لطالما كانت الحروب في الماضي القريب تعتمد بشكل أساسي على الأسلحة والمعدات العسكرية، ومع التطور التكنولوجي ظهرت أسلحة أكثر تقدمًا وأكثر فتكًا وهي الأسلحة النووية والبيولوجية، ولكن مع تقييد استخدامها وانتشار كثير من المعاهدات الدولية التي تحرمها، ظهرت الحاجة إلى وجود أسلحة أكثر تأثيرًا وربما أقل تكلفة في بعض الأحيان.
في هذا الإطار بدأ الغزو الفكري واستهداف العقول فيما عرف بحروب الجيل الرابع وهي أسلحة ليست دموية ولكنها ربما أصعب في التأثير على السلوك واستقطاب الأفراد وتجنيدهم مما يمس مباشرة الأمن القومي للدول.
تعد حرب الشائعات من أكثر أشكال الحروب العقلية / الفكرية انتشارًا وهي الحروب النفسية، حيث إنها تهز إرادة وثقة العقل البشري والنفس فيمن حوله سواء كان أسرته أم المجتمع الذي يعيش فيه أو حتى مؤسسات الدولة، مما يسبب انهيارًا لمنظومة القيم والانتماء وحب الوطن والمواطنة ويخلق جيلًا أكثر هشاشة ومعرضًا للاستقطاب الدائم.
فالشائعات تعد من أقل أدوات تدمير الأوطان تكلفة، حيث إنها تعتمد عادة وبشكل كبير، على البرامج التليفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي التي ذاع انتشارها، وباتت الحياة الافتراضية لكل باحث عما في خياله.
باتت صفحات التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية المحملة بأجندات خارجية هي الطريق الأمثل لإسقاط الدول وتدمير المجتمعات.
وكانت مصر من بين أكثر الدول التي استهدفها واستهدف شبابها نشر الشائعات على مختلف أنواعها في استغلال واضح لبيئة التغيرات التي تمر بها المنطقة وتسارع الأحداث وتصاعد تأثيراتها داخليا وإقليميًا.
تستهدف هذه الشائعات مصر لزعزعة أمنها واستقرارها، الأمر الذي يحتاج دائمًا إلى يقظة مؤسساتها البحثية للتعامل مع هذا الاستهداف، ووضع السيناريوهات التي ترسم طريقا قوامه التماسك المجتمعي والتلاحم بين المواطن ومؤسساته.
إن قوة الدولة الشاملة لا تكتمل إلا بتماسك وبقوة النسيج الداخلي للمجتمع والدولة، وهي القوة التي تنبع من الداخل أولًا حيث يعد توحد نسيجها الداخلي وسلامته وتناغمه هو الأساس الذي تُبنى عليه بقية عناصر قوة الدولة الشاملة، ومن هنا كانت مهمة المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط باعتباره من المراكز الرائدة في إجراء استطلاع للرأي حول الشائعات وانتشارها وأنواعها وتأثيراتها على الأمن القومي فيما نعتبره مهمة وطنية نشرف بها ونتعهد بمواصلتها حفاظًا على وحدة المجتمع وتماسك أبنائه وتلاحم مؤسساته خلف قيادة رشيدة تستلهم المستقبل الأفضل للوطن والمواطن.
الشائعات