكاساتها على الأداء التعليمي، وضعف جودة التعليم في المرحلة الابتدائية وغياب المكون التكنولوجي فيها، وضعف المهارات الأساسية في الصفوف الثلاثة الأولي الابتدائية، وضعف الأنشطة المدرسية وغياب آليات  تفعيلها كجزء محوري وضروري لاستكمال عمليات التعليم والتعلم.

وتذهب العديد من الدراسات الميدانية إلى أن مؤسسات التعليم الحكومي في مراحل التعليم ما قبل الجامعي تقدم خدمات تعليمية أقل جودة من نظيراتها المقدمة في المؤسسات التعليمية الخاصة وبما يؤثر على مخرجات العملية التعليمية ونتائج طلبة المدارس الحكومية، والمنتمين بشكل عام للشرائح الاجتماعية الأدنى في المجتمع، والذين يحصلون على تعليم أقل جودة ويكتسبون مهارات لا تتناسب عادة مع الاحتياجات الفعلية لسوق العمل التنافسي، وبالتالي فهم أكثر الفئات عرضه للبطالة.

وعلى الرغم من كل تلك التحديات التي تواجه المنظومة التعليمية، وأوجه القصور المرصودة في جودة مكونات العملية التعليمية ومن ثم مخرجاتها، فإن الدولة بذلت – وما تزال – جهودًا مضنية لتحسين جودة التعليم دون أن ينفي ذلك حجم الأعباء الإضافية على كاهل كثير من الأسر المصرية في هذا المجال.

التجربة المصرية في خصخصة التعليم:

تكمن فلسفة خصخصة التعليم ما قبل الجامعي في أن التوسع في التعليم الخاص يعد أحد أهداف الحكومة، لتخفيف الضغط على التعليم الحكومي نظرًا لتزايد أعداد الطلاب، فالتعليم الخاص وما يتيحه من إمكانيات سوف يخفف الضغط على الميزانية العامة المخصصة للتعليم، ويقدم مخرجات جيدة ومن الممكن أن يوفر تخصصات نادرة.

وتشير التجربة المصرية إلى تنفيذ الحكومات المتعاقبة منذ سبعينيات القرن الماضي سياسة الخصخصة في التعليم، ففى عام 1979، أصدرت الحكومة قانونًا يمنح القطاع الخاص حرية إنشاء مدارس خاصة، ربحية أو استثمارية، ليمثل نقطة البداية على طريق خصخصة خدمة التعليم، وتطور عدد المدارس الخاصة في مصر وعدد الطلاب الملتحقين بها في جميع المراحل التعليمية بمعدلات ثابتة تقريبًا خلال السنوات الخمس الأخيرة.

لقد أصبح اللجوء إلى الشراكة بين القطاعين العام والخاص وسيلة لا غني عنها في تطوير النظام التعليمي المصري، خاصةً مع المشكلات العديدة التي يعاني منها، فالتعليم العام يعاني من نقص في التمويل في ظل النمو السكاني المتسارع، ومن ثم تركز إصلاحات السياسة العامة على زيادة مشاركة القطاعين الخاص والعام معًا لاستكمال جهود الدولة في إتاحة التعليم على أوسع نطاق ورفع مستوى كفاءة الخدمة التعليمية المقدمة لتتناسب مع احتياجات السوق ومتطلبات التنافس داخله.

يُشار إلى أن وزارة التربية والتعليم قد بدأت في عام 2016 مشروعًا للشراكة مع القطاع الخاص لإنشاء ألف مدرسة على غرار المدارس الرسمية للغات من خلال نظام حق الانتفاع لمدة 30 عامًا، مع إمكانية أن تزيد عشر سنوات أخرى.

وتضمنت الشراكة المعلنة قيام وزارة التربية والتعليم بتوفير قطع الأراضي ومنحها للمستثمر مع تيسير الحصول على تراخيص بناء المدارس وتشغيلها تحت متابعة الوزارة، شريطة أن يلتزم المستثمرون بالمصروفات الدراسية التي يتم الاتفاق عليها بين الطرفين، حيث تم تشغيل 13 مدرسة فقط حتى نهاية عام 2023؛ الأمر الذي يفرض إعادة تقييم المشروع وتحديث آليات تنفيذه، لمواجهة المعوقات والتحديات.

وهناك شراكة مهمة بين وزارة التربية والتعليم والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لتنفيذ أجندة اصلاح قطاع التعليم التحويلي، كما وقعت وزارة التعليم اتفاقيات أخرى مع كل من كوريا الجنوبية وإيطاليا وألمانيا لتنفيذ مشروعات لتحسين البيئة التعليمية، كما حصلت الوزارة على أربع منح من الولايات المتحدة لتطوير التعليم الأساسي.

وأخيرًا، طرحت الحكومة المشروع القومي لبناء وتشغيل مدارس المشاركة المتميزة للغات بما يصل إلى 1000 مدرسة، ليمثل نقلة نوعية لمشروعات المشاركة مع القطاع الخاص في مجال التعليم، وتستهدف الحكومة من خلاله تقديم خدمة تعليمية متميزة تفوق المدارس التجريبية، ولكن مع مصروفات دراسية تقل كثيرًا عن المصروفات الدراسية بالمدارس الخاصة لغات، الأمر الذي يسهم في تحفيز بيئة الاستثمار التعليمي بما يحقق أهداف التنمية الشاملة.

ويخاطب هذا المشروع شريحة من المواطنين من ذوي الدخل المتوسط؛ حيث يستهدف تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية هي: رفع كفاءة العملية التعليمية بتقديم مستوي متميز من التعليم بنظام اللغات، والمساهمة في حل الكثافات الطلابية، وتخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين من الشريحة الراغبة في البحث عن نظم متميزة لتعليم أبنائها وبمصروفات دراسة مقبولة.

وختامًا، ليس ثمة شك في أن قضية التعليم، تمثل أحد أهم القضايا الرئيسية للأمن القومي المصري، فالتعليم الجيد هو الأساس القوي والآمن لتحقيق التنمية المستدامة والحقيقية، والمستقبل الجيد للأجيال القادمة، وبهذه الكيفية يعد التعليم الركيزة الأساسية لنهضة الأمم ومحركًا قويًا لتطورها ونموها مما يفرض الأخذ بأسباب التميز والاستفادة من التجارب الإقليمية والدولية في هذا الإطار، وإعطاء الفرص للقطاع الخاص كشريك رئيسي، مع أهمية وضع المعايير الكفيلة بضبط المنظومة التعليمية وتضمن تحسين جودتها وكفاءتها، بما يعود بالنفع على الوطن والمواطن.

Cover (2)
الأمن القومي المصري: قديمًا وحديثًا
Oct1973
نصر أكتوبر 1973 .. حكاية شعب
president sisi
مصداقية الدور المصري الراسخ في الملف الفلسطيني
السيد الرئيس السيسي
رسالة رئيس المركز: مصر وولاية جديدة للسيد الرئيس عبد الفتاح السيسي
Scroll to Top