لا يزال الصراع المسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع مستمرًا دون ظهور أي بوادر لتجنب الخيار العسكري واللجوء إلى التسوية السياسية في ظل فشل مفاوضات جدة، وعدم توافر الإرادة السياسية للطرفين للعودة للمسار السياسي، الأمر الذي يؤدي إلى إطالة أمد الصراع، وزيادة حدة تعقيد الأزمة السودانية، حيث لم تنجح جهود الوساطة السعودية الأمريكية والمبادرات الإقليمية والدولية في إعادة طرفي الصراع السوداني (الجيش – الدعم السريع) نحو مسار التسوية السياسية، حيث تعذر التوصل إلى تفاهمات فيما بينهما حول إجراءات بناء الثقة وإنهاء المظاهر العسكرية في المدن السودانية، فمن جانبه يتمسك الجيش السوداني بضرورة إخراج قوات الدعم السريع من المناطق السكنية في المدن التي دخلتها وخاصة في الخرطوم وأم درمان، كما يشترط الجيش السوداني إخراج قوات الدعم السريع من هذه المدن وتجميعها في معسكرات، واعتبار هذه الشروط مطالب شعبية لا يمكن التخلي عنها، وهو ما أكدته تصريحات الفريق «البرهان» قائد الجيش بأنه «لن يقبل تفاوضًا لا يلبي رغبات الشعب السوداني».
وفي المقابل، ترفض قوات الدعم السريع هذه المطالب، وتصر على عدم التفريط فيما حققته من مكاسب ميدانية في مواجهة الجيش السوداني، واعتبارها دليلًا على تفوقها العسكري في مواجهة الجيش، كما تتهم قوات الدعم السريع الجيش باستهداف المدنيين، كما تتبنى قوات الدعم السريع خطابًا سياسيًا تحاول من خلاله التأكيد على موقفها الداعم للتسوية السياسية، واستعدادها للتفاوض من أجل تسليم السلطة للقوى السياسية المدنية، وتتهم الجيش بعرقلة عملية الانتقال السلمي للسلطة.
في هذا الإطار، تشير اتجاهات الأحداث في السودان إلى استمرار الأزمة السودانية واتجاهها نحو مزيد من التعقيد، وذلك استنادًا إلى عدد من المؤشرات الدالة على استمرار هذه الأزمة وذلك على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية والإنسانية، حيث أسفرت المواجهات العسكرية بين الجيش السوداني والدعم السريع منذ اندلاع المواجهات العسكرية بين الجيش السوداني والدعم السريع في 15/4/2023، عن مقتل أكثر من 20 ألف شخص تقريبًا، وتشريد حوالي 14 مليونًا آخرين ما بين لاجئ ونازح، إذ تشير الإحصائيات الرسمية إلى اتجاه حوالي 3.2 مليون شخص إلى اللجوء لبعض دول الجوار مثل مصر وتشاد وجنوب السودان وإثيوبيا وأوغندا، بالإضافة إلى نزوح حوالي 8.7 مليون آخرين داخليًا من مناطق الصراع الدائرة في بعض الولايات السودانية إلى ولايات أخرى.
وفي هذا السياق، تتناول الدراسة مسارات واتجاهات الأزمة السودانية خلال الفترة القادمة، وذلك من خلال عدة محاور رئيسية تتناول الأسباب الرئيسية لاندلاع الصراع المسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، وأسباب استمراره حتى الآن، مع تناول مواقف القوى الإقليمية والدولية تجاه هذه الأزمة، هذا إلى جانب استعراض أبرز المبادرات التي تم طرحها في محاولة لوقف التصعيد العسكري الراهن في السودان، بالإضافة إلى السيناريوهات المُحتملة بشأن مستقبل الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية في السودان، في ظل استمرار التصعيد العسكري، وأثر ذلك على مستقبل الدولة الوطنية في السودان.
عدد-1