Search

مسارات العلاقات التركية اليونانية

19/05/2024

تسعى تركيا للعب أدوار أكثر فاعلية في النظام الدولي، وأدركت أن ذلك لن يتم إلا بإصلاح علاقتها مع جيرانها، لذلك سعت تركيا في الآونة الأخيرة وخصوصًا بعد طرح الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” لاستراتيجية “قرن تركيا” في الانتخابات الرئاسية 2023، إلى إصلاح علاقتها مع دول المنطقة، ومن بينها اليونان، حيث قام الرئيس أردوغان بزيارة في 7 ديسمبر 2023 إلى اليونان – والتي كانت أول زيارة رسمية له إلى أثينا منذ عام 2017 – وتم توقيع الإعلان المشترك لتأسيس ومواصلة علاقات حسن الجوار بين البلدين، إلا أن الفترة الأخيرة قد شهدت عددًا من التطورات المتضاربة في مسار العلاقات التركية اليونانية.

تذبذب العلاقات:

اتخذ تطور العلاقات التركية اليونانية في الفترة الأخيرة موقفًا متذبذبًا بالرغم من أنه قد غلب عليه طابع التعاون والرغبة في تجاوز الخلافات المزمنة بين البلدين، والذي تتضح أبرز معالمه في زيارة الرئيس أردوغان إلى اليونان في ديسمبر الماضي، والاتفاق على عقد مؤتمر أثينا والذي يهدف لتوسيع دائرة العلاقات الثنائية للتنسيق في المجالات المختلفة، فضلًا عن توقيع الإعلان المشترك فيما يخص مسألة مواصلة علاقات حسن الجوار، إلى جانب توقيع سبع مذكرات تفاهم وسبعة إعلانات في مجالات متنوعة، والاتفاق على تطوير التعاون بين البلدين في المجالات الاقتصادية من خلال استهداف زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، وإعلان اليونان عن إجراءات دخول مبسطة للمواطنين الأتراك إلى بعض الجزر اليونانية[1] دون الحاجة إلى الحصول على تأشيرة بشكل مسبق، وقد بدأ تنفيذها في 30 مارس الماضي.

وقد اتخذ الجانبان عددًا من التحركات الدبلوماسية، لعل من أبرزها انعقاد جولة من “اجتماعات بناء الثقة” في 22 أبريل الماضي بأثينا، والذي حضره سفراء ومسئولون عسكريون رفيعو المستوى من الطرفين، وتم مناقشة الخطة التنفيذية لعام 2025 فضلًا عن استعراض الإجراءات التي اتخذها الطرفين في الملفات التي تم الاتفاق عليها من قبل، وكذا الاجتماع الذي جمع وزير الخارجية التركي “هاكان فيدان” مع نظيره اليوناني “جيورجوس جيرابيتريسيس” في 27 أبريل الماضي بلندن.

وأخيرًا، قام رئيس الوزراء اليوناني “كيرياكوس ميتسوتاكيس” بزيارة إلى أنقرة في 13 مايو الجاري في زيارة تعد الأولى له لتركيا منذ خمس سنوات[2]، والتي جاءت لتقييم ما تم تنفيذه في إطار الاتفاقيات التي تم التوصل لها خلال زيارة الرئيس التركي الأخيرة إلى اليونان في ديسمبر الماضي، وكذا تعزيز التعاون بين البلدين لاسيما في مجالي مكافحة الإرهاب[3] والهجرة غير النظامية، والجدير بالذكر أنه قد تم الاتفاق على تشكيل مجلس أعمال مشترك من أجل إبقاء قنوات للحوار بين الجانبين.

على الجانب الأخر، ظهرت بعض التوترات بين الدولتين بالتزامن مع المؤشرات الإيجابية، والتي برزت مع افتتاح تركيا لمسجد “كاريا” في 6 مايو الجاري بإسطنبول بعد 4 سنوات من قرار تحويله من كنيسة “خورا” الأرثوذكسية البيزنطية إلى مسجد في عام 2020، والذي أثار غضب اليونان والرأي العام اليوناني خصوصًا المعارضة اليونانية التي حاولت استغلال الخبر لإلغاء زيارة ميتسوتاكيس إلى تركيا وإفساد الأجواء الإيجابية بين الجانبين. كما كان للإعلان اليوناني في 9 أبريل الماضي الذي تضمن الرغبة في إنشاء حديقتين بحريتين للحفاظ على الحياة المائية إحداهما في بحر إيجة والأخرى في البحر الأيوني تداعيات سلبية حيث أثار السخط التركي بسبب الإعلان الأحادي الجانب في بحر إيجة والذي اعتبرته تركيا أنه يُظهر الرغبة اليونانية في توسيع مياهها الإقليمية بشكل غير شرعي، حيث ما تزال بعض المناطق به محل خلاف.

دوافع تركية:

تتضح أبرز الدوافع التركية في تحسين علاقتها مع الجانب اليوناني في السعي التركي لتعزيز نفوذها في الإقليم – خاصةً مع القوى الرئيسية – وذلك من أجل تحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية، والرغبة في جذب المستثمرين الأجانب لتخفيف أعباء الضغوط الداخلية المترتبة على تراجع الاقتصاد التركي وحل مشكلة التضخم، فضلًا عن الرغبة في التوصل إلى تفاهمات قد تمكنها من التحرك في شرق المتوسط وعمليات التنقيب عن الطاقة دون اعتراض يوناني أو حتى قبرصي، إلى جانب التطلع لإتمام عدد من مشروعات الطاقة باعتبار تركيا المعبر الذي سيتم استخدامه لنقل الغاز المستكشف مؤخرًا في اليونان وقبرص إلى أوروبا، وأخيرًا تحسين العلاقات المتوترة بين تركيا مع أوروبا بشكل عام والتأثير الإيجابي بشأن رغبة تركيا للانضمام للاتحاد الأوربي بشكل خاص.

اتجاهات محددة:

يشهد التقارب التركي واليوناني عددًا من التهديدات والمخاطر التي قد تعرقل مسار تحسن العلاقات بين الدولتين  والتي  يظهر في كل من القضايا الخلافية التالية، قضية الهجرة الغير شرعية، حيث تعتبر تركيا نقطة انطلاق إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط، وتعتبر اليونان بوابة دخول لدول الاتحاد الأوروبي لذلك يعد ملف هجرة الفارين من الصراع في الشرق الأوسط إلى اليونان عبر تركيا من الملفات الخلافية بين البلدين، إلا إن في الفترة الأخيرة حاولت البلدين ضبط الإجراءات بينهما، قضية قبرص والتي من المفترض أن اتفق فيها الطرفان على اللجوء لقرارات مجلس الأمم المتحدة بشأنها، والجزر المتنازع عليها في بحر إيجة والتي اتفق فيها الطرفان على نزع السلاح منها وتحويلها لمنطقة سلام وتعاون بينهما، والمسألة المتعلقة بالحرب على غزة واعتبار اليونان حركة حماس منظمة إرهابية في المقابل رؤية تركيا لها على إنها حركة مقاومة، ولكن اتفقًا في النهاية على أهمية وقف القتال وحماية المدنيين.

وختامًا، يمكن القول أن ما يحدث في مسار العلاقات التركية اليونانية ما هو إلا استمرار لاستراتيجية تركيا الجديدة للتهدئة الإقليمية، والذي قد يكون الهدف منها هو جذب الاستثمارات من أجل إصلاح الاقتصاد التركي وحل مشكلة التضخم، ويرجح أن يقتصر التقارب في العلاقات التركية اليونانية على تحقيق انفراجه في مجالات محددة منها التجارة والسياحة ومكافحة الإرهاب وحل مسألة الهجرة بين الدولتين وذلك بسبب الخلافات بين الدولتين في عدد من الموضوعات الجدلية بينهما، التي تتطلب حوار جاد وحسن النوايا وكذا تخلى الطرفين عن الإيمان بالمحصلة الصفرية كنتيجة حتمية.


[1] أبرز الجزر التي طبق عليها اليونان الاجراءات المبسطة هي: رودس وخيوس وكوس وليسبوس وساموس وكاليمنوس وليروس وكاستيلوريزو وسيمي وليمنو.

[2] يعد هذا اللقاء الخامس بين تركيا واليونان منذ عام 2020، واللقاء الرابع بين أردوغان وميتسوتاكيس خلال 10 أشهر والذي يشير إلى ارتفاع مستوى العلاقات بين البلدين بالرغم من استمرار الخلافات بين الجانبين.

[3] مكافحة التنظيمات الإرهابية التي يعد أبرزها حركة غولن وحزب العمال الكردستاني وجبهة حزب التحرير الشعبي الثورية.

isr-lebanon
سيناريوهات مطروحة: ماذا بعد المواجهة بين حزب الله وإسرائيل؟
Turkuselections
منظور تركي للانتخابات الرئاسية الأمريكية
tunis-ch-rus
هواجس أوروبية: تونس وتعدد الشراكات الدولية
Iran-President
تحديات السياسة الخارجية الإيرانية
Scroll to Top