Search

تعزيز النفوذ: حدود الدعم السعودي – القطري للنظام السوري الانتقالي

29/09/2025

أعلنت السعودية وقطر تقديم دعم مالي لسوريا بقيمة 89 مليون دولار، للمساهمة في دعم القطاع العام هناك لمدة ثلاثة أشهر، بما يضمن استمرارية النظام السوري في تقديم الخدمات الأساسية فضلًا عن تعزيز مخصصات الميزانية[1]، ويأتي ذلك الدعم ضمن إطار أوسع من المساعدات التي حصلت عليها سوريا من السعودية وقطر، خلال الأشهر الماضية، الذي يرتبط بحسابات جيوسياسية أكثر تعقيدًا، والتفاعل مع التطورات في الداخل السوري.

أنماط الدعم الاقتصادي:

عززت السعودية وقطر من دعمهما الاقتصادي لسوريا منذ انهيار نظام “بشار الأسد” في ديسمبر 2024، وقد اتخذ هذا الدعم أنماطًا متعددة، أبرزها ما يلي:

  • دعم القطاع العام، أكثر من مرة، حيث سبق للبلدين الإعلان في نهاية مايو 2025 عن تقديم دعم مالي مشترك للعاملين في القطاع العام في سوريا لمدة ثلاثة أشهر، وجرى التأكيد حينها على أن هذا الدعم “يعكس التزامهما الثابت بدعم جهود التنمية، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في سوريا، والمساهمة في تحسين الظروف المعيشية”.
  • تمكين سوريا من الانخراط في الاقتصاد العالمي، وقد بذلت كل من السعودية وقطر جهودًا حثيثة لرفع العقوبات الدولية المفروضة على سوريا للبدء فعليًا في جهود إعادة الإعمار، وقد تكللت هذه الجهود بالرفع التدريجي للعقوبات الأمريكية وبعدها الأوروبية، يُضاف إلى ذلك تسديد ديون سوريا لدى البنك الدولي في أبريل 2025 بقيمة بلغت نحو 15.5 مليون دولار.
  • إبرام صفقات استثمارية كبرى، حيث عقدت السعودية منتدى استثماري في دمشق في يوليو 2025، أُعلن خلاله عن توقيع 47 اتفاقًا بقيمة 6.4 مليار دولار، تشمل قطاعات متعددة، كما شاركت الشركات السعودية في فعالية استثمارية في أغسطس 2025، التي جرى خلالها الإعلان عن توقيع 12 اتفاقًا بقيمة 14 مليار دولار، وخلال الفعالية نفسها، أبرمت الحكومة السورية اتفاقًا مع تحالف تقوده شركة أورباكون القابضة القطرية بقيمة 4 مليار دولار لتوسيع مطار دمشق الدولي، وقد سبق للتحالف توقيع اتفاق آخر في مجال لطاقة بقيمة 7 مليار دولار في مايو 2025.
  • المنح والمساعدات الإنسانية، حيث ينشط مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية في سوريا من خلال 80 مشروعًا بقيمة تبلغ نحو 83.5 مليون دولار، لتصبح سوريا بذلك ثاني أكبر متلق لمساعدات المركز[2]، كما اهتمت قطر بتعزيز قطاع الكهرباء السوري، وبلغت قيمة مساهمات صندوق قطر للتنمية نحو 760 مليون دولار، خاصةً مع تمويلها لصفقة استيراد سوريا للغاز من أذربيجان[3].

مسارات موازية:

جاء الدعم الاقتصادي المُقدم من السعودية وقطر للنظام السوري مع دعم آخر مواز في مجالات متعددة، وذلك كما يلي:

  • دعم سياسي ودبلوماسي، فعلى الرغم من تعدد الجهود السعودية والقطرية سواء في تأهيل النظام السوري سياسيًا ودمجه ضمن البنية السياسية الإقليمية والدولية، أم في مواجهة حالة عدم الاستقرار الإقليمي ومظاهرها خاصةً الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية المتكررة ضد سوريا، فإن هناك مشهد رئيس يدلل على محورية هذا الدعم، يتمثل في لقاء الرئيس السوري الانتقالي “أحمد الشرع” بالرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” في السعودية وبرعايتها، وذلك إبان جولة ترامب للمنطقة الخليجية في مايو 2025، ولم تقتصر أهمية هذا اللقاء على كونه خطوة مهمة لاستعادة العلاقات بين سوريا والولايات المتحدة بعد سنوات من القطيعة، بل عُد أيضًا خطوة جوهرية للقبول الدولي بالرئيس السوري الانتقالي من قبل قوة كبرى.
  • التنسيق والدعم الأمني، ويتضح ذلك من خلال زيادة وتيرة التبادلات بين كبار مسئولي البلدين، حيث أجرى وفد أمني سوري زيارة للسعودية في أبريل 2025 للاستفادة من تجربة الأجهزة الأمنية السعودية وخبراتها، كما رعت السعودية منذ مارس 2025 ملف ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان، وتُشير تقديرات[4] إلى أن شركة “METCO” السعودية المتخصصة في النظم الأمنية والعسكرية تلعب دورًا مهمًا في هذا الإطار، كما أجرى وزير الداخلية في الحكومة السورية الانتقالية “أنس خطاب” زيارة إلى قطر في سبتمبر 2025، التقى خلالها بوزير الداخلية القطري الشيخ “خليفة بن حمد بن خليفة آل ثاني”، وبحثا أوجه التعاون الأمني الثنائي، وقد امتد الدعم القطري للمجالات المدنية، حيث دعمت قدرات فرق الدفاع المدني السوري من خلال برامج تدريبية وتوفير معدات وآليات وأجهزة متخصصة لرفع مستوى الكفاءة في الاستجابة للطوارئ.
  • تعزيز العلاقات الثقافية، حيث حرص وزير الثقافة في الحكومة السورية الانتقالية “محمد ياسين صالح” على التباحث مع المسئولين السعوديين والقطريين، أبرزهم وزير الثقافة القطري الشيخ “عبد الرحمن بن حمد آل ثاني” الذي زار سوريا في أبريل 2025، فيما أجرى “صالح” زيارة إلى قطر، زار خلالها جناح سوريا في معرض الدوحة الدولي للكتاب الذي عُقد في مايو 2025، كما انخرطت السعودية في مشروع “بوابة دمشق” الذي تبلغ تكلفته نحو 1.5 مليار دولار، ويستهدف إنشاء مدينة للإنتاج الإعلامي والفني في سوريا.

أهداف منضبطة:

يُشير ما سبق إلى أن الدعم السعودي والقطري للنظام السوري هو دعم متكامل، يستهدف تحقيق ما يلي:

  • تعزيز حالة الاستقرار الداخلي، فمثلًا، يؤدي دعم القطاع العام السوري إلى الحفاظ على رواتب الموظفين الحكوميين، واستقرار أحوالهم المعيشية، فضلًا عن استمرار العمل في مؤسسات الدولة السورية، لا سيما أن عدد الموظفين الحكوميين يبلغ نحو “1.4” مليون موظفًا (تشير تقديرات رسمية إلى أن هذا العدد قابل للانخفاض ليصل فعليًا إلى نحو “900” ألف فقط)، وهو ما يشكل نحو “11.4%” من إجمالي السوريين الموجودين في سوريا والبالغ عددهم نحو “16” مليون وفقًا لتقديرات عام 2023[5].
  • تماسك النظام السوري، وذلك من خلال تمكينه من تقديم الخدمات الأساسية، حيث أن التدفق المستمر للدعم السعودي والقطري يوجد بيئة مواتية لإنجاح الانتقال السياسي، ويمكن النظام السوري من ترويج الأمل لدى المواطنين، حيث يركز بصورة كبيرة على الترويج إلى أن الاستثمارات والمنح المختلفة لا تقتصر على نطاق جغرافي محدد، لكنها تغطي مختلف المناطق السورية، وستعمل على تحسين البنية التحتية وتوفير الكثير من فرص العمل.

وفي السياق ذاته، تلعب العوامل الخارجية دورًا محفزًا لاستمرار دعم النظام السوري بل وتعزيزه، حيث يضمن ذلك الأمر تحقيق ما يلي:

  • تشجيع القوى الإقليمية والدولية على الانخراط بفاعلية في الاقتصاد السوري، خاصةً مع رفع العقوبات المفروضة، واتخاذ النظام السوري إجراءات لجذب الاستثمارات الأجنبية، تمثل أبرزها في تعديل قانون الاستثمار في يوليو 2025، وتقديم حوافز وإعفاءات جديدة، وتسهيل تأسيس المشاريع وتسجيل الشركات[6]، إلى جانب إبرام اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات مع السعودية.
  • التعامل مع الحضور الإقليمي غير العربي في سوريا وأهدافه الخاصة، وفق كل حالة، فالتواجد السعودي والقطري في سوريا يمثل “نفوذًا عربيًا متقدمًا” في مواجهة أو لموازنة كل من: إيران التي تعمل على إعادة بناء شبكة نفوذها في سوريا، وترغب في أن تصبح الأخيرة ممرًا للدعم الإيراني إلى حزب الله في لبنان، وإسرائيل التي تستفيد من استمرار حالة عدم الاستقرار في سوريا من أجل فرض معادلة أمنية جديدة مع سوريا، وحرية العمل العسكري سواء في الأجواء أم على الأراضي السورية، وتركيا، التي ترغب أن تصبح الطرف اللاعب الأهم إن لم يكن الأوحد في سوريا.
  • مكافحة الأنشطة الإرهابية وشبكات الجريمة المنظمة، خاصةً المرتبطة بإنتاج وتهريب المخدرات، ولا يزال هذا الهدف على رأس الأولويات السعودية والقطرية، ويمثل الدعم الاقتصادي والمشروعات المرتبطة به فرصةً لإبعاد الشباب عن الانخراط في هذه الأنشطة غير المشروعة.

وختامًا، يتضح أن الدعم السعودي والقطري للنظام السوري يستهدف تحقيق الاستقرار الداخلي ووقف الفوضى، وعلى الرغم من اتساع نطاق الدعم وحجمه، فإنه في نفس الوقت ليس شيكًا مفتوحًا، ويرتبط استمراره بمدى قدرة النظام السوري الانتقالي على ضبط تصرفاته، والتحكم في عناصره، الذين انخرطوا في انتهاكات جسيمة في العديد من المناطق السورية، والتي أكدت أن هذا النظام الانتقالي لم يصل بعد إلى درجة معتبرة من “النضج السياسي”، وأن انتقاله من فكر وممارسات التنظيم المسلح إلى منطق الدولة لا يزال يواجه عقبات هيكلية.


[1] “اقتصادي / المملكة وقطر تقدمان دعمًا ماليًا مشتركًا بقيمة 89 مليون دولار لتعزيز النمو الاجتماعي والاقتصادي في سوريا”، وكالة الأنباء السعودية (واس). 24 سبتمبر 2025. متاح على https://www.spa.gov.sa/N2407327

[2] للمزيد، انظر الموقع الرسمي لمركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، متاح على https://www.ksrelief.org/Statistics/CountryDetails/122

[3] Fiona MacDonald, “Qatar to Fund More Gas For Syria to Boost Power Output”, Bloomberg. 1 August 2025. Available at https://www.bloomberg.com/news/articles/2025-07-31/qatar-to-pay-for-syria-to-get-more-piped-gas-from-azerbaijan?embedded-checkout=true

[4] إبراهيم ريحان، “شركة سعوديّة تُرسّم الحدود اللبنانية – السورية..”، أساس ميديا. 6 يوليو 2025.متاح على https://asasmedia.com/94549/

[5] ريم الشيخ، “كيف يشكل التنوع الطائفي والعرقي الهوية السورية؟”، BBC عربي. 11 مارس 2025. متاح على https://www.bbc.com/arabic/articles/cdx9g2j08yvo

[6] للمزيد، انظر: “الرئيس الشرع يصدر مرسومًا بتعديل بعض مواد قانون الاستثمار”، وكالة الأنباء السورية (سانا). 9 يوليو 2025. متاح على https://sana.sy/economy/2249713/

turk-oppos
دلالات إعادة انتخاب رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي
libyaconf
رؤى بحثية: التنافس السياسي بين الجماعات المسلحة في ليبيا
456625
رؤى بحثية: محددات وسيناريوهات التصعيد الإسرائيلي – الإيراني
PKK
رؤى بحثية: فرص وتحديات حل حزب العمال الكردستاني
Scroll to Top