Search

رؤى بحثية: فرص وتحديات حل حزب العمال الكردستاني

04/06/2025

طرأت العديد من التحولات على المشهد السياسي والأمني والعسكري في الشرق الأوسط بشكل عام وتركيا بشكل خاص، على أثر إعلان حزب العمال الكردستاني حل بنيته العسكرية، وتخليه عن السلاح، في أعقاب صراع استمر لأكثر من 40 عامًا مع تركيا، حيث يُعد حزب العمال من أبرز الفاعلين في القضية الكردية.

كان إعلان حزب العمال الكردستاني بمثابة نقطة تحول في المنطقة، بالنظر إلى تداعيات ذلك التطور على مستقبل القضية الكردية وعمليات إعادة الإدماج ومسارات السلام المستدامة، في هذا السياق، سلطت بعض التقارير البحثية الضوء على هذه المسألة، حيث نشر “كارنيجي” تقريرًا بعنوان “الأمل والتشكك حول التحرك التاريخي لحزب العمال الكردستاني لنزع السلاح”[1]، كما أصدرت “لونج وور جورنال” تقريرًا بعنوان “حزب العمال الكردستاني يتخلى عن الكفاح المسلح”[2]، كما نشرت “فورين بولسي” تقريرًا بعنوان “حزب العمال الكردستاني يتجه إلى حل نفسه وإنهاء التمرد في تركيا”[3]، بينما أصدر “مركز سوفان” تقريرًا بعنوان “حزب العمال الكردستاني المنحل يترك وراءه أسئلة لتركيا والمنطقة”[4].

سياقات عامة:

أسهمت العديد من التفاعلات التي شهدتها المنطقة في إعلان حزب العمال حل بنيته العسكرية، على الأخص التطورات التي تشهدها الساحة السورية، بعد سقوط نظام الرئيس السوري السابق “بشار الأسد”، والتغيرات التي طرأت على مواقف بعض القوى الإقليمية والدولية، فضلًا عن الضغوطات العسكرية والسياسية التي مارستها تركيا على الحزب، إلى جانب بعض الإشارات الداخلية أطلقها تحالف السلطة، لعل من أهمها تصريح زعيم حزب الحركة القومية “دولت بهتشلي” الذي ألمح إلى احتمالية استصدار قرار العفو عن “عبد الله أوجلان” مما شكل تحولًا داخل قيادة الحزب، وقد عكس هذا التحول إدراكًا لدى الحزب بأن استمرارية منطق الكفاح المسلح لم يعد مُجديًا في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية الجديدة، خصوصًا مع تراجع الدعم الخارجي من إيران أو من حكومة إقليم كردستان وتزايد العزلة الدولية مع تصنيفه من قبل القوى الكبرى كمنظمة ارهابية.

ارتدادات محتملة:

اعتبرت الحكومة التركية أن هذه الخطوة بمثابة انتصارًا أمنيًا وسياسيًا لها، حيث تقدمها كدليل على نجاح استراتيجية الردع والقوة العسكرية الخاصة بها، وذلك في ظل مساعيها لتوظيف هذه الوسائل لتعزيز شرعيتها لا سيما بين الأكراد المعتدلين الذين يرون في ذلك الأمر خطوة نحو السلام والاستقرار، مما قد يُسهم في زيادة دعمهم السياسي للنظام الحاكم، لكنها بالمقابل قد تواجه تحفظات من التيارات القومية بالداخل التي تبدي رفضًا لأي حوار سياسي مع الاكراد، والتي سبق أن عارضت عملية السلام مع الحزب التي توقفت في مارس 2015.

في المقابل، يتشكك تيار المعارضة في هذا القرار باعتباره قد يكون جزءًا من مناورة سياسية للرئيس التركي أردوغان لإعادة صياغة المناخ السياسي بما يسمح له بتعديل الدستور وتمديد فترة حكمه، وليس كتحول بنيوي في سياسات الدولة تجاه الأكراد، وهو الشعور ذاته الذي يسيطر علي أكراد الداخل خاصةً في ظل غياب أي خارطة طريق واضحة للإصلاح السياسي والاعتراف بحقوقهم الثقافية والسياسية، بالإضافة إلي غياب أي تفاصيل عن مصير مقاتلي الحزب، وغموض موقف الحكومة من إطلاق سراح “أوجلان”، وهو ما يفتح الباب أمام سيناريوهات انقسام داخلي في الحزب أو إعادة توجيه العنف عبر أجنحة أكثر تطرفًا.

انعكاسات إقليمية ودولية:

سيؤدي إعلان الحزب عن حل بنيته العسكرية إلى التخفيف من حالة التوتر في علاقات تركيا مع دول الجوار، لا سيما العراق وسوريا، حيث أسهمت العمليات العسكرية التركية ضد الحزب في إثارة التوترات مع دول الجوار، بالإضافة إلى أن مثل هذا القرار قد يعزز احتمالات الوصول إلى تفاهمات جديدة مع القوات الكردية في سوريا، مما قد يساعد في تهدئة الملف السوري، خاصةً مع التوجه الأمريكي نحو الانسحاب من سوريا، في حالة رفض هذه القوات التخلي عن سلاحها دون ضمانات سياسية من النظام السوري أو المجتمع الدولي.

وقد ترى الإدارة الأمريكية في هذا التطور فرصة لتقليل التوتر مع تركيا، خاصةً في ظل انتقادات الأخيرة المستمرة للدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية ذات الصلة بالحزب، كما أنها قد تفتح الباب أمام تفاهمات أمنية جديدة تسهل الانسحاب الأمريكي من سوريا دون إحداث حالة من الفراغ الأمني، كما قد تعزز هذه الخطوة من مكانة تركيا داخل حلف الناتو، وتُسهم في إعادة بناء الثقة مع دول كالسويد وفنلندا، التي تأثرت علاقاتها بتركيا بسبب هذا الملف.

المخاطر والتحديات:

هناك عدة تحديات أمام اتمام هذه الخطوة، يأتي في مقدمتها عدم وجود خارطة طريق واضحة، حيث لا تزال تفاصيل عملية نزع السلاح غامضة، كما أن مصير عناصر الحزب ومصير “أوجلان” نفسه غير واضح، وعلى الصعيد السوري، فإن حدوث أي انتكاسة في الحوار بين الأكراد والحكومة السورية الجديدة قد تؤثر سلبًا على الزخم الحالي وتعيد إشعال التوترات، بما ينعكس على الداخل التركي. علاوةً على ذلك، يشكك كثير من الأكراد في النوايا التركية، خاصةً في ظل استمرار تراجع الحريات وتهميش المعارضة، وإذا ما تم استخدام هذا القرار كأداة لتعزيز الحكم الفردي بدلًا من فتح آفاق ديمقراطية.

وتجدر الإشارة إلى دور المجموعات الكردية الأخرى، ومدى استعدادها للقبول بنزع سلاحها سواء في سوريا أم العراق أم إيران، حيث تسود حالة من التباين في مواقف القوى الكردية، ففي سوريا، تسعى قوات سوريا الديمقراطية لتأكيد استقلالها عن حزب العمال الكردستاني مع تعزيز شرعيتها الدولية، بينما قد يؤدي انسحاب مقاتلي الحزب من شمال العراق إلى تقليص الوجود العسكري التركي وتهيئة المناخ لتسويات داخلية، أما في إيران، فقد يتحول حزب الحياة الحرة الكردستاني إلى أداة ضغط في التوازنات الإقليمية، إما كورقة بيد حزب العمال الكردستاني في المفاوضات، أو وسيلة تستخدمها تركيا في مواجهة إيران، ومع اتجاه كل من تركيا وسوريا نحو نهج تفاوضي مع الأكراد، تبدو إيران معزولة في تمسكها بالمقاربات الأمنية، مما قد يدفعها إلى مراجعة تكتيكية مؤقتة في سياستها تجاه القضية الكردية دون تغيير جوهري في بنيتها.

في هذا السياق، يُمكن الإشارة إلى عدة عوامل قد تلعب دورًا مهمًا في تحديد مستقبل الجماعات الكردية في المنطقة بعد الدعوة التي أطلقها “أوجلان”، أبرزها: موقف الحكومة التركية ما بين السماح بالانفتاح السياسي الكردي داخليًا، أم الاكتفاء بإعلان الحزب حل نفسه على أنه انتصارًا أمنيًا، واستمرار الدعم الدولي، والأمريكي تحديدًا لقوات سوريا الديمقراطية تحت غطاء التعاون في مكافحة الإرهاب، ونتائج المفاوضات الأمريكية – الإيرانية وتأثيرها على المشهد الكردي في إيران، ومصير حزب الحياة الحرة الكردستاني، كذا قدرة الجماعات الكردية على الانتقال من التنظيمات المسلحة إلى جبهة سياسية موحدة وترك الانقسام الجغرافي والأيديولوجي.

ختامًا، يعدتفكيك حزب العمال الكردستاني لحظة تاريخية من الممكن أن تمهد لنهاية واحدة من أطول النزاعات المسلحة في الشرق الأوسط، لكن تحقيق ذلك سيتوقف بالأساس على مدى الاستعداد التركي لفتح صفحة جديدة مع الأكراد، صفحة مبنية على المساواة السياسية والاعتراف بحقوق الأكراد، لا سيما فيما يتعلق بمصير مقاتلي الحزب وقادته، وبمسألة الحقوق الكردية داخل تركيا، وكذلك قدرة الأطراف الكردية على الانتقال من المقاومة المسلحة إلى الفعل السياسي السلمي، فبينما ينحل الجناح المسلح، تواصل الحركة السياسية البرلمانية نشاطها، رافعة شعار الإصلاح من الداخل لا الانفصال، ومع تباين الأجندات الكردية، لا يزال الطرفان مرتبطان عبر رمزية “أوجلان” وهو ما يمنح هذا التحول وزنًا سياسيًا كبيرًا.


[1] Alper Coşkun and Garo Paylan, “The Hope and Skepticism Around the PKK’s Historic Move to Disarm”, Carnegie. 15 May 2025. Available at: https://carnegieendowment.org/emissary/2025/05/turkey-pkk-disarm-disband-impacts?lang=en

[2] Sinan Ciddi, “Analysis: The PKK abandons armed struggle”, FDD’s Long War Journal. 17 May 2025. Available at: https://www.longwarjournal.org/archives/2025/05/analysis-the-pkk-abandons-armed-struggle.php

[3] Alexandra Sharp, “PKK to Disband, End Insurgency in Turkey”, Foreign policy. 12 May 2025. Available at: https://foreignpolicy.com/2025/05/12/pkk-insurgency-turkey-kurdish-china-trade-deal-trump-russia-ukraine-putin-zelensky/ 

[4] “Disbanded PKK Leaves Behind Questions for Türkiye and the Region”, The Soufan Center (TSC). 14 May 2025. Available at: https://thesoufancenter.org/intelbrief-2025-may-14/

libyaconf
رؤى بحثية: التنافس السياسي بين الجماعات المسلحة في ليبيا
456625
رؤى بحثية: محددات وسيناريوهات التصعيد الإسرائيلي – الإيراني
252525
نهاية محتملة: تحولات سياسية هيكلية ما قبل سقوط "نتنياهو"
1
منظور جديد: المقاربة الثقافية في التفاعلات الأمريكية الخليجية
Scroll to Top