Search

النقل البحري ومحددات الأمن القومي المصري

12/01/2025

وجه السيد الرئيس “عبد الفتاح السيسي” بتطوير النقل البحري، لتحقيق أقصى عائد اقتصادي، وتجاري، واستثماري، وبما يتسق مع محددات الأمن القومي المصري، ويُسهم في استراتيجية تعزيز حركة التجارة البينية المصرية مع التكتلات الإقليمية على مستوى العالم، في ضوء ما يربط مصر مع التكتلات واتفاقيات التجارة الحرة.

تتضمن هذه التوجيهات عدة مؤشرات إيجابية، وهي: إعادة الاعتبار إلى الأسطول المصري بعد نحو 40 عامًا من التركيز على الموانئ، واعتبار النقل البحري أحد محددات الأمن القومي لتأمين نقل التجارة الخارجية في السلم والحرب، ورفع علم مصر في البحار، ويعزز السيادة الوطنية، واستهداف تحقيق اقصى عائد اقتصادي وتجارى واستثماري، والذي يعتبر تحولًا في الاتجاه الصحيح نحو تقييم مشروعات النقل البحري على أساس الربحية الاقتصادية وليست التجارية فقط.

هذه الرؤية الجديدة للنقل البحري المصري تعتبر تغيرًا نوعيًا مهمًا، فضلًا عن توجهات رئاسية سابقة بتحويل مصر إلى مركز لوجستي وتجاري عالمي، ومركز لتجارة الترانزيت، مع التوقع بأن تتسع هذه المقاربة والتوجيهات لتشمل اللوجستيات، والنقل متعدد الوسائط، بل والتجمعات البحرية والاقتصاد الأزرق الذي يقدر البنك الدولي أنه سيكون الاقتصاد الاول في العالم بحلول عام 2030، كما أنه يسهم في توليد 30% من الناتج المحلى الإجمالي في بعض الدول.

يمثل تنفيذ توجيهات السيد الرئيس في شأن تطوير النقل البحري واللوجستيات طموحًا، ويتطلب الأمر التعرف على واقع القطاع لصياغة سياسات تكفل تنفيذ مستهدفاته، لذا يجب المساهمة في صياغة بعض السياسات التي تكفل تطوير هذا القطاع بما يليق بمكانة ودور مصر عربيًا وإقليميًا ودوليًا.

أولًا: الوضع الراهن للنقل البحري المصري:

إن التجارة الخارجية المنقولة بحرًا في تزايد مستمر، أي أنه يوجد طلب كافي لتشغيل أسطول بحري مصري، لكن تتسم التجارة المنقولة بحرًا بعدم التوازن مما يتطلب سياسات تشغيلية للوصول إلى التشغيل الأمثل، حيث بلغ المتوسط السنوي للحاويات المتداولة بالموانئ المصرية خلال الفترة من 2010 – 2018 نحو 6 مليون حاوية، وقد ارتفع حجم الحاويات المتداول عام 2022 إلي 7,6 مليون حاوية ثم زاد عام 2023 إلى 8,6 مليون حاوية منها 4.9 مليون حاوية ترانزيت، و3,5 برسم البلد موزعة بين الحاويات الصادرة والواردة على النحو الآتي: 1.6 مليون حاوية صادر، و1,9 مليون حاوية وارد، كما بلغ إجمالي التجارة الخارجية المنقولة بحرًا عام 2023 نحو 181 مليون طنًا، منها 59,3 مليون طنًا صادر، و74.6 مليون طنًا وارد، و47.1 مليون طنًا ترانزيت.

وبالنظر إلى أعداد ونوعيات سفن الأسطول التجاري البحري، التي تعمل في النقل الدولي عام 2022، فقد بلغت 35 سفينة موزعة على النوعيات المختلفة للسفن على النحو الآتي: 5 سفن بضائع عامة، و7 سفن حاويات، و3 سفن ناقلة بترول، و12 سفينة ناقلة صب، و8 سفن ركاب، ويلاحظ تواضع أعداد السفن، وتراجع أعدادها بشدة عبر الزمن، وضآلة حمولتها، واللافت للنظر أيضًا أن نحو نصف سفن الأسطول قد تجاور العمر الافتراضي، ويجب تخريدها، كما أنه عدد يعتد به متقادم فنيًا ويجب إحلاله.

وفيما يتعلق بطاقة الموانئ المصرية، فإن طاقتها التصميمية كانت تبلغ نحو 170.605 مليون طن بضائع و11مليون حاوية، وقد ترتب على جهود الدولة في تطوير الموانئ خلال العشر سنوات من 2008 – 2018 إلى زيادة طاقتها (بنسبة 27% بضائع، ونسبة 90% حاويات)، وتستهدف الدولة زيادة طاقة الموانئ عام 2030 إلى نحو400 مليون طن بضائع، و40 مليون حاوية، وهو ما يتطلب جهدًا كبيرًا لتحقيق المستهدف وتحسين البنية التحتية والمعلوماتية، كما أن هذه الطاقات المنفذة والمستهدف تحقيقها تفوق حاجة الاقتصاد المصري، وتجارة الترانزيت بالمنطقة، وقد تركز تداول البضائع في عدد محدود من الموانئ، هي: ميناء الإسكندرية بنسبة 36% من البضائع، وميناء دمياط بنسبة 20%، وموانئ المنطقة الاقتصادية (السخنة وبورسعيد) بنسبة 34%، كما يتركز نحو 61% من تداول الحاويات في موانئ المنطقة الاقتصادية (السخنة وبورسعيد)، ويتضح خطورة هذا الوضع إذا علمنا أن موانئ الاسكندرية ودمياط وبورسعيد قد تتعرض للغرق بحلول عام 2050 في ضوء التغيرات المناخية العالمية.

وتنخفض عوائد الموانئ المصرية قياسًا بحجم الاستثمارات، فميناء سنغافورة يحقق من نشاط واحد فقط نحو 18 مليار دولار (المسافنة)، كما تتوزع الموانئ المصرية بين عدة جهات إشرافية (الموانئ التخصصية – والموانئ التابعة للقوات البحرية، والموانئ التابعة للمنطقة الاقتصادية، والموانئ التابعة لوزارة النقل)، مما يؤدي إلى صعوبة التنسيق، حتى مع وجود المجلس الأعلى للموانئ، بل ويخلق نوعًا من المنافسة الضارة بينهم.

ولا يتناسب ترتيب الموانئ المصرية في المؤشرات الدولية مع مكانة مصر، فهي ما يزال معظمها ينتمي إلى الجيل الثاني وتسعى جاهدة للوصول إلى الجيل الثالث، بينما وصلت الموانئ العالمية للجيل السادس، ومع ذلك، فقد تحسن ترتيب ميناء بورسعيد في قائمة أفضل 100 ميناء في العالم، حيث جاء في المركز العاشر بعد أن كان في المركز 45، ثم تراجع في التقرير الأخير إلى المركز 47، ودخل ميناء دمياط لأول مرة تلك القائمة في المركز 90.

ثانيًا: سياسات تطوير وتحديث الأسطول البحري:

إصلاح الإطار المؤسسي: إن البيئة الحالية طاردة للاستثمار، بدليل وجود أكثر من 239 سفينة مملوكة لمصريين، وترفع أعلام دول أخرى، مثل بنما وليبريا وغيرها، وهذه الظاهرة في تطور مستمر، وتتطلب مواجهة ذلك الوضع العمل على إدخال إصلاحات تشريعية، تتضمن ما يلي:

  • تبسيط إجراءات بيع وتأجير السفينة.
  • استبدال العقوبات الراهنة بعقوبات مالية رادعة ولا تؤثر على استمرارية العمل.
  • تعديل أحكام اكتساب جنسية السفينة بحيث تتسع لتسمح باكتساب الجنسية للسفن المستأجرة عارية أو تأجير تمويلي.

انتهاج سياسات اقتصادية محفزة للاستثمار في الأسطول، تتضمن ما يلي:

  • سياسات مالية (إعانات لمشغلي السفن، وإعانات لتشجيع تشغيل سفن الحاويات، وقروض بفائدة مدعمة للملاك، وقروض ميسرة لتمويل رأس المال العامل).
  • سياسات نقدية (قروض محلية بفائدة تفضيلية، والضمان الحكومي للقروض الخارجية للملاك، وإعفاءات من ضريبة الأعمال ومن ضرائب تموينات السفن ومن ضرائب اقتناء السفن وإعفاء السفن المستوردة).
  • سياسات تسهيل اقتناء السفن (برنامج تمويل بناء السفن: تقدم الحكومة نسبة من التمويل المطلوب لبناء السفن كقروض ميسرة للملاك، وتأجير السفن مع خيار الشراء: تماثل فكرة بيع السفينة مع إعادة الاستئجار، والسماح باستيراد السفن المستعملة وتسهيل الإجراءات وتوفير التمويل).

انتهاج سياسات تشغيلية تتضمن ما يلي:

  • منح نوالين تميزية للصادرات المصرية يتم تسعيرها على أساس التكاليف المتغيرة وجزء من التكلفة الثابتة للتغلب على مشكلة عدم التوازن التجاري.
  • التمسك بتطبيق قواعد السلوك للمؤتمرات الملاحية، وتطبيقها في التجارة الدولية والتي تقضي بأن يتم توزيع نقل البضائع في التجارة الدولية بين سفن الدولة المصدرة وسفن الدولة المستوردة والسفن الأخرى على أساس النسب الآتية: 40% و40% و20%.
  • اشتراط أن يتم استيراد – على الأقل الواردات الحكومية بنظام FOB – حتى يمكن نقلها على سفن مصرية.
  • تشغيل سفن حاويات رافديه لتتكامل مع مشغلي السفن الأم.
  • تشغيل سفن مصرية في الملاحة الساحلية كونها محجوزة لدولة العلم، ويمكن أن تعمل في التجارة البينية الساحلية وأيضًا الملاحة القصيرة.
  • يمكن إعادة استنساخ تجربة شركة زيم بالبدء باستئجار خلايا.
  • إعداد كوادر بشرية مؤهلة بأحدث النظم العالمية في إدارة وتشغيل السفن، ومزودة بعلوم إدارة الأعمال الملاحية واللوجستيات.

ثالثًا: سياسات تطوير وتحديث الموانئ البحرية المصرية:

يمكن ابتاع سياسات تطوير وتحديث وذلك على النحو التالي:

الجانب المؤسسي:

  • تجميع أنشطة الميناء تحت مظلة واحدة لتحقيق التكامل ومنع المنافسة الضارة.
  • التنسيق بين أطراف مجمع الميناء لتسهيل الإجراءات.
  • تحديث المعدات بما يلائم التطور التكنولوجي في السفن ومعدات التداول.
  • رفع كفاءة العاملين بالموانئ وفقًا لأحدث المستجدات في النقل البحري.
  • تفعيل قواعد تسهيل التجارة التي تبنتها منظمة التجارة العالمية.
  • سرعة التخلص من المهمل والراكد لتأمين الموانئ المصرية.

السياسات المحفزة للتطوير:

  • اتباع سياسات تسعير مرنة تتناسب مع جودة الخدمة، وزمن تقديمها، ومرونة الطلب السعرية.
  • إنشاء موانئ حرة ومنح امتيازات للمشغلين والمستثمرين تتناسب مع قيمة الاستثمارات المنفذة.
  • تشجيع الاستثمار في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
  • وضع حوافز لجذب تجارة الترانزيت وعمل ترتيبات مع كبار العملاء.
  • تحويل الموانئ إلى موانئ لوجستية وربطها بسلاسل الإمداد العالمية.

مع الأخذ في الاعتبار أن تنافسية الموانئ تؤثر في تنافسية الدولة وتتوقف تنافسية الموانئ على تحسين الاتصال بالخطوط الملاحية من خلال الرقمنة وربط الشبكات المحلية والإقليمية والعالمية وضمان المنافسة وتحديث الموانئ وتيسير التجارة ورصد الأداء، وتقليل زمن بقاء السفينة بالميناء، وتبسيط الإجراءات والنافذة الواحدة، وجودة الخدمة اللوجستية، ورفع مستوى البنية التحتية المعلوماتية.

يمكن التأكيد أيضًا على أنه يمكن تطوير الأسطول التجاري البحري المصري لكي يسهم في تنمية الاقتصاد القومي، ويتطلب ذلك وضع استراتيجية واضحة للتنمية الاقتصادية تتضمن استراتيجية لتطوير الأسطول، وتصميم مجموعة متكاملة من السياسات الاقتصادية التي تكفل تحقيق الأهداف المرجوة، مع ضرورة التدخل الحكومي لتوفير التمويل المطلوب وتقديم مختلف أنواع الدعم ومنح الإعفاءات الضريبية لملاك ومشغلي السفن والسماح باستيراد السفن المستعملة، ويمكن إنشاء شركات صورية من قبل البنوك وشركات التأمين لتقوم بتوفير التمويل اللازم لتملك وتشغيل السفن، إضافةً إلى تشجيع الاندماجات بين الشركات الملاحية الوطنية حتى تتمكن من الصمود في حلبة المنافسة، والتمهل في تطبيق إجراءات تحرير قطاع النقل البحري، حيث أن معظم الدول البحرية ما تزال تقدم كافة أشكال الدعم لأساطيلها.

سوريا-وتركيا
حضور متزايد: التوجهات التركية لتعزيز التعاون الاقتصادي مع سوريا
cop29
قمة المناخ ... "باكو" والتجاذبات الدولية
222
الولايات المتحدة والصين ... التنافس التكنولوجي في قطاع أشباه الموصلات
refug
تداعيات مستمرة: تأزم ملف اللاجئين وارتداداته على دول الشرق الأوسط
Scroll to Top