Search

إسرائيل وتوظيف الحرب الإلكترونية الاقتصادية

20/10/2025

كانت عملية “طوفان الأقصى” نقطة تحول دفعت إسرائيل لتكثيف حربها الإلكترونية الاقتصادية ضد خصومها التقليديين، وذلك عبر مكافحة تمويلهم من خلال سلطاتها، وجهات غير رسمية (تروّج بأنها تعمل تطوعًا)، بما يُعزز التحول من استخدام التكنولوجيا في الأنشطة المدنية إلى الأنشطة العسكرية في الداخل الإسرائيلي والعالم، وهو ما قد يكون له تبعات سلبية مستقبلًا إذا لم يتم استحداث وثيقة أو إعلان دولي لتقنين استخدام التكنولوجيا في الصراعات نظرًا لأضرارها المباشرة على الشعوب.

استهداف ممنهج:

تستخدم إسرائيل التكنولوجيا المتطورة في إلحاق خسائر بخصومها، وقد كثفت من توظيفها مؤخرًا، خاصةً بعد عملية “طوفان الأقصى” في أكتوبر 2023، بجانب عملياتها العسكرية، وذلك لتقويض تمويل الجهات أو الدول التي تعتبرها عدوة لها، ويدلل على ذلك ما يلي:

1-استهداف إيران:

  • نشر المقر الوطني لمكافحة الإرهاب الاقتصادي التابع لوزارة الدفاع الإسرائيلية في سبتمبر 2025، بيانًا أوضح فيه الحجز على 187 محفظة عملات مشفرة ذكرت أنها تتعلق بمؤسسة الحرس الثوري الإيراني، والتي تصنفها إسرائيل بأنها منظمة إرهابية[1]، وقد ذكرت شركة “Elliptic” (المتخصصة في تحليل تقنية بلوك تشين والعملات المشفرة) في سبتمبر 2025، إن هذه المحافظ تلقت خلال الـ 12 شهرًا الماضية ما قيمته 1.5 مليار دولار من العملات المشفرة، ولكنها أشارت إلى عدم إمكانية التحقق مما إذا كانت جميع هذه المعاملات مرتبطة مباشرةً بالحرس الثوري الإيراني أم لا، لأسباب تقنية[2].
  • وأثناء الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل، التي استمرت 12 يومًا، أعلنت مجموعة القرصنة الإلكترونية الإسرائيلية “Predatory Sparrow” مسئوليتها عن اختراق بورصة العملات المشفرة الإيرانية “Nobitex”، وأفادت مصادر بأنه تم سرقة نحو 90 مليون دولار من الأصول الرقمية المدرجة بها، وأدعت المجموعة الإسرائيلية أن إيران كانت تستخدم البورصة للالتفاف على العقوبات الدولية، كما أعلنت نفس المجموعة عن شنها هجومًا إلكترونيًا على بنك سپه الإيراني الحكومي بسبب استخدام الحرس الثوري للبنك.
  • يستهدف ذلك التحرك عمليات تمويل إيران ووكلائها، ولا يقتصر الأمر على الحرب الإلكترونية فحسب، بل يمتد ليشمل الاستهداف العسكري المباشر، واتضح ذلك من خلال تحييد جزء كبير من قدرات حزب الله العسكرية كذا مصادر تمويله، وذلك عبر استهداف مقرات مؤسسات القرض الحسن في لبنان، واغتيال مسئولين عن نقل الأموال بالحزب.

2-محاربة التبرع لقطاع غزة:

  • سعت إسرائيل منذ أكتوبر 2023 إلى تدمير قطاع غزة، لجعله غير صالح للحياة، وبالتالي دفع سكانه للهجرة الطوعية بعدما فشلت محاولات تهجيرهم قسريًا، وذلك في إطار سياسة “الأرض المحروقة”، التي تتعمد تدمير الموارد والبنى التحتية التي يمكن أن تستفيد منها فصائل المقاومة الفلسطينية وبيئتها الحاضنة، وبالتالي سعت تل أبيب منذ ذلك الحين وعبر توظيف تقدمها التكنولوجي إلى وقف أي تمويل في شكل تبرعات يمكن تقديمه لسكان غزة، وذلك تحت مزاعم تمويل الإرهاب (أي حركة حماس التي تصنفها إسرائيل كمنظمة إرهابية).
  • كشف تقرير لمجلة “Globes” الإسرائيلية في سبتمبر 2025، أن هناك فريق سري داعم لإسرائيل مكون من عدة أشخاص حول العالم، يروجون لأنفسهم باعتبارهم “متطوعون”، يقومون بتجفيف مصادر تمويل المنظمات الإرهابية ومن بينها حماس (كما جاء في التقرير)، وذلك من خلال تجميد عمليات جمع التبرعات المالية لقطاع غزة عبر الانترنت، زاعمة أنها تذهب لتمويل حركة حماس[3]، كما أكد التقرير أن المجموعة تأسست عقب عملية “طوفان الأقصى”، وأسهمت في إحباط أكثر من 700 حملة لجمع التبرعات، بلغت قيمتها حوالي 400 مليون دولار، وهي لديها أدوات لتعقب تلك العمليات، في ظل عدم توافرها في البنوك ومؤسسات التمويل وكذا بعض المواقع الالكترونية المخصصة لجمع التبرعات (مثل GoFundMe)، هذا الفريق السري هو واحد من أعضاء عديدين في منظمة تم تأسيسها بعد 7 أكتوبر 2023 بواسطة رواد أعمال في قطاعي البنوك والتكنولوجيا المالية، ويديرها مستشار قانوني كبير سابق، وبالتالي فإن تكوين الفريق وإدارته عبر مسئول سابق يزيد من احتمالية وجود علاقة مباشرة بالسلطات الإسرائيلية، والتي قد توجهه للقيام بعمليات إلكترونية نوعية.

وبخلاف ما سبق، وعلى خلفية التطور التكنولوجي في إسرائيل، فإن هناك العديد من الشركات الإسرائيلية، أو حتى تلك التي يتولى إدارتها إسرائيليون، معنية بمكافحة تمويل الإرهاب وفق وجهة النظر الإسرائيلية، والتي تستخدم التكنولوجيا المتطورة في الرصد والتعقب، مثل شركة “Analytics240” التي طورت برامجًا لجمع المعلومات، وتعقب الكيانات والأشخاص المشكوك فيها، وبالتالي تدعم تلك الشركات الجهود الحكومية في مكافحة تمويل أعداء إسرائيل.

حروب مستجدة:

توضح النماذج السابقة كيفية توظيف إسرائيل للمعرفة والتكنولوجيا في مكافحة تمويل خصومها، وذلك عبر شبكة من الشركات والأشخاص، والتي لا تندرج ضمن مؤسساتها الرسمية، وبما يوفر لها مرونة في الحركة، ويُثير هذا الأمر الملاحظات التالية:

  • تزايد اعتماد إسرائيل على العديد من الخبرات الدولية بدون القيود التي تُفرض على انضمام العناصر في المؤسسات الأمنية، حيث يتم تجنيد العديد من خبراء التكنولوجيا حول العالم لتنفيذ حرب بالوكالة لدعم إسرائيل، وتحت مسميات مختلفة مثل محاربة الإرهاب، وهو الأمر الذي قد يكون له تداعيات مستقبلية، عبر توظيف تلك الخبرات للقيام بهجمات سيبرانية لإلحاق أضرار اقتصادية في الدول المستهدفة، بدون معرفة هوية منفذي تلك الهجمات.
  • الأثر السلبي لبعض العمليات، حيث أن وقف جمع التبرعات التي كانت موجهة لقطاع غزة يؤثر على عمل المنظمات غير الحكومية المعنية بجمع ذلك التمويل، والتي لن تجد لنفسها تمويلًا كافيًا لممارسة أنشطتها (في بعض الحالات)، وهو ما قد يسفر عن تراجع فاعلية تلك المنظمات، وبالتبعية تقليص تسليط الضوء على الممارسات الإسرائيلية ضد سكان غزة، وبما يبرز تبني تل أبيب محاربة تمويل كافة الأطراف الرافضة لحرب غزة، وذلك بجانب حملتها العسكرية والدبلوماسية بالشأن.
  • أدت الحرب في غزة إلى سعي شركات الدفاع الإسرائيلية لجذب المتخصصين المحليين في التكنولوجيا المتقدمة، ليتحول التركيز من المجالات المدنية والتجارية تحديدًا إلى قطاعات الدفاع أو القطاعات ذات الاستخدام المزدوج، نظرًا لاستقرار التوظيف بقطاع الدفاع في أوقات عدم اليقين (مثل الحروب والأزمات الكبرى)، وشيوع شعور قوي بالمساهمة المباشرة في تعزيز الأمن القومي، ولكن في نفس الوقت قد يؤدي التحول من التكنولوجيا المدنية إلى تكنولوجيا الدفاع إلى “هجرة العقول” بما يؤثر سلبًا على التفوق الإسرائيلي في التكنولوجيا ذات الاستخدامات المدنية.
  • الاستخدام المفرط لتطبيقات التكنولوجيا المتطورة بالتزامن مع الأنشطة العسكرية الإسرائيلية، وضمن ما يطلق عليه حرب إلكترونية اقتصادية لإحداث الخسائر بأطراف تهدد مصالح إسرائيل، وذلك على مستوى الدول أو الشركات أو حتى الأفراد، وفي المقابل فإن هذا الأمر قد يدفع بالعديد من الدول لتطوير معرفتها بهذا الشأن، لمواجهة الهجمات المحتملة على اقتصاده، مع تطوير تلك المعرفة للمبادرة بهجمات استباقية.

وختامًا، يتضح أن الحرب الإلكترونية الاقتصادية متعددة الأبعاد، أي انها لا ترتبط فقط بمكافحة مصادر التمويل لبعض الدول أو الجماعات، حيث يُستخدم الذكاء الاصطناعي في التضليل الإعلامي، عبر الترويج لشائعات قد تضر بأسواق مال الدول المستهدفة، فضلًا عن إمكانية اختراق النظم التكنولوجية بالمؤسسات مما يؤدي إلى تعطيلها، وقد يسفر ذلك عن خسائر اقتصادية، ويقلص من قدرة الدولة على جذب استثمارات أجنبية مباشرة.


[1] The National Bureau for Counter Terror Financing of Israel, Administrative Seizure Order, ASO-43/25. Available at: https://nbctf.mod.gov.il/he/Announcements/Documents/%d7%a6%d7%aa%2043-25.pdf

[2] “Israel links crypto wallets that received $1.5 billion to Iran’s Revolutionary Guard”, Elliptic. 15 September 2025. Available at: https://www.elliptic.co/blog/israel-links-crypto-wallets-handling-billions-to-irans-revolutionary-guard

[3] Ela Levi-Weinrib and Itamar Levin, “Covert volunteers uncover clandestine Hamas funding”, Globes. 2 September 2025. Available at: https://en.globes.co.il/en/article-covert-tech-volunteers-uncover-clandestine-hamas-funding-1001520452

USshutdown
الإغلاق الحكومي الأمريكي: أزمة داخلية وصدى اقتصادي عالمي
benjamin
ارتدادات ضاغطة: كيف ينعكس استمرار حرب غزة على أداء الاقتصاد الإسرائيلي؟
العقوبات
العقوبات الاقتصادية: حرب صامتة أشد فتكًا من الصراعات المسلحة
A Somali internally-displaced person (IDP) child looks out from her family's makeshift home in Maslah camp on the outski
مخاطر متزايدة: تراجع التمويل الخارجي لمنطقة أفريقيا جنوب الصحراء
Scroll to Top