Search

دلالات إعادة انتخاب رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي

28/09/2025

شهد الداخل التركي عددًا من التطورات على مستوى المعارضة، لا سيما فيما يتعلق بحزب الشعب الجمهوري الذي يعد أكبر الأحزاب المعارضة الموجودة في تركيا، وذلك في أعقاب قيام الحزب بعقد ثلاثة مؤتمرات خلال العامين الأخيرين أحدهما مؤتمر دوري والاثنين الآخرين استثنائيين من أجل اختيار رئيس الحزب[1]، وذلك بسبب اتهام عمدة بلدية هاتاي السابق “لطفي سافاش” وبعض لجان الحزب الـ12 بتعرض المؤتمر العام الدوري لحزب الشعب الجمهوري الـ 38 للتلاعب في التصويت وتقديم الرشاوي في مقابل شراء الأصوات والتي أثر على نتيجة المؤتمر وبالتالي تم  رفع دعوى للنظر في  صحة أو بطلان المؤتمر لإلغاء نتائجه وإبعاد بعض المسئولين عن مناصبهم.

انتخاب أوزغور أوزيل:

عقد حزب الشعب الجمهوري المؤتمر الـ 22 الاستثنائي للحزب في 21 سبتمبر 2025 وقد جاء “أوزغور أوزيل” كمرشح وحيد لرئاسة الحزب وشارك في التصويت 917 عضوًا من إجمالي 1127عضوًا، وبالفعل تم اختياره للمرة الثالثة رئيسًا للحزب خلال أقل من عامين حيث حصل على 835 صوتًا أي حوالي 91.1% من إجمالي الأصوات.

فيما فشلت عملية اختيار مجلس الحزب والمجلس التأديبي الأعلى الذي تم انتخابه مع “أوزيل” خلال المؤتمر السابق مما يظهر أن الحزب لم يعد كتلة واحدة لها رأي موحد، بالإضافة إلى ذلك غاب رئيس الحزب السابق “كمال كليجدار أوغلو” عن المؤتمر، ولم يُخصص مكان له، في إشارة إلى حالة التوتر بين “أوزيل” و”كليجدار أوغلو” والتي توحى بأن الأخير يرغب في العودة مرة أخرى لرئاسة الحزب لا سيما بعد تحركات له جمعته مع نائب رئيس حزب الحركة القومية المسئول عن الشئون الانتخابية والقانونية “فتحي يلدز” ورئيس حزب الحركة القومية “دولت بهجلي”، ورفضه جميع مساعي مجلس الحزب وعدد من أعضائه  (مثل عمدة بلدية مرسين “وهاب سيتشر” وعضو مجلس الحزب “إنجين أوزكوش”) لإقناعه بالعدول عن موقفه للحفاظ على استقرار الحزب.

دوافع إعادة الانتخاب:

جاء توقيت عقد مؤتمر استثنائي للحزب بعد مرور أقل من ستة أشهر على المؤتمر الاستثنائي السابق مرتبطًا برغبة قيادة الحزب في إظهار عدم وجود انقسام داخلي، في ظل ما يُواجهه من اتهامات بالفساد في البلديات التابعة له وسجن المرشح الأبرز لهم “أكرم إمام أوغلو” في إطار تلك التحقيقات.

يُضاف إلى ذلك سعى الحزب لإنهاء حالة الترقب لقرار محكمة أنقرة المدنية بشأن صحة أو بطلان المؤتمر العادي الـ 38 للحزب، الذي سيُعلن في 24 نوفمبر 2025، وإبعاد الحزب عن ضغوط الانقسامات الداخلية بسبب إطالة مدة اتخاذ القرار ونتيجة لزيادة المناقشات الداخلية والتنافس بين الأجنحة الداخلية، التي أدت بالفعل إلى انسحاب بعض القيادات وانضمامها لحزب “العدالة والتنمية” والأحزاب الأخرى، مثل عمدة بلدية آيدن الكبرى “أوزليم جرجي أوغلو” التي بررت موقفها بأن السياق داخل الحزب غير مهيأ لممارسة السياسة به.

ويتطلع الحزب لقطع الطريق أمام إمكانية الإعلان عن بطلان الانتخابات وإلغاء نتائجها وفرض المحكمة وصي على الحزب وذلك من خلال إظهار مشروعية المؤتمر الاستثنائي الأخير باعتبار أنه قد عُقد بناءً على طلب أعضاء الحزب، وبالتالي لن يكون هناك مسوغًا قانونيًا لعزل “أوزيل” من رئاسة الحزب.

ادعاءات متضاربة:

انتقد “أوزيل” في أعقاب اختياره رئيسًا لحزب الشعب الجمهوري للمرة الثالثة الحكومة التركية مدعيًا أنها تخدم حزب العدالة والتنمية وأنصاره فقط، ومشيرًا إلى أن سبب استهداف حزبه عن طريق القضاء هو رغبة الحكومة في إشغال الحزب بصراعات وانقسامات داخلية حتى تتفادى منافسته خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد النجاحات التي حققها في انتخابات البلديات في مارس 2024 وتفوقه على حزب العدالة والتنمية.

وقد تزامن إعادة انتخاب “أوزيل” مع عقد الحزب مؤتمر طارئ لفرع الحزب بإسطنبول يوم 24 سبتمبر 2025، لانتخاب أمين الحزب في إسطنبول في أعقاب قرار محكمة إسطنبول بعزل أمين حزب الشعب الجمهوري في إسطنبول “أوزغور تشيليك” إلا أن ذلك المؤتمر أسفر عن أزمة قضائية جديدة فبالرغم من موافقة الهيئة العليا للانتخابات بإقامته فإن محكمة إسطنبول طالبت بإيقاف المؤتمر مبينة أن قرارها لا يزال نافذاً، وأن مرحلة الاستئناف لم تبدأ بعد خاصة أن المؤتمر شهد ترشح أوزغور تشيليك كمرشح وحيد لأمانة الحزب. 

وعلى صعيد أخر، استمرت التجاذبات بين الحكومة التركية والمعارضة حيث عُقدت جلسة تحقيقات يوم 22 سبتمبر 2025 ضد “أوزغور تشيليك” و25 عضوًا أمام المحكمة، بتهم تتعلق بمقاومة الشرطة ومنعهم من أداء واجباتهم والمشاركة في مسيرات غير قانونية وإتلاف ممتلكات عامة خلال التوترات التي وقعت أمام مجمع محاكم “تشاغلايان” في بلدية إسطنبول، وقد اعتبر “أوزيل” ذلك الأمر بمثابة حلقة من سلسلة حلقات الملاحقات القضائية ذات الطابع السياسي لحزبه، تستهدف فرض الحظر على “تشيليك” وفرض الوصاية على مقر الحزب في إسطنبول.

فيما أعلنت الحكومة التركية يوم 23 سبتمبر 2025 توقيف 13 شخصًا على خلفية اتهامات بالفساد المالي والإداري لبعض موظفي بلدية أنقرة الخاضعة لسيطرة حزب الشعب الجمهوري، وكذلك في بلدية إسطنبول على أثر اتهامات الفساد أيضًا الموجهة لمسئولي البلدية حيث قرر الادعاء في إسطنبول مؤخرًا توقيف رئيس بلدية (بيرام باشا) التابعة لحزب الشعب الجمهوري في إسطنبول “حسن موتلو” و47 آخرين بتهم الفساد والرشوة والابتزاز، وقد أدان “أوزيل” هذه الخطوة مؤكدًا على أنها غير مفيدة حتى لو نفذت الحكومة 99 حملة فإنها لن تنجح.

وقد هدد “أوزيل” بالتصعيد وتنظيم عصيان مدني في حال استمرار ما اعتبره ضغوطًا تُمارس على حزبه متهمًا الرئيس التركي بالسعي للانتقال لنظام الحزب الواحد، وقد سبق أن أعلن حزب الشعب الجمهوري عن إغلاق مبنى إدارته في إسطنبول بعد أن وقعت مواجهات أمام مقر الحزب بين أنصاره وعناصر الأمن، استجابة لدعوة وجهها جناح الشباب في الحزب للاحتجاج على قرار المحكمة بإقالة لأمين الحزب ورفضًا لدخول الوصي للمقر.

في المقابل يؤكد الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” على أن التطورات التي يشهدها حزب “الشعب الجمهوري” هي نتيجة صراعات داخلية بالأساس وليس لحزب “العدالة والتنمية” صلة بها، وأن السلطة القضائية هي صاحبة اليد العليا في النظر بصحة مؤتمر (انتخابات) الحزب الـ 38، كما أن عملية انتقال بعض أعضاء وقيادات من حزب الشعب الجمهوري إلى حزب العدالة والتنمية، جاءت نتيجة إرادتهم بعد اكتشافهم لممارسات فساد ورشوة وابتزاز داخل حزب الشعب الجمهوري واصفًا إياه بأنه “أداة لعصابة سرقة”.

وقد طالب الرئيس التركي في مذكرة إلى البرلمان برفع الحصانة عن عددٍ من النواب (يبلغ عددهم 240 نائبًا منهم 61 نائبًا عن حزب الشعب الجمهوري الذي يمثله 135نائبًا، أبرزهم رئيس حزب الشعب الجمهوري) بالتزامن مع رفعه دعوى قضائية ضد “أوزيل” بتهمة إهانة الرئيس في أعقاب التصريحات التي أدلى بها خلال اجتماع اللجنة التنفيذية للحزب في 5 يوليو 2025، مطالبًا بتعويضات بقيمة 500 ألف ليرة.

مستقبل منظور:

يحاول حزب الشعب الجمهوري تعزيز استقراره وتماسكه الداخلي، وعمد في هذا الإطار إلى إعادة أعضائه البارزين السابقين للحزب مرة أخرى، مثل المرشح الرئاسي السابق “محرم إنجه” ورئيس الحزب السابق “كمال كيليجدار أوغلو”.

قد تنجح جهود الحزب في خروجه من كبوته ومعالجة أخطائه بعد إعادة انتخاب “أوزيل” وتغيير مجلس الحزب، عبر معالجة مسألة قضايا الفساد المتهم بها أعضاء الحزب بدلًا من اتهام الحكومة بتسيس القضاء فقط ومراجعة أسبابها، وسيعتمد الحزب في هذا الصدد على تفوقه على حزب العدالة والتنمية طبقًا للبيانات الرسمية من نيابة المحكمة العليا في تركيا، التي كشفت عن تراجع عدد أعضاء حزب العدالة والتنمية مقارنةً بالعام الماضي بالرغم من مواصلة تصدره قائمة الأحزاب السياسية في الوقت الراهن، ليبلغ نحو 10.9 مليون عضوًا، في مقابل زيادة أعداد حزب الشعب الجمهوري إلى 1.9 مليون عضوًا.

في المقابل، قد يدخل الحزب في نفق مظلم من التوترات والانشقاقات لن تساعده خلال الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، لا سيما مع انقسام الحزب في الوقت الراهن لفريقين، الأول تقليدي بقيادة “كمال كليجدار أوغلو” الرئيس السابق للحزب والثاني بقيادة الرئيس الحالي “أوزغور أوزال”، بل ووصل الأمر إلى قبول بعض أعضاء الحزب قرارات المحكمة بفرض الوصاية على بعض المناصب القيادية فيه والتي من أبرزها تعيين “غورسال تيكين” وصيًا على أمانة الحزب في إسطنبول بالرغم من رفض رئاسة الحزب قرارات المحكمة بفرص الوصاية  الامر الذي أعقبه قرار بفصل الوصي “تكين” من عضوية الحزب.

وختامًا، يُمكن القول إن الحراك الداخلي في تركيا خلال الوقت الراهن لم يعد مرهونًا فقط بقرار المحكمة المرتقب في 24 نوفمبر 2025 بشأن بطلان أو صحة دعوة المؤتمر العام العادي لحزب الشعب الجمهوري الـ 38، بل اتسع ليشمل حالة التجاذب والتوتر بين الحكومة التركية من جهة التي تتمسك بموقفها بأن حزب الشعب الجمهوري يعاني من الفساد وأن قرار بقاء رئاسة الحزب أو تغييرها يرجع لقرار القضاء، وبين حزب الشعب الجمهوري الذي يتمسك بعدم إدخال تغييرات على سياسته باعتبار أن اتهامات الفساد وتوقيف أعضائه ترجع لأسباب سياسية، وذلك من جهة أخرى.


[1] عُقد المؤتمر الدوري الـ 38 لحزب الشعب الجمهوري في يومي 4،5 نوفمبر 2023، ثم انعقد المؤتمر الاستثنائي الـ 21 في 6 أبريل 2025، وأخيرًا عُقد الحزب المؤتمر الـ 22 الاستثنائي في 21 سبتمبر 2025.

1212
تعزيز النفوذ: حدود الدعم السعودي – القطري للنظام السوري الانتقالي
libyaconf
رؤى بحثية: التنافس السياسي بين الجماعات المسلحة في ليبيا
456625
رؤى بحثية: محددات وسيناريوهات التصعيد الإسرائيلي – الإيراني
PKK
رؤى بحثية: فرص وتحديات حل حزب العمال الكردستاني
Scroll to Top