تبنى المشاركون في الحوار الوطني الذي عُقد في “واغادوغو” في 25 مايو الماضي، نص ميثاق لتمديد النظام الانتقالي بقيادة النقيب “إبراهيم تراوري” خمسة أعوام إضافية اعتبارًا من الثاني من يوليو 2024، وهو ما سيوفر فرصة لدى السلطة الحاكمة من أجل إعادة ترتيب أوراقها بما يتماشى مع الوضع الأمني القائم في منطقة الساحل وواقع التهديدات الإرهابية بها؛ وذلك بعدما سادت حالة من الغموض خلال الفترة الأخيرة حول مصير المرحلة الانتقالية في بوركينا فاسو.
يأتي ذلك في ظل استمرار تصاعد التهديدات والمخاطر الإرهابية التي تواجه بوركينا فاسو على خلفية المشهد الأمني المعقد في منطقة الساحل الأفريقي، فوفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي 2024، أصبحت بوركينا فاسو الدولة الأكثر تضررًا من الإرهاب على مستوى العالم، إذ تم تسجيل ربع إجمالي الوفيات الناجمة عن الإرهاب على مستوى العالم في العام الماضي في بوركينا فاسو.
وتجدر الإشارة إلى أن مناطق شمال غرب الدولة بالقرب من حدود النيجر ومالي، المعروفة بالمثلث الحدودي، تعد الأخطر في منطقة الساحل الأفريقي، وتتسم بكثرة الغابات والأنهار، وهو ما يجعلها بيئة مواتية تتخذ منها التنظيمات الإرهابية قواعد تتمركز فيها وتمثل نقاط للتدريب وشن هجمات مباغتة في الدول الثلاث (مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو)، وعلى رأس تلك الجماعات، جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” التابعة لتنظيم القاعدة، وكذلك فرع تنظيم داعش الإرهابي بغرب أفريقيا، كما أن الشمال البوركيني يعد أحد أبرز المناطق الغنية بالموارد في البلاد، حيث تشير بعض التقديرات إلى أنه يشمل رواسب ذهب كبيرة، و3 مناجم صناعية، وعشرات المناجم الحرفية المسجلة.
إجراءات متزامنة:
أعلن إبراهيم تراوري منذ رئاسته بوركينا فاسو في أكتوبر 2022 أن هدفه الوحيد هو تحقيق النصر على الإرهاب، وهو ما دفعه نحو تبنى جملة من التدابير والإجراءات على المستوى الداخلي في إطار جهود حكومة بوركينا فاسو لمكافحة الإرهاب، لعل من أبرزها ما يلي:
- تمديد إبراهيم تراوري، في 28 مارس الماضي، حالة التعبئة العامة – شبيهة لحالة الطوارئ – لمدة عام آخر من أجل مواصلة الحرب على الجماعات المسلحة الإرهابية التي تنتشر في مناطق شمال وشرق البلاد، وجدير بالذكر أن بوركينا فاسو كانت قد أعلنت الدخول في حالة التعبئة العامة في منتصف أبريل من عام 2023.
- إعلان الحكومة، في بيان رسمي في 11 فبراير الماضي، تمديد مهمة “صندوق الدعم الوطني” الذي تأسس في يناير 2023، لعام إضافي، وذلك بعد أن نجح الصندوق في جمع 99 مليار فرنك أفريقي (162.2 مليون دولار) خلال العام الماضي، مما يتيح لبوركينا فاسو أداة مناسبة لجمع المساهمات المالية وحشد التمويل اللازم لتنفيذ استراتيجيتها لمكافحة الإرهاب.
- قيام المسؤولين الأمنيين بعدد من الجولات الميدانية بين الحين والآخر في وسط وشرق بوركينا فاسو بهدف التنسيق مع بعض المجموعات المسلحة المحلية المتطوعة والموالية للسلطات الأمنية بهدف القتال بجانب الجيش وقوات الشرطة في مواجهة الجماعات الإرهابية.
- إطلاق الحكومة البوركينية في أكتوبر 2022، حملة قومية لتجنيد 50 ألف متطوع، وذلك لتغذية الجيش بمزيد من القوة البشرية لمواجهة الجماعات الإرهابية.
سياق متشابك:
يأتي قرار تمديد النظام الانتقالي في بوركينا فاسو في سياق عدد من التطورات المتسارعة والمتشابكة والتي تتعلق بالداخل البوركيني من جهة، ومنطقة الساحل الأفريقي من جهة أخرى، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
- استمرار تنفيذ الجماعات الإرهابية النشطة في بوركينا فاسو، لاسيما داعش ونصرة الإسلام والمسلمين، هجمات إرهابية على مواقع الجيش والقرى التي يقطنها المدنيون، وذلك في المناطق المحاذية لدولتي مالي والنيجر (أي المناطق الشمالية).
- نشر تقارير تتحدث عن بدء مرحلة هدنة محتملة بين تنظيمي داعش والقاعدة في مالي، وهو ما يتيح الفرصة للتنظيمين من أجل تعزيز أنشطتها ضد قوات الأمن في مالي، وعناصر فاغنر الروسية، وهو ما سيعقد بالتبعية المشهد الإرهابي داخل مالي ومن ثم منطقة الساحل.
- إعلان قادة جيوش النيجر، ومالي، وبوركينا فاسو، في 6 مارس الماضي، عن تشكيل قوة مشتركة لمحاربة التنظيمات الإرهابية التي تشن هجمات في الدول الثلاث.
- رفع المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إكواس”، في 25 فبراير الماضي، العقوبات التي كانت قد فُرضت على بوركينا فاسو، ومالي، والنيجر، للضغط على سلطات الحكم في تلك الدول.
الفرص والتحديات:
من المتوقع أن يستهدف المجلس العسكري البوركيني بقيادة إبراهيم تراوري خلال الفترة المقبلة، تبني جملة من التحركات المتزامنة بهدف تحقيق هدفه الأهم في القضاء على الإرهاب، وذلك في ضوء الآتي:
- محاولة العمل على تبنى استراتيجية وطنية شاملة تنطوي على إصلاح الجهاز الأمني والعسكري البوركيني، وتوفير ما ينقصه من إمكانات وموارد، وكذلك العمل على تعزيز الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمدنيين، في ضوء التأكيد المستمر للمجلس العسكري على ضرورة القضاء على جذور الإرهاب من خلال خلق بيئة اجتماعية واقتصادية وسياسية غير مواءمة لتمركز الجماعات الإرهابية.
- تعزيز التعاون الأمني المشترك مع مالي والنيجر، من خلال التفعيل الحقيقي لدور القوة المشتركة المعلن عنها في مارس الماضي، وكذا الانخراط في تدريبات مشتركة على عمليات مكافحة الإرهاب ضمن إطار الشراكة القائمة بين الدول الثلاث في مجال التدريب ومكافحة الإرهاب.
- رفع مستوى التنسيق مع الجماعات المحلية والقبائل، من خلال تبني مقاربة تقوم على احتواء الجماعات المهمشة، حيث قد يدفع المجلس العسكري نحو التوسع في ضم أفراد من تلك الجماعات والقبائل في فرق تقاتل إلى جانب الجيش والشرطة، وبالتالي يحقق لهم هامش من الامتيازات الاقتصادية يقطع بها الطريق أمام عمليات الاستقطاب التي تقوم بها الجماعات الإرهابية في المناطق التي تقطن بها تلك الجماعات المحلية.
- تعميق مستوى التفاهم الأمني مع روسيا وفق ترتيبات أمنية يحتمل أن تأخذ طابعًا أكثر ديمومة، لاسيما في ظل اقتراب بدء أعمال الفيلق الروسي في أفريقيا، والذي تُعد بوركينا فاسو أحد المحطات الرئيسية لنشاطه الذي يستهدف مواجهة التحديات الأمنية في المنطقة ومنها الخطر الإرهابي.
وفي المقابل، ثمة بعض التحديات التي قد تواجه المجلس العسكري في إطار سعيه نحو القضاء على الإرهاب، يمكن توضيحها على النحو التالي:
- التحديات التمويلية لاستراتيجيات مكافحة الإرهاب، فعلى الرغم من المؤشرات الراهنة بشأن حدوث بعض الانفراجات التمويلية للحكومة، إلا أن تبني استراتيجية فعالة لمكافحة الإرهاب يتطلب حجم تمويل هائل يصعب توفيره في ظل الوضع الاقتصادي الداخلي المتأزم.
- التوترات والصراعات العرقية الكامنة بين المجتمعات المحلية في المناطق الحدودية، وكذلك الصراعات بين تلك المجتمعات على الموارد بصورة مستمرة، هذا إلى جانب انعدام الثقة من قبل مجتمعات الرعاة تجاه السلطات الحكومية.
- الطبيعة العابرة للحدود للجماعات الإرهابية وحالة السيولة على حدود بوركينا فاسو مع مالي والنيجر، والتي تجعل تحقيق نتائج إيجابية وفعالة في مجال مكافحة الإرهاب داخل بوركينا فاسو يرتبط بالوضع الأمني العام بمنطقة الساحل، لاسيما في مالي والنيجر، ذلك الوضع الذي يزداد تشبيكًا وتعقيدًا في ظل تداخل العديد من الفاعلين بأهداف واستراتيجيات مختلفة.
- ارتهان النتائج بما تحقق أرض الواقع، إذ أن تفاقم عدم شعور المدنيين بتغير ملموس على مستوى مكافحة الإرهاب، وطبيعة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية في معظم أنحاء البلاد، قد تؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار في بوركينا فاسو.
وفي الختام، يمكن القول إن واقع التغييرات المتكررة في النخب الحاكمة خلال السنوات الأخيرة بمنطقة الساحل الأفريقي قد فرض واقعًا من عدم اليقين الأمني، تصاعدت على أثره التهديدات الإرهابية بالمنطقة، وفي ظل محاولة المجلس الانتقالي في بوركينا فاسو تحقيق نوع من الاستقرار والتسكين النسبي للجبهة الداخلية من خلال تمديد النظام الانتقالي لخمسة أعوام إضافية، فإن ذلك قد يشكل فرصة مناسبة للتركيز على ملف مكافحة الإرهاب في البلاد، إلا أنه لا يمكن الجزم بتحقيق اختراقات واضحة وملموسة في ذلك الملف المعقد في ظل عدم وجود نهج إقليمي ودولي شامل يقدم نظرة دقيقة للتحديات الأمنية، والجيوسياسية، والاقتصادية التي تواجهها بوركينا فاسو ومنطقة الساحل الأفريقي بوجه عام.