Search

العدد (99)

21/08/2024

الافتتاحية

لواء د/ خالد الخمري

رئيس المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط

يُصدر المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط (العدد 99) من دورية أوراق الشرق الأوسط في ضوء مجموعة من التطورات والأحداث المتلاحقة على كل المستويات التي ألقت بارتداداتها على أمن الإقليم بأكمله، خاصةً مع استمرار الحرب في قطاع غزة، واتجاه الحكومة الإسرائيلية إلى شراء الوقت مع الإدارة الأمريكية، ولحين مرور الأشهر المتبقية من عمر هذه الإدارة، وبما يؤكد أن الحكومة الإسرائيلية ستتبع عدة خيارات أهمها: عدم الجدية في المشاركة في المفاوضات، والتركيز في التعامل مع الولايات المتحدة على إبرام ما تريده من صفقات سلاح كان من المفترض أن تتم طوال الأربع سنوات المقبلة لولا ما جرى ودخلت الحرب في قطاع غزة واختزال الأمر للتوصل إلى موعد مبكر يمكن أن يسهم في حماية الدولة العبرية، ويوفر قدرًا كبيرًا من الأمن المنشود في إطار التخوف من احتمالات خوض حرب جديدة مع حزب الله، ما يتطلب العمل على مسارات متعددة، في ظل حوار استراتيجي بين واشنطن وتل أبيب سيستمر، ويرتكز في المقام الأول على الدعم العسكري، واستعادة الشراكة الأمنية والاستراتيجية.

وستظل الإشكالية الرئيسة تكمن في التحركات الأمريكية الراهنة، والمتوقعة، والدور المتوقع الذي يمكن للإدارة أن تقوم به في دعم تحركات الوسطاء، بالرغم من المخطط الإسرائيلي اللافت لاستخدام وتوظيف العمل العسكري، وعدم تنحيته ولو مؤقتًا، ما يؤكد أن إتمام أي هدنة مرتبط بتغيير السلوك الراهن للحكومة الإسرائيلية بصرف النظر عن الرهانات المتوقعة على التغيير الحزبي للحكومة، ومن ثم تكريس استراتيجية استخدام القوة، الأمر الذي أدى لتزايد شعبية رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، وفقًا لنتائج استطلاعات الرأي مؤخرًا، ما يؤكد أن حالة عدم الاستقرار في إسرائيل ستستمر في ظل ما يجري من خيارات محددة.

في سياق مرتبط، يمكن التأكيد إذًا على أن ما يربط واشنطن وتل أبيب في الوقت الراهن حرص مشترك على عدم الصدام، والعمل على مساحات من التوافق، ولو المرحلية للتوصل لحل لبعض الأزمات حيث الرهانات التي يطرحها كل طرف في مواجهة الآخر لتحقيق أهدافه الرئيسة في إطار ما يجري من خيارات تتطلب العمل على أكثر من مسار، وفي إطار من الاتجاهات المتعددة انتظارًا لمرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة حيث يشير الواقع الإسرائيلي سياسيًا واستراتيجيًا إلى أن المعضلة الرئيسة التي تواجه إسرائيل العمل على فرض المناعة الوطنية لإسرائيل في محيطها الراهن مع الإمعان وتكريس استراتيجية المواجهة، وعدم انتظار الطرف الآخر أيًا كان في تهديد حدود الدولة في ظل مخاوف من تخلي حلفاء إسرائيل عن دعمها، وتوفير وسائل المساندة مثلما جري في حرب غزة مؤخرًا، الأمر الذي سيتطلب إعادة بناء القدرات العسكرية والتحول من الجيش الذكي إلى جيش الشعب القوي، الذي يدافع عن سموات وحدود الدولة العبرية.

وفي سياق مرتبط، يأتي اعتراف الدول الأوروبية بفلسطين كدولة ودول لها دلالات معينة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، ومنها إسبانيا والنرويج، فالأولى استضافت قمة مدريد في مطلع التسعينيات، والثانية كانت موقع لمفاوضات أوسلو السرية بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني وأنتجت بالفعل السلطة الفلسطينية على الأرض بمقتضى أوسلو السياسية إضافة لأوسلو الاقتصادية ممثلة بالفعل في اتفاق باريس الاقتصادي، الأمر الذي يشير إلى أن تتالي الاعتراف الدولي من دول أخرى ما يؤكد على أن الأمر يمضي في صالح القضية الفلسطينية، ويؤدي إلى تبعات مهمة على المستوي الرمزي وليس القانوني المنشأ للدولة الفلسطينية على جزء من أرض فلسطين التاريخية.

على جانب آخر، ثمة تحولات حقيقية ستجري عامة على المستوى الدولي في منظومة حلف الأطلنطي – على وجه الخصوص – من جانب وإطار العلاقات الأوروبية الأمريكية من جانب آخر ولننتظر لنري تأثيرات ذلك على الشرقين الأقصى والأوسط معًا، حيث تدخل العلاقات الأمريكية الصينية مرحلة جديدة من الصدام المتوقع إثر الانخراط الأمريكي مع كل من بريطانيا وأستراليا في تحالف موجه مباشرةً للصين مع العمل مع كل من الهند واليابان أيضًا في إشارة إلى إمكانية التحول في اتجاه صراع متعدد الأقطاب محوره الرئيسي الصين، الأمر الذي يجب النظر إليه على أنه حرب باردة جديدة بين الجانبين الأمريكي والصيني، وسيؤثر على الكثير مواقف الدول الأخرى، وبالتالي سيكون هناك استقطاب سياسي واستراتيجي عسكري سيتجاوز ما هو قائم من محاور أو أحلاف وهو ما سينطبق على حلف الأطلنطي ودول الاتحاد الأوروبي التي ما تزال تعمل تحت المظلة الدفاعية الأمريكية، الأمر الذي سيؤكد على أن الإدارة الأمريكية باتجاهها شرقًا ستؤكد على مصالحها العليا في إقليم مضطرب ما زال يواجه حالة من عدم الاستقرار وأنه يحتاج إلى ضوابط حقيقية حاكمة، وليس العمل من أعلى وهو ما تدركه الصين ولن تقف أمام ما يجري دون أن تُقدم على اتخاذ سياسات مباشرة، وهو ما ينطبق على تعاملاتها في الإقليم وخارجه وهو ما سيترجم ما يخطط له الجانبان الصين والأمريكي مع حشد أكبر عدد من الدول المؤيدة لها في إطار من المصالح الكبرى التي ستشمل كل الأطراف حتي الدول الصغرى.

ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية ستعمل على تطويق ومحاصرة الحضور الصيني سياسيًا واستراتيجيًا واقتصاديًا، الأمر الذي يؤكد على أن الإدارة الأمريكية ستنتهج أسلوب العمل من جانب واحد حتى بدون إخطار حلفائها، وأن ما جرى في التعامل مع فرنسا سيجري أيضًا مع أي طرف أوروبي أو آسيوي.

ومن ثم فإن العالم يدخل مرحلة جديدة من التفاعلات الإقليمية والدولية تختلف شكلًا ومضمونًا عما كان قائمًا منذ سنوات طويلة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، خاصةً أن الولايات المتحدة ما زالت تبحث عن إطار جديد لعلاقاتها بكل من روسيا والصين، وتجمع في هذا بين وسائل ضاغطة من سلسلة الإجراءات المباشرة والتي لا ترتبط فقط بما قامت به إدارة الرئيس السابق فقط وإنما أيضًا بعقيدة بايدن، والتي تركز على ضرورة الخروج إلى مواجهة اقتصادية شاملة مع الصين تحقيقًا لواقع سياسي واقتصادي يتشكل، إضافةً إلى البحث عن مظلة الأمان الاقتصادي مع الانطلاق لتأسيس حضور أمريكي اقتصادي واستراتيجي عبر سلسلة من الإجراءات مع الحلفاء مثل بريطانيا وأستراليا واليابان، وهو ما يؤكد على أن إعادة تموضع القوات الأمريكية في مناطق النفوذ سيأخذ مزيدًا من الوقت وكثيرًا من الإجراءات في الفترة المقبلة، خاصةً مع إعادة انتشار القوات الأمريكية في مناطق الصراعات، والبؤر الساخنة ليس في القوقاز، أو بالقرب من مناطق جمهوريا آسيا الوسطي فقط، بل وفي البلقان، الأمر الذي سيؤدي إلى مزيد من المواجهات المحتملة ليس فقط في تحجيم الانتشار الأمريكي الغربي، خاصةً أن الولايات المتحدة ما تزال تعيد تحديد مهام حلف الناتو في هذا السياق، وتعمل على إعادة تعريف مهامه الكبرى في المنطقة وخارجها، ومن ثم فإن التوقع بأن تسفر الترتيبات الأمنية الكبرى، والتي تتحرك في إطارها كل من الصين وروسيا ودول الناتو، عن استراتيجية ثابتة لن يحدث، خاصةً أن الولايات المتحدة ما تزال تبني استراتيجية متعددة التوجهات في إطار الاستراتيجية الأمريكية الدورية الأخيرة، والتي لم تتغير مبادئها بالمعني العام في إطار ما يجري من تحولات كبرى ومهمة في المدى الطويل، خاصةً أن روسيا ستظل تبني مواقفها وفق استراتيجية شاملة ارتباطًا بحساباتها القديمة في مناطق حضورها العسكري، كما يجري الآن، ومن خلال إعادة تمركز قواتها في مناطق المصالح والنفوذ الكبرى، والتي تمثل امتدادًا حقيقيًا لحضورها السابق في دول الاتحاد السوفيتي، ولعل ما يجري في أوكرانيا نموذج جيد لما يحدث، ويرتبط بما هو قادم سواء في الجمهوريات الكبرى التي كانت تابعة لها بامتدادات ما يعرف بالبحر الأسود، والذي يعد الإطار الاستراتيجي للتحرك في الفضاء الروسي، مثلما يعد بحر الصين الجنوبي نقطة تمركز، وانتشار للوجود الصيني والذي لا يمكن تجاوز المصالح الصينية الكبرى في أي ترتيبات أمنية واستراتيجية يمكن العمل من خلالها، وما يمكن أن يؤسس لوضع استراتيجي صيني في إطار المخطط الأمريكي بإعادة هيكلة أوضاعها، ليس في آسيا فقط ولكن في الامتدادات العربية الأخرى المحيطة بها، بما في ذلك الشرق الأوسط خاصةً أن الترتيبات الأمنية الدولية سواء من قبل الصين، أو الولايات المتحدة، أو روسيا، تنطلق من الوجود الدولي الكبير المخطط له في أمن الإقليم بأكمله سواء في سوريا، أو الخليج العربي وفي امتدادات المتوسط، وفي ليبيا إلى جنوب الساحل والصحراء، وكلها مناطق ترتبط بحسابات كبرى ورؤية أكثر تدخلية، وبالتالي فإن المخطط الرامي لبناء تحالفات ثابتة أو متغيرة على غرار ناتو عربي أو تجمع نيسا ثم تجمع ميسا يمكن اعتباره نموذجًا من هذا الأمر الذي يمكن أن يكون مدخلًا لفهم المتغيرات الدولية التي تعمل عليها الولايات المتحدة مؤخرًا، وتعيد ترتيباتها الأمنية في الإقليم.

وفي المجمل، فإن التحالفات الكبرى وإعادة تعريف دور كل الأطراف وفق خرائط المصالح ستحتاج إلى استشراف ورسم سياسات، وإعادة تحديد التوجهات لكل طرف في إطار تشابك وتقاطع وتفاعل المصالح الدولية والإقليمية خاصةً أن المعادلات الدولية الجديدة والطارئة، ليس فيها خاسر ورابح، ولن تكون معادلات صفرية كما يتصور البعض بل بالعكس لا بد من تقاطعات تشمل تلاقي في بعض المصالح، وتباين في بعضها الآخر، وهو ما تدركه الدول الكبرى مثل روسيا والولايات المتحدة والصين وقوى أخرى في ظل بزوغ دول أخرى مثل الهند واليابان دوليًا وإقليميًا مثل البرازيل ومجموعة الآسيان وغيرها.

99-final
دراسات قانونية 1
إسرائيل ما بين محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية
isr3
المنظور الإسرائيلي للاعتراف بالدولة الفلسطينية - التواجد الإسرائيلي في دول حوض النيل
كراسات سياسية
الجمهورية الجديدة والانطلاق نحو المستقبل
Cover 1
ظاهرة اللجوء والنزوح في الشرق الأوسط
Scroll to Top