كلمة السيد رئيس المركز:
كيف يواكب المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط التغيرات العالمية؟
يموج العالم في الوقت الراهن بجملة من التطورات المتسارعة، التي تثير التساؤلات حول هيكل النظام العالمي وتغير موازين القوى الإقليمية والدولية.
وتطال تلك التطورات مختلف الساحات والصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والصحية، مترافقةً مع موجات من الصراع والتنافس على مقاليد القوة ومناطق النفوذ، فضلًا عن أشكال من التعاون القائم على فكرة الاعتماد المتبادل التي حتمتها متطلبات المصالح القومية.
نعيش اليوم مرحلة تبلور نظام عالمي جديد لم تستقر معالمه وأنماط العلاقات بين أطرافه بعد، فاللحظة الأُحادية – كما وصفها الكاتب الامريكي “تشارلز كروثامر Charles Krauthammer” – وهي لحظة انفراد الولايات المتحدة بهيكل القوى العالمي، لم تعد موجودة، على خلفية صعود قوى الوسط – إن جاز التعبير – مثل روسيا الاتحادية والصين والهند وغيرها، لكى تلعب دورًا موازيًا للدور الأمريكي .. هذا النظام العالمي قيد التشكُل قد عرف العديد من التحديات، فكانت جائحة كورونا، والتغيرات المناخية والبيئية، والأزمات الاقتصادية والمالية العالمية، والصراع الروسي الأوكراني/الغربي، وصولًا إلى العدوان الإسرائيلي على غزة، كلها تحديات عززت من عناصر تهديد الاستقرار العالمي والإقليمي والوطني، وأوجبت التحرك السريع للتعامل معها واستباقها بخطوات وسيناريوهات، وفق رؤى علمية رصينة.
بات السؤال الأبرز على خلفية تلك التحديات هو: أين مكان الشرق الأوسط في تلك التحولات المتسارعة؟ وهل يمكن أن تشهد منطقة الشرق الأوسط انتقالًا نحو شكل جديد من التفاعلات والعلاقات تحت وطأة تلك التحولات أم لا؟
مثل هذه الأسئلة وغيرها كثير، قد فرضت على مركزنا – المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط – باعتباره “مركز فكر مستقل”، ضرورة الاشتباك مع تلك التحديات، بالدراسة الموضوعية، والتحليل الدقيق، ليوفر لمتخذ القرار، وللقارئ المهتم، والمتخصص، فيضًا من المعرفة العلمية التي قد تُسهم في تبديد غيوم حالة “عدم اليقين” التي تسود العالم.
وجاء الاهتمام بالبنية التكنولوجية كأحد أبعاد جهود التطوير التي تطال المركز في الوقت الراهن، سواء على مستوى البنية المؤسسية، أو الانتاج البحثي، لكي يلاحق التطورات، سواء على مستوى الفكر البحثي، أو التفاعلات العالمية بين الدول وبعضها البعض، وبينها وبين غيرها من الفاعلين من غير الدول.
وها نحن نعلن تدشين الموقع الإلكتروني لمركزنا – المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط – بكل اعتزاز وفخر، في ثوبٍ جديدٍ، يجعل منه ساحة كاشفة ومعبرة عن هوية المركز ككيان بحثي متميز يعنى بالقضايا الداخلية والإقليمية والعالمية، في نسق متشابك، يعكس حالة التداخل بين تلك القضايا وتداعياتها على مختلف المستويات.
إن الموقع الالكتروني في شكله الجديد سيكون قادرًا على استقطاب واجتذاب العديد من الباحثين ودارسي العلوم السياسية والقانون وعلوم الاجتماع والثقافة، حيث يجدون البدائل المتاحة والسيناريوهات المتوقعة والتفسيرات الموضوعية للظواهر المحيطة بعالمنا سريع التطور والتغير.
يوفر الموقع الالكتروني تحليلًا معمقًا ومواكبًا للتطورات والتفاعلات الداخلية والإقليمية والعالمية، عبر جملة من إصدارات المركز التي يشارك فيها نخبة من كبار الخبراء والباحثين والمتخصصين، فنجد أوراق الشرق الأوسط، وكراسات سياسية، ونشرة المجتمع المدني، ونشرة استطلاعات الرأي العالمية، والتحليل العاجل، ومقالات الرأي، وغيرها من مصادر المعرفة البحثية المعمقة التي تعكس ميراثًا تاريخيًا من الكفاءة العلمية للمركز – منذ نشأته الأولى عام 1989 – بالتزامن مع طفرات التحديث نحو المستقبل.
إن منطق مركزنا – المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط – في معالجة القضايا، يستند إلى الرشادة في التحليل والموضوعية والاستخدام الأمثل للمناهج والمنهجيات العلمية، وبيان مدى صلاحيتها لوصف وتفسير الظواهر، وصولًا إلى التنبؤ بمساراتها واستشراف آليات التعامل معها، مما يعزز مصداقية المركز، ويُراكم دوره ككيان بحثي متميز، ويمثل الموقع الالكتروني لغة العصر، التي بات المركز يمتلك مفرداتها، والأداة الأسرع للتواصل مع جمهور الباحثين ونقل المعرفة إلى أكبر عدد ممكن من القراء، في أقل وقت وبأعلى كفاءة ممكنة.
وسوف يلمح القارئ الكريم والمتابع لصيرورة المركز خلال الفترة المقبلة، وعبر الموقع الالكتروني، سوف يلمح قدرًا عاليًا من التفاني في العمل، وإصرارًا متزايدًا على سبر أغوار القضايا المتشابكة، ذات التأثير المباشر على إقليم الشرق الأوسط من ناحية، وعلى الداخل المصري من ناحية أخرى، في محاولة مستدامة للإجابة على تساؤل علمي ما زال يحير المفكرين والمنظرين، حول ما الذي يحكم العالم.. هل هي القوة أم القانون؟ بات لزامًا أن نستوثق من الإجابة على ضوء قضايا الصراع المتلاحقة وبؤر التوتر المتصاعدة ونماذج التعاون البارزة والتي قد تعكس منطقًا براجماتيًا محضًا.
إننا ندعو القارئ الكريم إلى الاشتباك الفكري مع أطروحات باحثينا، خاصةً فيما يتعلق بجدوى النظريات المفسرة لتفاعلات العلاقات الدولية، والتي تتراوح بين المثالية والواقعية والليبرالية والليبرالية الجديدة، وربطها بالتحولات الخاصة بقضايا الأمن والاقتصاد والهجرة واللاجئين والبيئة والثورة المعلوماتية والذكاء الاصطناعي، وتأثيراتها على صنع القرار، ومصالح الدول، ومصير الصراعات والحروب.
إنها مسئولية كبرى تحملناها في استدامة نقل المعرفة الموضوعية إلى كل من يرغب، والحث على إجراء المساجلات الفكرية التي تسمح ببناء القدرات العقلية واكتساب مهارات التحليل السياسي، وتوفير الكوادر القادرة على فهم أعمق للعالم من حولنا، فرصد التغيرات ولحظات الانتقال في العالم ومنعطفات التحول الجذرية، تعكس رسالة المركز من ناحية، وتعبر عن رؤيته في أن يكون الأبرز والأقدر على التحليل والأكثر موثوقية في الطرح وتقديم البدائل من ناحية أخرى.
سيمثل الموقع الالكتروني جسرًا للتواصل بين مركزنا – المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط – وكل باحث عن المعرفة، وساعٍ للفهم، وراغبٍ في العمل العام، ويوفر الاضاءات اللازمة في حينها حول القضايا والظواهر التي تثير القلق العلمي والعملي، وتترك انعكاساتها على علاقات الدول وسياساتها في مختلف المجالات.
ونحن إذ نبدأ صفحة جديدة في سجل تطور مركزنا – المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط – ندعو المولى عز وجل أن يكون التوفيق حليفنا والموضوعية والعلمية طريقنا، لاستكمال مهمة التنوير والفهم لتطورات الداخل والإقليم والعالم، وأن نمثل لبنة مهمة في صرح العلم والفكر والمعرفة.