Search

رؤى بحثية: مستقبل العلاقات التركية الأمريكية

18/10/2025

تُمثل العلاقات التركية الأمريكية واحدة من أكثر العلاقات الثنائية تعقيدًا وتشابكًا في النظام الدولي، لما تحمله من أبعاد استراتيجية وأمنية واقتصادية وجيوسياسية، وفي ظل التطورات الإقليمية والدولية المتسارعة، تكتسب هذه العلاقات أهمية مضاعفة، خصوصًا مع تجدد اللقاءات على أعلى المستويات بين قادة البلدين، ويركز هذا التقرير على الرؤى المختلفة[1] حول مستقبل العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة، مستعرضًا المواقف المتبادلة، والقضايا ذات الاهتمام المشترك، والملفات الخلافية التي تؤثر على مسار هذه العلاقة، كما يُسلط الضوء على محاولات الطرفين لإعادة ضبط بوصلة التعاون بينهما ضمن سياقات إقليمية شديدة الحساسية.

قضايا مشتركة:

قامت تركيا بعدد من التحركات للتقارب مع الجانب الأمريكي قبل تولي الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، والتي تمثل أبرزها في تعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع أوروبا من خلال إبداء موافقتها على إرسال المساعدات والدعم إلى “تحالف الراغبين” الذي يضم فرنسا والمملكة المتحدة بهدف إرسال قوة عسكرية إلى أوكرانيا في حال وقف إطلاق النار، إضافةً إلى مشاركة تركيا في جهود حلف الناتو حيث أرسلت القوات الجوية التركية مؤخرًا طائرة من طراز “E-7T Peace Eagle” مزودة بنظام الإنذار المبكر إلى ليتوانيا، كما تقدمت تركيا بطلب للانضمام إلى خطة العمل الأمني ا​لأوروبي (SAFE)، التي اقترحتها المفوضية الأوروبية لتشجيع المشتريات العسكرية المشتركة داخل الاتحاد الأوروبي.

مسارات التحرك:

وفقًا للتطورات الجارية في العلاقات التركية الأمريكية، يُشار إلى ما يلي:

  • ترغب الولايات المتحدة في إقناع الجانب التركي بخفض مشترياته من النفط والغاز الروسيين من أجل تقليص المصدر الرئيس لإيرادات الكرملين في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وذلك من خلال العمل على إبرام اتفاقات في قطاع الطاقة، من قبل العديد من الشركات، مثل “بوتاش” و”ميركوريا” و”وودسايد إنرجي”.
  • يهتم الجانبان بتطورات الأوضاع في سوريا انطلاقًا من سعى الرئيس “أردوغان” إلى الحصول على دعم الولايات المتحدة لآلية أمنية بين إسرائيل وسوريا لخفض التصعيد، وتقسيم النفوذ والتي تأتي في مصلحة الولايات المتحدة التي ترغب في الاعتماد على وكيل إقليمي، لضمان مصالحها وتنفيذ سياساتها في الشرق الأوسط، وبالتالي توجد حاجة لتحقيق الاستقرار وتجنب التوترات.
  • محاولة تركيا الوصول لتسوية فيما يتعلق بمسألة حل قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ودمجها في الجيش السوري، لا سيما أن تركيا تنظر لوحدات حماية الشعب التابعة لقسد على أنها تنتمي لإحدى أفرع حزب العمال الكردستاني، ويظهر ملامح الاتفاق حول حل قسد في تصريحات المبعوث الأمريكي لدى سوريا والسفير الأمريكي لدى تركيا “توماس بارك” الذي أكد فيها على ضرورة تنفيذ قوات سوريا الديمقراطية لاتفاق 10 مارس مع دمشق بين قائد قوات سوريا الديمقراطية “مظلوم عبدي” والرئيس السوري الانتقالي “أحمد الشرع”.
  • صياغة لغة إيجابية بين الجانبين من خلال العمل على تجنب الاشتباك حول الموضوعات الخلافية وتحديد قائمة بمجالات الاهتمام المشترك سواء فيما يتعلق بتطورات الوضع في سوريا المتعلقة بقسد، أم عقد الصفقات التجارية التي يمكن المضي فيها دون خلافات.

تجاذبات جوهرية:

تواجه العلاقات التركية الأمريكية عددًا من التحديات والإشكاليات، التي قد تعرقل تعزيز العلاقات الإيجابية بين تركيا والولايات المتحدة، والتي يتمثل أبرزها فيما يلي:

  • طبيعة التعامل مع تطورات الأوضاع في قطاع غزة وعدم الاتفاق على الدور الذي ستلعبه تركيا بعد وقف إطلاق النار، لا سيما في ظل تشكك إسرائيل وعدم ثقتها في التدخل التركي.
  • العلاقات التركية مع الجانب الروسي، حيث لن تتخلى تركيا عن علاقاتها مع روسيا في مجال الطاقة لتتجه نحو الولايات المتحدة، فبالرغم من الاتفاقات المُبرمة بين تركيا والولايات المتحدة، فإنها لا تمثل بديلًا موثوقًا عن الطاقة الروسية، كما تتعاون تركيا وروسيا في مجال الطاقة النووية، حيث بنت شركة “روساتوم” الروسية محطة “أكويو” للطاقة النووية الوحيدة في تركيا، كما لن تتنازل تركيا عن طموحاتها القديمة بإعادة بيع الغاز الروسي لدول أوروبا بعد أن حققت شركاتها أرباحًا من خلال شراء النفط الخام من روسيا ونقل المنتجات المكررة إلى دول الاتحاد الأوروبي، وبالتالي فإن الصفقات المُبرمة بين الولايات المتحدة وتركيا تكشف الرغبة الأمريكية في مزاحمة الدور الروسي في ذلك القطاع.
  • مسألة التسلح، حيث يوجد تخوف أمريكي من إمداد تركيا بنظم تسلح متقدمة، خاصةً مقاتلات F-35، الأمر الذي قد يؤدي لإخلال ميزان القوى في الشرق الأوسط، وزيادة الجرأة التركية نحو القيام بأعمال عسكرية قد تطال إسرائيل أو اليونان، هذا إلى جانب وجود بعض العقوبات الأمريكية التي فُرضت على تركيا لشرائها منظومة “S-400” الروسية.

وختامًا، يتضح أن العلاقات التركية الأمريكية تقف بين التعاون الحذر والتنافس الاستراتيجي، حيث تسعى كل من أنقرة وواشنطن إلى تعظيم مكاسبها وفق مقاربات براغماتية تتجاوز الطابع الأيديولوجي، ومع أن هناك نقاط تقاطع ومصالح مشتركة في الملفات الأمنية والاقتصادية، فإن استمرار الخلافات الجوهرية حول قضايا مثل العلاقات مع روسيا، والتسلح، قد يُضعف من إمكانية الوصول إلى شراكة مستقرة ومتكاملة، وفي ضوء ذلك، يبدو مستقبل هذه العلاقة مرهونًا بمدى قدرة الطرفين على إدارة التباينات بروح من الواقعية السياسية، وبما يضمن الحفاظ على الحد الأدنى من التنسيق الذي يحقق مصالحهما المشتركة دون الوقوع في فخ المواجهة أو القطيعة.


[1] Atlantic Council experts, ” Experts react: What’s next for US-Turkey ties after Erdoğan’s White House visit? “, Atlantic Council. 25 September 2025. Available at: https://www.atlanticcouncil.org/blogs/new-atlanticist/experts-react-whats-next-for-us-turkey-ties-after-erdogans-white-house-visit/ & Michael Rubin, “Trump’s Love Affair with Erdogan Will Define His Legacy “, American Enterprise Institute. 20 September 2025. Available at: https://www.aei.org/op-eds/trumps-love-affair-with-erdogan-will-define-his-legacy/ & Dimitar Bechev, “U.S.-Turkish Relations Have Gotten Duller, Not Better”, Foreign Policy. 30 September 2025. Available at: https://foreignpolicy.com/2025/09/30/turkey-erdogan-trump-syria-russia-democracy/ & Necati Demircan, ”The Mehter March in Turkish Foreign Policy”, Modern Diplomacy. 29 September 2025. Available at: https://moderndiplomacy.eu/2025/09/29/the-mehter-march-in-turkish-foreign-policy/

1212
تعزيز النفوذ: حدود الدعم السعودي – القطري للنظام السوري الانتقالي
turk-oppos
دلالات إعادة انتخاب رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي
libyaconf
رؤى بحثية: التنافس السياسي بين الجماعات المسلحة في ليبيا
456625
رؤى بحثية: محددات وسيناريوهات التصعيد الإسرائيلي – الإيراني
Scroll to Top