تجدد الحديث حول فرص إحياء اتحاد المغرب العربي في أعقاب تعيين الدبلوماسي التونسي “طارق بن سالم”[1] في السابع والعشرين من مايو الماضي أمينًا عامًا جديدًا للاتحاد، ومباشرته مهامه الرسمية في مطلع يونيو الجاري من مقر الأمانة بالمغرب، وهو ما يمكن أن يُوصف ببادرة حسن نوايا صاغتها دوائر صنع القرار في كل من تونس والرباط كأحد أشكال التعاطي الإيجابي مع التحفظات التي أبدتها الجزائر عدة مرات حول الأمين العام السابق “الطيب البكوش” الذي تجاوز ولايته القانونية في المنصب، حيث كان من المقرر أن تنتهي ولايته في أغسطس 2022.
قد يقود تعيين طارق بن سالم نحو تنشيط اتحاد المغرب العربي في ضوء الوعي بالتحديات المحيطة، من خلال عمله في عدة دول، مثل روسيا ومالي والنيجر وبوركينافاسو، خاصةً في ضوء الأطروحات المختلفة حول تنشيط هياكل الاتحاد واستئناف عقد القمم المغاربية، ومراجعة اتفاقيته التأسيسية، والتي جاءت كرد فعل على تراجع فاعلية الاتحاد على مدار العقدين الماضيين.
تبديل الأولويات:
يأتي تعيين أمين عام جديد لاتحاد المغرب العربي المكون من خمس دول (هي: ليبيا، والجزائر، وتونس، والمغرب، وموريتانيا) بعدما ساق الخطاب الجزائري رسائل مهمة حيال وضع الاتحاد، فقد اعتبرته الجزائر أنه لم يعد موجودًا في الواقع، ولهذا الأمر ما يبرره، حيث تعطلت اجتماعات وزراء الخارجية منذ عام 2016 لخلافات مغاربية حول قضايا الأزمة الليبية، علاوةً على اتجاه بعض أعضاء الاتحاد للانضمام إلي تكتلات إقليمية أخرى كالمجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا، أو البريكس، وتأسيس مبادرات إقليمية منها مبادرة المغرب الأطلسية مع دول غرب أفريقيا، ومبادرة الجزائر لإنشاء مناطق للتبادل التجاري الحر عبر الحدود مع خمس دول في الجوار (موريتانيا وتونس و ليبيا ومالي والنيجر)، وهو ما يمكن قراءته بأنها مراجعة للأولويات لمحاولة تطوير التعاون الإقليمي بإيجاد بدائل تعوض استمرار تعطل مشاريع التكامل الاقتصادي بين الدول المغاربية.
وقد طرح الرئيس الجزائري “عبد المجيد تبون” بحضور الرئيس التونسي “قيس سعيد” ورئيس المجلس الرئاسي الليبي “محمد المنفي” في ختام أعمال منتدى رؤساء الدول المصدرة للغاز بالجزائر في مارس الماضي، تكتلًا إقليميًا جديدًا قد يكون في رأيها محاولة للتكيف مع التغيرات الإقليمية والدولية والواقع العربي الراهن، ولذا، خرج المقترح الجزائري إلي العلن كنسق تشاوري ُيعقد كل ثلاثة أشهر في العام، حيث عقد اجتماعه الأول في تونس في مايو الماضي.
بيد أنه لم تستقر حالة التكتل الذي بادرت به الجزائر سواء على صعيد المسمى أم على صعيد العضوية أم على صعيد تسوية خلافات أزمات المعابر الحدودية، وسط تباين الروايات حول ما إذا كانت بقية الدول المغاربية (المغرب، وموريتانيا) مدعوة للانضمام أم لا، وما إذا كان التكتل سيسهم في تصفية معوقات تنشيط اتحاد المغرب العربي، أم سيكون نواة تكتل إقليمي سيضم مستقبلًا دول أفريقية ربما تكون مالي والنيجر أو حتى جبهة البوليساريو التي تدعمها الجزائر في النزاع على الصحراء الغربية.
وقد حاولت موريتانيا النأي بنفسها عن ذلك الطرح، تحسبًا من احتمال أن يشكل مزيدًا من العقبات أمام تفعيل اتحاد المغرب العربي، كما تتبع ليبيا برغم ما تعيشه من صراعات داخلية مسارًا متوازنًا من أجل دفع آمال تفعيل الاتحاد، من خلال عدد من المخاطبات والزيارات الدبلوماسية مع موريتانيا والمغرب وتونس.
تفاعلات ممتدة:
تجدر الإشارة إلي أهم المعوقات التي عرقلت مسيرة اتحاد المغرب العربي، فرغم أنه قد تأسس من أجل الوصول لبيئة مواتية لتحقيق التنمية والسلام والرفاهة وحرية تنقل الأفراد وحركة التجارة في السلع والخدمات، ومواجهة التهميش في النظام الدولي الذي تهيمن عليه القوى الكبرى، فقد فرضت تفاعلات الأوضاع السياسية والاقتصادية بالمنطقة المغاربية تأثيراتها على الاتحاد، ويمكن توضيح أهم ملامح ذلك فيما يلي:
تجمد هياكل الاتحاد:
برغم تنوع هيئات اتحاد المغرب العربي منذ تأسيسه في عام 1989 ما بين أمانة عامة ومجلس شورى وهيئات قضائية وأكاديمية ومصرفية، ظلت هذه الأجهزة قيد الجمود باستثناء أمانته العامة، ولم يتمكن قادة الاتحاد من استئناف القمم الرئاسية المغاربية منذ عقد أخر قمة في عام 1994 في تونس، وجاء تفجير فندق “أطلس أسني” بمراكش في أغسطس من ذات العام ليسفر عن سلسلة من التوترات على الساحة المغاربية، حيث أعقبها غلق الجزائر الحدود البرية مع المغرب، وهو ما ألقى بظلاله على رفض الجزائر استضافة القمة الرئاسية التي كانت مقررة في عام 2003، بالإضافة إلي توسيع دائرة تضارب المصالح خاصةً بين المغرب والجزائر حول تمثيل اتحاد المغرب العربي داخل بعض الهيئات الدولية والإقليمية التي يشتركا في عضويتها كالاتحاد الإفريقي، ففي أبريل من العام الماضي، استنكرت الجزائر تعيين المغربية “أمينة سلمان” ممثلة الاتحاد المغربي لدى الاتحاد الأفريقي، بدعوى أن ذلك التعيين لم يعد من صلاحيات الأمين العام “الطيب البكوش” نظرًا لانتهاء ولايته.
تعقيدات قضية الصحراء:
مثلت قضية الصحراء عقبة رئيسية تحول دون تفعيل اتحاد المغرب العربي، حيث تتعارض مواقف أطراف النزاع الممتد (المغرب، والجزائر، وموريتانيا، وجبهة البوليساريو) حول سبل إنهائه سلميًا، الأمر الذي خلق تجاذبات كثيرة في المحافل الدولية والإقليمية، بجانب عدد من المواجهات العسكرية المتفرقة على مدار السنوات الماضية لاسيما بين الجيش المغربي وعناصر مسلحة من جبهة البوليساريو التي تسبب اعتراف الجزائر بها، في قطع العلاقات مع المغرب لمدة 12 عام، قبل أن تُستأنف في مايو 1988، ثم تقطع مجددًا في عام 2021، برغم أن الجزائر كانت أول حاضنة لقادة المغرب العربي في اجتماع “زرالدة” في يونيو 1988، الأمر الذي مهد لميلاد اتحاد المغرب العربي، باستضافة المغرب قمة التأسيس.
وامتدت تأثيرات قضية الصحراء إلى العلاقات التونسية المغربية، إثر استقبال تونس زعيم جبهة البوليساريو ووفد مرافق له خلال قمة طوكيو للتنمية الأفريقية في عام 2022، الأمر الذي أدى إلى استدعاء المغرب سفيرها لدى تونس، بيد أن الأخيرة اهتمت بالتأكيد على أنه ما من قطيعة في علاقتها بالمغرب برغم أزمة السفراء.
وفي الختام، يمكن القول أن اتحاد المغرب العربي أمام فرصة لتنشيطه وتعزيز دوره في خطط التكامل القاري الأفريقي، وذلك إذا تجاوز الاتحاد المعضلة التي ظلت لسنوات تتردد كسبب لتراجع دور الاتحاد، وهي التنافس بين الدولتين الرئيسيتين داخله، أي: الجزائر والمغرب، وقد يتم استغلال حالة التفاعلات التي أحدثها تعيين الأمين العام الجديد، بالإضافة لإمكانية أن تتوسط دولة عربية لها ثقلها الإقليمي وعلاقاتها الوطيدة مع المغرب العربي، من أجل تقريب وجهات النظر وترميم صفوف الاتحاد، بما يُسهل الارتقاء به كخيار استراتيجي يمكنه صياغة مستقبل المنطقة المغاربية والتأثير في معادلات القوة الإقليمية وتحقيق المصالح المشتركة في مواجهة التهديدات الأمنية، وتحقيق التكامل الاقتصادي البيني من أجل بلوغ أمن الشعوب المغاربية.
[1] ولد طارق بن سالم في مايو 1969 بمحافظة سوسة التونسية، والتحق بوزارة الخارجية التونسية في عام 1990، ومنذ ذلك الحين تولى عدة مناصب دبلوماسية، منها: سفير فوق العادة ومفوض للجمهورية التونسية لدى روسيا، ومدير عام التعاون مع أوروبا والاتحاد الأوروبي.