أثارت العملية العسكرية التي شنتها إسرائيل في رفح، وطبيعة تعامل الإدارة الأمريكية، حالة من الاستقطاب والتجاذب داخل الكونجرس، وذلك في ضوء قرار الرئيس الأمريكي “جو بايدن” بتعليق بعض الإمدادات العسكرية لإسرائيل، والتلويح بإمكانية استخدامه حق الفيتو الرئاسي مرة أخرى، حيث أوقفت الإدارة الأمريكية في الثامن من مايو الجاري شحنة من الذخائر كانت متجهة إلى إسرائيل، عقب مناقشات داخل الحزب الديموقراطي، والتي استهدفت إجبار رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” على التراجع عن الأعمال العسكرية في قطاع غزة، وسط تخوفات من زيادة معدل الخسائر البشرية في رفح.
مؤشرات واضحة:
أدى موقف الإدارة الأمريكية إلى تجاذبات حادة داخل الكونجرس ومن أبرز المؤشرات الدالة على ذلك ما يلي:
- اتهام عدد من النواب الجمهوريين مثل (“تيم سكوت” و”تيد كروز”) الرئيس الأمريكي بانحيازه لحركة حماس، كذلك، فقد زعم البعض أن التراخي الأمريكي في توفير الدعم لإسرائيل من شأنه أن يرسل إشارة خاطئة إلى إيران وحلفائها بأن الولايات المتحدة ستسمح لهم بتقويض استقرار وأمن المنطقة[1].
- تأييد وزير الدفاع الأمريكي “لويد أوست” خلال جلسة الاستماع في مجلس الشيوخ قرار الرئيس بايدن بإيقاف توجيه الذخائر لإسرائيل، وكذلك تبرير وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” هذا القرار بالسلطات القانونية الممنوحة (مثل قانون المساعدات الخارجية وقانون تصدير الأسلحة)، لاسيما في ضوء تورطها في ممارسة انتهاكات جسيمة في حق المدنيين الفلسطينيين[2].
- تكثيف لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية (AIPAC) ضغوطها على الكونجرس من أجل قبول عملية رفح، وذلك من خلال التأكيد على أن العملية تمثل الملاذ الأخير لإسرائيل للتخلص من حركة حماس والزعم في الوقت ذاته برفض الحركة الانخراط الجاد في مسار التوصل لصفقة إطلاق سراح الرهائن، وبأن إسرائيل قد دفعت بالمدنيين لإخلاء رفح لتجنب الخسائر البشرية.
تفسير التجاذب:
- إدراك مجموعة داخل الحزب الديموقراطي بأن التجربة التاريخية في العراق وأفغانستان أثبتت عدم قدرة الولايات المتحدة على القضاء على التنظيمات المسلحة والإرهابية، وبالتالي فإنهم يرون أن استمرار الولايات المتحدة في تقديم الدعم العسكري لإسرائيل من شأنه أن يسمح بمزيد من الخسائر البشرية، مما يُعزز الحاضنة الشعبية لحركة حماس وقدرتها على شن هجمات أخرى على إسرائيل.
- في المقابل زعم الحزب الجمهوري أن وقف الدعم العسكري لإسرائيل قد يؤدي إلى تزايد قدرات حماس العسكرية، فضلًا عن التنديد المستمر للمرشح الرئاسي “دونالد ترامب” بقصور تعامل الرئيس “جو بايدن” مع ملف السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط.
تباينات متسقة:
تعد التجاذبات داخل الكونجرس بمثابة انعكاس لتجاذبات أوسع داخل المجتمع الأمريكي حيال القضية الفلسطينية، وذلك في ضوء الأبعاد التالية:
- اتساع رقعة ونطاق الاحتجاجات والاعتصامات الطلابية بالعديد من الجامعات لدعم غزة ووقف إطلاق النار، وظهور احتجاجات موازية داعمة لإسرائيل وساخطة على ما سمته حالة “معاداة السامية” التي انتشرت في الداخل الأمريكي.
- تنامي الانقسام داخل الكونجرس الأمريكي بشكل عام، وامتداد هذا الانقسام إلى داخل الحزب الديموقراطي مع ظهور توجهات بداخله تسعى لإدانة إسرائيل على الجرائم التي ارتكبتها في غزة، وكذلك الدفع باتجاه وقف إطلاق النار، وإيقاف هيمنة جماعات اللوبي الصهيوني على الكونجرس الأمريكي.
- محاولات جماعات اللوبي الصهيوني وعلى الأخص لجنة الإدارة العامة للشئون الأمريكية الإسرائيلية تقويض تحركات النواب الديموقراطيين المدافعين عن حقوق الفلسطينيين، والمطالبين بإجراءات أكثر حزمًا في التعامل مع إسرائيل، من بينهم النائب “جمال بومان”.
وختامًا، فقد تلقي حالة التجاذب بظلالها على العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، حيث لم يُسفر التهديد الأمريكي عن ردع إسرائيل عن عمليتها العسكرية في منطقة رفح، بل وصل الأمر إلى إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو مؤخرًا عن عدم احتياج إسرائيل للدعم والمساندة الأمريكية، فضلًا عن ذلك، فقد لمح وزير الأمن القومي الإسرائيلي “إيتمار بن غفير” إلى أن الرئيس بايدن يدعم حركة حماس، ومن المرجح أن تؤثر هذه التجاذبات على مسار ونتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، وذلك في ضوء احتمالية خسارة الرئيس بايدن للكتلة التصويتية والدعم الذي تمثله جماعات الضغط الصهيونية واليهود، ومع ذلك، فقد يسعى الرئيس بايدن إلى استمالة العرب والمسلمين للتصويت لصالحه.
[1] Ryan chatelian, “A terrible friend to Israel: Republicans rip Biden for threatening to withhold weapons over Rafah”, spectrum news. 9 May 2024. Available at https://ny1.com/nyc/all-boroughs/politics/2024/05/09/republicans-reaction-joe-biden-threaten-withhold-weapons-israel
[2] Rachel Oswald, “Pause in arms to Israel over Rafah offensive reverberates on Hill”, Roll Call. 8 May 2024. Available at https://rollcall.com/2024/05/08/pause-in-arms-to-israel-over-rafah-offensive-reverberates-on-hill/