Search

الذكاء الاصطناعي… أي حوار أمريكي صيني مطروح؟

21/09/2024

تسعى الولايات المتحدة لفتح قنوات جديدة من التواصل مع بكين في العديد من القضايا المشتركة، وتنفيذ الالتزامات التي تعهد بها الرئيس بايدن والرئيس شي في قمة وودسايد في نوفمبر 2023، والتي كان ملف الذكاء الاصطناعي جزءًا رئيسيًا فيها[1]، وبالرغم مما تظهره بعض التحركات من وجود تعاون بين الجانبين، فإن الأمر لا يخلو من وجود رؤى خلافية نتيجة اختلاف التصورات والمصالح لكل جانب.

تحركات تنسيقية:

اتفق الجانبان الأمريكي والصيني على عقد جولة ثانية من محادثات التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي، كما أكد مستشار الأمن القومي الأمريكي “جاك سوليفان” على أن الولايات المتحدة ستواصل اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع استخدام التكنولوجيا الأمريكية المتقدمة لتقويض أمنها القومي، في إشارة إلى استمرار قرار حظر تصدير رقائق الكمبيوتر المتطورة إلى الصين، بما يحد من تطوير القدرات الصينية في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي.

ويرتكز التعاون بين الجانبين على المخاوف المشتركة بشأن التهديد الذي يشكله التطور غير المحدود للذكاء الاصطناعي على الأمن البشري، كما انخرط الجانبان في محاولات لإرساء دعائم الحوار والتعاون بينهما في مجال الذكاء الاصطناعي، وذلك على النحو التالي:

دعم الولايات المتحدة للمقترحات الصينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة في يوليو الماضي، المتعلقة بفرص توفير الذكاء الاصطناعي للدول النامية، وسد الفجوة الرقمية بين الشمال والجنوب، وذلك عقب تصديق الأمم المتحدة على أولى قراراتها بشأن الذكاء الاصطناعي بقيادة الولايات المتحدة ورعاية الصين، مما يشير إلى محاولة الجانبين تحقيق قدر من التكامل والتنسيق الثنائي في هذا الملف.

اجتماع واشنطن وبكين في مايو الماضي في جنيف لإجراء مباحثات بشأن المخاطر الناجمة عن الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الناشئة، حيث عملت إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” على تضمين بكين في عدد من القضايا والملفات المحورية للحد من التوتر بين الجانبين، وجاءت قضية الذكاء الاصطناعي ضمن أولى القضايا ذات الاهتمام المشترك، وذلك بموجب المباحثات التي جرت بين وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” ونظيره الصيني “وانغ يي” في بكين، حيث اتفقا على أهمية المناقشات الرسمية بين الجانبين بخصوص هذه المسألة.

عقد عدد من شركات الذكاء الاصطناعي الأمريكية مثل شركة “OpenAI” اجتماعات سرية مع الخبراء الصينيين في مجال الذكاء الاصطناعي لتقويض مخاطر التكنولوجيا الحديثة، من خلال وضع نظم آمنة لاستخدام هذه التكنولوجيا، وقد أفضت هذه الاجتماعات إلى توقيع الجانبين على اتفاقية “بليتشي بارك” في بريطانيا، والتي أكد خلالها الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الصيني على ضرورة التعاون في هذا المجال.

الوصول إلى تفاهمات بين الرئيس بايدن والرئيس شي للحد من تطويع الذكاء الاصطناعي في الأسلحة النووية، وذلك خلال قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (APEC) في سان فرانسيسكو، وجدير بالذكر أن كلا الجانبين مهتمان بصياغة مجموعة من اللوائح التنظيمية للتخفيف من مخاطر عسكرة الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك حظر سيطرة الذكاء الاصطناعي على الأسلحة النووية[2].

مجالات التنافس:

على الرغم من حالة التنسيق والتعاون بين الجانبين، فإن ذلك لم يمنع وجود قدر من التنافس، وتتمثل أبرز مظاهره فيما يلي:

اختلاف الرؤية الإجرائية للقواعد الحاكمة لمنظومة الذكاء الاصطناعي، فبينما اعتبرت الإدارة الأمريكية أن النظام التنفيذي للذكاء الاصطناعي قائم على التعددية والرأسمالية واحترام القانون والحقوق المدنية للمواطنين، أرسى النظام الصيني قواعد الذكاء الاصطناعي لتكون قائمة على القيم الجماعية واحترام السلطة والتناغم والتجانس الاجتماعي، وبالتالي طرح رؤى قيمية متباينة تسمح بالتنافس في آليات تطبيق هذا النظام على النحو الذي يتوافق مع الأبعاد المعيارية لكلا البلدين[3].

تزايد اعتماد الجانبين على الذكاء الاصطناعي لتطوير قدراتهما العسكرية، حيث استطاعت الولايات المتحدة تطوير مشروع “مايفين Maven” الذي يساعد على تحديد الأهداف، وزيادة الوعي بحجم ساحة المعارك من خلال تحليل البيانات الضخمة لتحديد تحركات القوات والتهديدات المحتملة، وتطوير الخدمات اللوجستية والتخطيط عبر تحليل مجموعات البيانات المعقدة للتنبؤ باحتياجات الإمداد وتحسين نشر القوات، في المقابل طرحت الصين مشروع “قائد الذكاء الاصطناعي”، الذي يحل محل القادة البشريين عندما لا يستطيعون المشاركة في المعارك واسعة النطاق أو القيام بدور القيادة، كما يُمكن الجيش الصيني من إجراء عدد كبير من عمليات المحاكاة خارج حدود المعارك، من خلال تحديد التهديدات الجديدة وصياغة الخطط واتخاذ القرارات المثلى بناءً على الوضع العام عندما تتعثر المعارك أو تتراجع النتائج.

استغلال العقوبات الاقتصادية، حيث قام الرئيس الأمريكي جو بايدن بزيادة الرسوم الجمركية على الواردات من المنتجات الصينية، بما في ذلك الألواح الشمسية وأشباه الموصلات، بالإضافة إلى فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على السيارات الكهربائية، وقد ردت الصين على التحركات الأمريكية بإجراءات تمثلت في استضافة الرئيس شي للرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في بكين بعد يومين من القرار الأمريكي، وتعهدا بتعميق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.

السعي لاختراق أسواق جديدة، حيث عملت الولايات المتحدة على زيادة استثماراتها في الذكاء الاصطناعي في الأسواق الأفريقية، فقد افتتحت شركة Google أول مختبر للذكاء الاصطناعي في غانا، كما تمتلك شركة IBM منشآت بحثية تكنولوجية في كينيا وجنوب أفريقيا، وأعلنت وزيرة التجارة الأمريكية “جينا رايموندو” عن شراكة لتمكين الشركات الأمريكية من الاستثمار في الذكاء الاصطناعي وقواعد البيانات في كينيا، وذلك خلال قمة الأعمال التي عقدتها غرفة التجارة الأمريكية في نيروبي، وتتبنى الصين ذات المقاربة تقريبًا، حيث تستثمر الصين في البنية التحتية للإنترنت في القارة الأفريقية من خلال مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها الرئيس شي، كما عُقد في مدينة شيامن الساحلية جنوب شرق الصين منتدى الصين – أفريقيا للتنمية والتعاون في مجال الإنترنت وحضره ممثلون من حوالي 20 دولة أفريقية.

يمكن التأكيد إذًا على أن العلاقات الأمريكية الصينية في مجال الذكاء الاصطناعي تتراوح بين ثنائية التنافس والتعاون بموجب تطورات الملف وقدرة كل جانب على تحقيق إنجاز مشهود به، وكذلك لا يجب اختزال القضايا محل التنافس بين واشنطن وبكين في قضية الذكاء الاصطناعي، لأنها تتأثر بالضرورة بقضايا تايوان وبحر الصين الجنوبي وكذلك التواجد العسكري الأمريكي في منطقة آسيا والمحيط الهادي، وقد تؤدي التحركات الصينية في محيطها الإقليمي التي لا تتوافق مع الرؤى الأمريكية إلى إقدام واشنطن على فرض العقوبات الاقتصادية والتكنولوجية على بكين.


[1] “Readout of National Security Advisor Jake Sullivan’s Meeting with President Xi Jinping of the People’s Republic of China”, The white house, 29 August 2024. Available at https://www.whitehouse.gov/briefing-room/statements-releases/2024/08/29/readout-of-national-security-advisor-jake-sullivans-meeting-with-president-xi-jinping-of-the-peoples-republic-of-china/

[2] Stephen Chen, “Chinese scientists create and cage world’s first AI commander in a PLA laboratory”, South China morning post, 16 June 2024. Available at https://www.scmp.com/news/china/science/article/3266444/chinese-scientists-create-and-cage-worlds-first-ai-commander-pla-laboratory

[3] Valerie Shen and Jim Kessler, “Competing Values Will Shape US-China AI Race”, Third way. 17 July 2024. Available at https://www.thirdway.org/report/competing-values-will-shape-us-china-ai-race

Latin america ch-us
الولايات المتحدة والتحركات الصينية في أمريكا اللاتينية
S
الأزمة السياسية في كوريا الجنوبية ... أي مستقبل مطروح؟
B
أبعاد ودلالات الإصلاح والتطوير في المؤسسة العسكرية البريطانية
sudan 2fg
مخاطر تشكيل حكومتين في السودان
Scroll to Top