فشلت الجولة الأولى من المفاوضات غير المباشرة بين الصومال وإثيوبيا في التوصل إلى نتائج إيجابية بشأن تسوية الخلافات المُثارة بين البلدين، وذلك بعد أن تدخلت تركيا للعب دور الوساطة بين مقديشيو وأديس أبابا، في محاولة لتقريب وجهات النظر بينهما، وتهدئة التوترات السياسية المتصاعدة، وعقب انتهاء هذه الجولة، أعلن وزير الخارجية التركي “هاكان فيدان” أنه تم الاتفاق على عقد الجولة الثانية من هذه المفاوضات في 2 سبتمبر المقبل، وهو ما يثير التساؤل حول فرص وعقبات نجاح الوساطة التركية في هذا الخصوص.
فرص متاحة:
توجد بعض الفرص المتاحة التي يمكن الاستناد إليها لاستئناف الوساطة التركية مجددًا بين الصومال وإثيوبيا، فمن جهة أولى، تتمتع تركيا بعلاقات وثيقة بالصومال، حيث تمتلك تركيا قاعدة عسكرية كبيرة في مقديشيو، وهي أكبر قاعدة عسكرية لها في الخارج، ومنشأة تدريب لديها القدرة على استيعاب حوالي 1500 متدرب في وقت واحد، وقد دربت تركيا خلال الأعوام الماضية أكثر من 5 آلاف من قوات الأمن الصومالية.
وقد وقع البلدان اتفاقية لتعزيز التعاون الأمني والعسكري والاقتصادي بينهما في فبراير الماضي مدتها 10 سنوات، وقد تمثل الهدف الرئيس لهذه الاتفاقية في مساعدة الصومال على الدفاع عن مياهها الإقليمية، حيث أشار رئيس الوزراء الصومالي “حمزة عبدي بري” إلى أن هذه الاتفاقية ستسهم في حماية الحدود البحرية من الإرهاب والقرصنة وعمليات الصيد غير المشروعة، وبموجب هذه الاتفاقية ستوفر تركيا التدريب والمعدات للبحرية الصومالية كي تتمكن من حماية مياهها الإقليمية بشكل أفضل.
ويتسم نمط العلاقات التركية الإثيوبية بقدر كبير من التعاون الإيجابي على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية كافة، ويؤكد على ذلك أن هذه المفاوضات قد جاءت بناءً على طلب إثيوبي من تركيا بلعب دور الوساطة بينها وبين الصومال لتسوية الأزمة القائمة بينهما، وذلك عندما قام رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” بزيارة رسمية إلى تركيا في شهر مايو الماضي واجتماعه مع الرئيس التركي أردوغان، وهو ما يشير إلى ثقة إثيوبيا في حيادية الدور التركي تجاه طرفي الأزمة.
وقد أبدت الصومال استعدادها لقبول فكرة وصول إثيوبيا إلى البحر الأحمر بصفة عامة، إلا أنها تتحفظ على طريقة الوصول لهذا الهدف، حيث أشار الرئيس الصومالي “حسن شيه محمود” قبل انعقاد الجلسة الأولى من هذه المفاوضات، إلى أن بلاده لا تمانع وصول إثيوبيا إلى منفذ بحري، ولكنها ترفض قطعيًا أن تكون طريقة وصولها إلى البحر على حساب الصومال، في إشارة واضحة إلى أن بلاده لن تقبل وصول إثيوبيا إلى البحر عبر أراضي إقليم أرض الصومال، ومن جانبها لم تُقدم إثيوبيا حتى الآن على تنفيذ مذكرة التفاهم الموقعة مع إقليم أرض الصومال، وهو ما يعد مؤشرًا مهمًا على استعداد إثيوبيا للتسوية السياسية مع الصومال أولًا قبل تنفيذ الاتفاق، وهو ما قد يسهم في إنجاح جهود الوساطة التركية.
تحديات مستمرة:
تواجه الوساطة التركية بعض التحديات، حيث تتمسك الصومال بشرطها الخاص بتراجع إثيوبيا عن مذكرة التفاهم الموقعة مع إقليم أرض الصومال، وهو ما ترفضه إثيوبيا وتتمسك بموقفها الخاص بحقها الوجودي في الحصول على منفذ بحري، وهو ما دفع الرئيس الصومالي “حسن شيخ محمود” لاتهام إثيوبيا بإفشال الجولة الأولى من هذه المفاوضات[1]، إذ لم تبد أي علامات على إلغاء اتفاقها مع إقليم أرض الصومال، ومن جهة أخرى يرفض إقليم أرض الصومال التوصل لاتفاق بين إثيوبيا والصومال يخص المناطق الساحلية للإقليم، خاصةً أن حكومة أرض الصومال تتطلع لاحتمال اعتراف إثيوبيا به كدولة مستقلة.
وفي المقابل، تصر إثيوبيا على تنفيذ مذكرة التفاهم الموقعة مع إقليم أرض الصومال للوصول إلى البحر الأحمر، كما ترفض إثيوبيا الطرح الخاص بالوصول إلى البحر الأحمر عن طريق جنوب الصومال، نظرًا للتكلفة المادية الكبيرة، والتحديات الأمنية التي تواجه هذا البديل.
بناءً على ما سبق، فإنه بالرغم من فشل الجولة الأولى من هذه المفاوضات، إلا أنها تعد خطوة أولى في طريق تسوية الخلافات الإثيوبية الصومالية، خاصةً أن الصومال كانت ترفض أي وساطات خارجية من قبل، ثم أن هناك دعم إقليمي ودولي لمسألة تسوية التوترات السياسية في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر، بما يسهم في مواجهة التحديات والتهديدات الأمنية المتصاعدة في تلك المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية.
كما توجد مجموعة من الفرص المتاحة أمام نجاح جهود الوساطة التركية في تهدئة حدة الخلافات المتصاعدة بين الصومال وإثيوبيا، إذ يشير انعقاد الجلسة الأولى من المفاوضات بين الصومال وإثيوبيا برعاية تركية، إلى ما يتمتع به الدور التركي من قبول لدى البلدين، خاصةً بعدما نجحت تركيا في إقناع البلدين لعقد هذه الجلسة الأولى من المفاوضات غير المباشرة، وسابق رفضهما للوساطة الكينية ووساطة الاتحاد الأفريقي، لذا يعد قبول كل من إثيوبيا والصومال للوساطة التركية تغيرًا نوعيًا في موقفي البلدين تجاه فكرة قبول الوساطة الخارجية في حد ذاتها، وهو ما يمثل مؤشرًا مهمًا سواء على استعدادهما لتسوية الخلافات القائمة بينهما، وعلى طبيعة علاقة تركيا بالبلدين.
ومن المرجح في حال استئناف المفاوضات لاحقًا، أن تسهم الوساطة التركية في تقريب وجهات النظر بين الصومال وإثيوبيا، ومن ثم احتمال التوصل إلى تفاهمات بين البلدين قد تؤدي إلى التوصل لحلول توافقية تحظى بقبول الطرفين، إلا أن ذلك سيتطلب عقد العديد من جلسات التفاوض وممارسة قدر أكبر من الضغوط الإقليمية والدولية على الصومال وإثيوبيا لحل هذه الأزمة.
[1] “الرئيس الصومالي يكشف سبب فشل محادثات بلاده مع إثيوبيا”، الصومال الجديد، 2 يوليو 2024، متاح على https://tinyurl.com/42pdz62t