Search

انعكاسات الانتخابات البريطانية على قضايا الشرق الأوسط

11/07/2024

أسفرت الانتخابات التشريعية البريطانية التي عُقدت في 4 يوليو الجاري عن عودة حزب العمال إلى السلطة بعد الفوز بأغلبية المقاعد، وتم تعيين زعيم حزب العمال “كير ستارمر” رئيسًا للوزراء، الأمر الذي من شأنه أن يعيد ترسيم التوجه الإنجليزي في منطقة الشرق الأوسط، في ضوء تبني حزب العمال نهجًا مغايرًا لحزب المحافظين تجاه عدد من قضايا المنطقة، وذلك من واقع ما طُرح في برنامجه الانتخابي وتصريحات قياداته.

تأمين الفوز:

عاد حزب العمال إلى السلطة بعد 14عام، سيطر خلالها حزب المحافظين على الحكم، وقد أظهرت نتائج الانتخابات سخط الرأي العام البريطاني على سياسة حزب المحافظين إزاء عدة قضايا، منها: تدهور الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع أسعار الوقود، الأمر الذي مكن حزب العمال من تأمين الفوز بأغلبية ساحقة بلغت 412 مقعدًا (من أصل 650 مقعداً)، مقارنة ب 121 مقعدًا لحزب المحافظين.

وتُظهر هذه النتائج تراجع ثقة المواطنين في قيادات حزب المحافظين في ظل الانقسامات الحزبية خلال ولاية “بوريس جونسون”، وقد فشل رئيس الوزراء السابق “ريشي سوناك” في تحسين شعبية حزبه وجاذبيته لدى المواطن البريطاني، في حين وعد ستارمر خلال حملته الانتخابية بالعمل الحثيث من أجل استعادة الاستقرار بالتركيز على الاقتصاد وضبط أوضاع المرافق العامة، وكذلك تعزيز حقوق العمال وتقليل معدلات الهجرة واستعادة علاقات بريطانيا بجوارها الأوروبي دون العدول عن البريكست.

وقد جاءت الانتخابات البريطانية وسط جملة من التطورات التي تشهدها الاستحقاقات الانتخابية في القارة الأوروبية، أبرزها: تمكن بعض الأحزاب اليمينية من الفوز في الانتخابات التشريعية في أوروبا، حيث تصدر الحزب الشعبي الأوروبي في إسبانيا على حساب الحزب الاشتراكي الحاكم، وكذلك استطاع الحزب الحاكم ذو التوجه اليميني في إيطاليا “إخوة إيطاليا” تحقيق الفوز في الانتخابات، ومع ذلك، لم تستطع التوجهات اليمينية تحقيق الفوز في فرنسا وألمانيا، حيث أسفرت الانتخابات الفرنسية عن فوز ائتلاف الأحزاب اليسارية المتمثل في الجبهة الوطنية الجديدة، وذلك على الرغم من تقدم اليمين في الجولة الأولى من الانتخابات، كما استطاع الحزب الاشتراكي الديمقراطي (يسار الوسط) الفوز في الانتخابات الفيدرالية الألمانية.

توجهات حزب العمال:

تبنى زعيم حزب العمال “كير ستارمر” نهجًا أكثر وضوحًا من الزعيم السابق “جيرمي كوربين” في إدارة الحزب، وهو ما انعكس على تبنيه سياسات معتدلة خاصةً فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط، التي يتمثل أبرزها فيما يلي:

  1. الحرب في غزة: أكد الحزب في برنامجه الانتخابي على أهمية إيجاد حل للحرب الجارية في قطاع غزة، من خلال الموازنة بين الاعتراف بالدولة الفلسطينية وبين مواكبة السياسة الأمريكية، وذلك من خلال الدعوة إلى هدنة إنسانية ودعم جهود وقف إطلاق النار كشروط مسبقة لتحقيق السلام الدائم، كما يرى الحزب أن انتهاء الحرب في غزة من شأنه أن يؤدي إلى إغلاق جبهات أخرى من القتال، سواء في لبنان أو البحر الأحمر.
  2. الوجود العسكري البريطاني في المنطقة: أشار الحزب إلى مواصلة التنسيق مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بتحالف حارس الازدهار وما يتضمنه ذلك من الاستمرار في التصدي لهجمات الحوثيين في حالة استمرارهم في تعطيل حركة الملاحة في البحر الأحمر.
  3. العلاقات الاقتصادية: يسعى الحزب إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الدول الخليجية، وبالتحديد السعودية والإمارات، من خلال تنشيط الروابط الاقتصادية بوسائل تضمن تحقيق النمو المتبادل، وتوسيع الشراكة مع دول الخليج في جميع المجالات دون أن يقتصر ذلك على تجارة الأسلحة.
  4. العلاقات مع إيران: تشير التقارير إلى أن الحزب يدرس تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية، كما ينتقد الحزب السياسات الإيرانية المتعلقة بالبرنامج النووي، ويتهمها بالتصعيد وتقويض استقرار المنطقة بسبب دعمها للحركات المسلحة، وممارسة سياسات داخلية تتعارض مع حقوق الإنسان.

تأثيرات محتملة:

تأتي الحرب في غزة في صدارة القضايا محل اهتمام الحكومة البريطانية الجديدة، وذلك في ضوء طبيعة التوجه التاريخي لحزب العمال الداعم للقضية الفلسطينية، وتأثير الحرب على السلوك التصويتي للمواطنين في بريطانيا، فعلى الرغم من نجاح الحزب في الفوز بالانتخابات، فإنه لم يستطع حصد غالبية أصوات الكتلة المسلمة، بدليل خسارته ثلاثة مقاعد لصالح مرشحين مستقلين داعمين لغزة، في المناطق ذات الكثافة السكانية المسلمة، وكذلك الموقف القانوني من استمرار تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، فقد يؤثر قرار محكمة العدل الدولية بشأن الانتهاكات التي تمارسها إسرائيل في قطاع غزة على الموقف البريطاني الحالي، وكذلك تزايد الاهتمام الأوروبي بالقضية الفلسطينية، وجهود التوصل لتسوية سياسية بشأنها، حيث أعلنت عدد من الدول الأوروبية متمثلة في إسبانيا وإيرلندا والنرويج اعترافها بدولة فلسطين، كما أشارت فرنسا إلى أن الاعتراف بدولة فلسطين ليس أمرًا محظورًا على دول الاتحاد الأوروبي، ولكن يجب انتظار اللحظة المناسبة لتلك الخطوة.

ومن المرجح أن تؤدي عودة حزب العمال إلى السلطة إلى مزيد من الاهتمام البريطاني بمنطقة الشرق الأوسط، في ضوء تمتعها بعلاقات متميزة مع دول المنطقة، وتماشي ذلك مع المصالح البريطانية، خاصةً المصالح الاقتصادية والاستثمارية، حيث تعاني بريطانيا من التضخم وارتفاع الدين العام، وقد يدفع ارتفاع أسعار النفط – فضلًا عن تأمين إمداداته – إلى اعتبار منطقة الخليج بمثابة الخيار الأمثل والمنطقي للاستثمار السياسي لبريطانيا، لاسيما أن الدول الخليجية تتمتع بعلاقات تاريخية مع بريطانيا، وتعدها الأخيرة بمنزلة ركن مهم لتحقيق الاستقرار في المنطقة.

وعلى صعيدٍ متصل، فقد تتبنى بريطانيا نهجًا أكثر استقلالية عن الولايات المتحدة في التعامل مع قضايا المنطقة، نتيجة لتصاعد احتمالات عودة الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” إلى البيت الأبيض، وفي ظل إدراك بريطانيا لطبيعة توجهات ترامب وسياساته إزاء عدد من القضايا الملحة، بما فيها الحرب في غزة والمهاجرين غير الشرعيين والبرنامج النووي الإيراني.

وختامًا، يتضح أن توجه حزب العمال في المنطقة يرتبط بصورة أساسية بالمشهد السياسي الداخلي في بريطانيا من حيث تراجع النمو الاقتصادي ومن ثم البحث عن سبل للشراكة مع دول المنطقة، وكذلك تزايد الدعم لقطاع غزة، سواء نتيجة الحاجة لإعادة استقرار المنطقة، أو نتيجة تأثير الحرب الجارية في القطاع على الرأي العام البريطاني.

الناتو والولايات المتحدة
مسارات التغيير في العلاقات العسكرية الأمريكية – الأوروبية
USAID
المستقبل المنظور للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)
Sudan Crisis
مسارات واتجاهات الأزمة السودانية
Latin america ch-us
الولايات المتحدة والتحركات الصينية في أمريكا اللاتينية
Scroll to Top