صرح الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” مؤخرًا عن إمكانية دمج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) ضمن وزارة الخارجية الأمريكية، على أن يتولى وزير الخارجية “ماركو روبيو” منصب القائم بأعمال رئيس الوكالة، بما قد يُعد تمهيدًا لإغلاق الوكالة التي تأسست عام 1961 كجزء من قانون المساعدة الخارجية، وتتولى الوكالة إدارة ملف المساعدات الخارجية ومساعدات التنمية الاقتصادية خارج الولايات المتحدة، كما أنها تضطلع بعددٍ من المهام مثل دعم النمو الاقتصادي والصحة والتعليم لدول العالم، وتقديم المساعدات الإنسانية في أوقات الأزمات والكوارث الطبيعية، وتعمل أيضًا على تحقيق أهداف السياسة الخارجية الأمريكية من خلال الشراكات الدولية التي تبرمها مع مختلف الجهات والأطراف الدولية الفاعلة، على مستوى الدول والحكومات الصديقة، والتي تربطها شراكة متعددة مع الولايات المتحدة.
إجراءات وتدابير:
وقع الرئيس ترامب فور وصوله إلى البيت الأبيض على أمرٍ تنفيذي تم بموجبه تجميد المساعدات الخارجية الأمريكية لمدة 90 يومًا، وأعقب ذلك تحركات من قبل وزير الخارجية ماركو روبيو للإبقاء على عددٍ من برامج الطوارئ المرتبطة بالكوارث الطبيعية والإنقاذ، كذا فقد تم وضع العشرات من كبار المسئولين في إجازة، وتم تسريح آلاف المتعاقدين، وطُلب من الموظفين عدم دخول مقر الوكالة في واشنطن، وتم إغلاق الموقع الإلكتروني للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وحسابها على منصة “X”، وإيقاف العديد من البرامج والمنح التابعة للوكالة.
كما وقع الرئيس ترامب على أمرٍ تنفيذي تم بموجبه تضمين وزارة الكفاءة الحكومية “DOGE” التي يقودها رجل الأعمال “إيلون ماسك” في لجنة خاصة تابعة للمكتب التنفيذي للرئيس ترامب تتولى مهمة خفض الإنفاق الفيدرالي، لتكون بديلة عن الخدمة الرقمية الأمريكية التي أنشأها الرئيس السابق “باراك أوباما” لتحديث نهج الحكومة في التعامل مع التكنولوجيا، ومنحت إدارة ترامب إيلون ماسك ووزارة الكفاءة الحكومية إمكانية الوصول إلى نظام المدفوعات الفيدرالي الذي يتحكم في تدفق أموال الحكومة، وكذلك مُنحت الوزارة حق الوصول إلى المعلومات الشخصية للمواطنين.
بررت الإدارة الأمريكية إجراءاتها ضد الوكالة، والتي تمثلت في المزاعم حول تورط الوكالة في مخططات فساد واحتيال متعلقة بتوزيع الدعم، حيث يتم تخصيص مبالغ ضخمة لعدد من المنظمات والجهات (دون أن تسميها) لا تستحق الدعم أو التمويل، وقد أعلن الرئيس ترامب عن تورط بعض ممثلي الحكومة الأمريكية في تلقي رشاوي ومدفوعات غير قانونية من متلقي أموال الوكالة، وكذلك تورطها في تمويل بعض الأنشطة التي لا تمثل قيمة أو مصلحة لدافعي الضرائب الأمريكيين، يُضاف إلى ذلك اتهام الوكالة بزعزعة الاستقرار من خلال دعم الأفكار التي تتعارض مع القيم والمصالح الأمريكية المُحددة لعمل الوكالة.
ردود الفعل:
أدان بعض النواب التقدميين توجه الرئيس ترامب بإغلاق الوكالة من منطلق أنه أحد ملامح الأزمات الدستورية في واشنطن، حيث اتهمت النائبة “إلهان عمر”، عن ولاية مينيسوتا، الرئيس ترامب وماسك بمحاولة الهيمنة على السلطات الدستورية المخولة للكونجرس[1]، كما أرسلت النائبة “إليزابيث وارن” رسالة إلى وزير الخزانة “سكوت بيسنت”، للمطالبة بإجابات عن دوره في السماح لفريق ماسك بالوصول إلى نظام الدفع والميزانية مشيرة إلى أن هذا الأمر سيؤدي إلى أزمة مالية عالمية.
في المقابل فقد أيد النواب الجمهوريون توجهات ترامب، حيث أشار النائب “جريج كاسار” إلى أن الديموقراطيين سيعملون على محاربة ترامب عن طريق كافة الأدوات الممكنة، كما تم تعميم مذكرة داخلية على الجمهوريين في الكونجرس، تضمنت نجاح الرئيس ترامب في التعامل مع مسألة المساعدات والمنح الخارجية، حيث أشار رئيس لجنة الشئون الخارجية في الكونجرس “براين ماست” إلى أن تحركات الرئيس ترامب تستهدف تقييم الأموال التي توكل إلى المساعدات الخارجية، ومدى جدوى هذه المساعدات، كما أكد رئيس لجنة الشئون الخارجية السابق في الكونجرس النائب “مايكل ماكول” على أن الرئيس ترامب وفريقه مهتمون في التدقيق في توزيع المساعدات الخارجية الأمريكية وتجديدها لضمان أن يخدم كل دولار من أموال دافعي الضرائب الغرض المقصود منه.
تداعيات متنوعة:
من المرجح أن يؤدي قرار إغلاق الوكالة إلى فجوة تمويلية كبرى في العديد من المناطق والمشروعات التنموية فيها، حيث اضطلعت الوكالة بدور محوري في تمويل مشروعات البنية التحتية والتنمية الاقتصادية والزراعية، فقد خصصت الوكالة في عام 2024 نحو 135 مليون دولار لتمويل المشروعات التنموية. بالإضافة إلى ذلك، يُثير إغلاق الوكالة مخاوف عديدة بشأن الرقابة على بعض المساعدات، وإعاقة القدرة على تتبع نحو 8.2 مليار دولار من المساعدات الإنسانية، مما يزيد من مخاطر سوء الاستخدام.
وقد تؤدي تحركات ترامب إلى عرقلة الأنشطة التي تنخرط فيها الوكالة، بما في ذلك الجهود العالمية لمكافحة انتشار الأمراض ومكافحة الإرهاب وتعزيز الصحة العامة مما يؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في هايتي وجمهورية الكونغو الديمقراطية والسودان، فضلًا عن تهديد الأمن الإنساني العالمي، لأن الوكالة كانت مسئولة عن تقديم دعم حيوي للجنود في مناطق الحروب والنزاعات وبالتالي سيؤدي إيقاف هذا الدعم إلى سقوط المزيد من الضحايا، كما أن الوكالة كانت توفر الدعم للقوات الأمريكية في الخارج، وبالتالي ستضطر الإدارة الأمريكية إلى توفير نفقات إضافية لقواتها، سواء كانوا مسئولين بصورة مباشرة عن حماية المصالح الأمريكية، أو حماية حلفائها.
ولقد كانت الوكالة جزء من التنافس العالمي بين الولايات المتحدة والصين، لأنها كانت توفر مشروعات ومنح للعديد من الدول والحلفاء الأمريكيين في كافة المجالات، وبالتالي فإن إغلاقها سيحفز الصين على النفاذ بصورة مباشرة لعديد من دول العالم، خاصة في النطاقات الحيوية للولايات المتحدة مثل أوروبا وأمريكا اللاتينية، كما أن إغلاق الوكالة قد يؤدي إلى إضعاف القوة الناعمة للولايات المتحدة والتأثير بصورة أو بأخرى على نفوذها الدولي.
وبالتوازي مع انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، فإن قرار الإغلاق سيؤثر على المساعي العالمية لمواجهة التغير المناخي، لأن الوكالة كانت مسئولة عن تمويل الأبحاث المعنية بمكافحة التغير المناخي، كما أنها كانت تقدم دعمًا للدول متوسطة ومنخفضة الدخل لإيجاد مصادر طاقة متجددة والتكيف مع الكوارث الطبيعية.
وختامًا، يمكن القول إن الهدف الأساسي وراء تحركات ترامب الخاصة بوكالة التنمية هو وضع حد للمساعدات الخارجية، تماشيًا مع توجهه المقترن بأسلوب الصفقات (transactions) كآلية لإدارة السياسة الخارجية الأمريكية، أي أنه لن يتم تقديم أي خدمة أمريكية دون الحصول على مقابل، وستضطر الدول التي تنشط فيها الوكالة إلى البحث عن بدائل وحلول لسد فجوة وقف تمويل المشروعات، سواء من خلال تفعيل دور منظمات دولية أخرى أو تعزيز التعاون بين الحكومات والمنظمات غير الحكومية.
[1] على الرغم من أن الوكالة تخضع جزئيًا للبيت الأبيض، إلا أن الكونجرس هو المسئول تنفيذيًا عنها بموجب قانون المساعدة الخارجية لعام 1961، وجدي بالذكر إنشاء الرئيس الأمريكي السابق “جون كينيدي” الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بموجب أمر تنفيذي، ثم صدر قانون آخر في عام 1998 أكد وضع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية كوكالة تنفيذية قائمة بذاتها، وبالتالي لن يستطع الرئيس إغلاقها، وفي حالة سعيه لذلك فسيواجه تحديات عديدة سواء من الكونجرس أو من المحكمة الدستورية.