Search

نهاية محتملة: تحولات سياسية هيكلية ما قبل سقوط “نتنياهو”

28/05/2025

يمر رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” بلحظة فارقة في تاريخه السياسي، قد تكون من بين أخطر التحديات التي واجهها في مسيرته الطويلة، والتي جعلت منه ملكًا لإسرائيل كما يردد مؤيدوه، لكنها يمكن أن ترسم نهايتها المحتومة، فعلى خلفية استمرار العمليات العسكرية في قطاع غزة وهشاشة الوضع الداخلي، ومع استمرار تراجع الدعم الدولي خاصةً الأمريكي نتيجة للتجاذبات الكبيرة مع الإدارة الأمريكية، يواجه “نتنياهو” في الوقت الراهن شبه عزلة متصاعدة ومتنامية، وتغير موقف بعض أبرز حلفائه الغربيين وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، ما يعكس تحولًا محتملًا قد يضع نهاية فعلية لحقبة “نتنياهو”، التي طالت في تاريخ الدولة العبرية ورؤساء وزرائها، خاصةً التاريخيين، من أمثال “جولدا مائير” و”ليفي أشكول” ومن قبل مؤسس الدولة “ديفيد بن جوريون”.

مؤشرات العزلة:

شكلت التصريحات الأخيرة للرئيس “ترامب”، والتي أشار فيها إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي “نتنياهو” يحتاج إلى مراجعة مواقفه، علامة فارقة في مسار العلاقة بين البلدين، ويعتبر هذا التحول المفصلي والمهم من الداعم الأول إلى المنتقد علنًا لسياسات نتنياهو وتوجهاته، رسالة موجهة بشكل مزدوج للحكومة الإسرائيلية وأعضائها في ظل مواقفهم المتطرفة والمتشددة بأن الحليف الأمريكي لم يعد يدعم سياسة “نتنياهو” ولا يرضى عن أفكاره من جانب، ولخصوم “نتنياهو” السياسيين بأن هناك فرصة للإطاحة به بدعم دولي ضمني من جانب آخر، خاصةً مع استئناف اتصالات الإدارة الأمريكية مع كل من زعيم المعارضة “يائير لابيد” وزعيم حزب معسكر الدولة رئيس الأركان الأسبق “بيني جانتس”، إضافة إلى رئيس الوزراء الأسبق “نفتالي بينت”.

تزايد الضغوط الدولية:

يتزامن هذا الموقف مع إطار من المعطيات الجديدة من الضغوط التي تمارسها الإدارة الأمريكية لوقف الحرب، وإعادة توجيه السياسة الإسرائيلية نحو التهدئة والانخراط في مسارات سياسية شاملة وهو ما عبرت عنه تحركات المبعوث الأمريكي “ستيف ويتكوف” من جانب، والمبعوث المختص بملف الرهائن “آدم بوللر”، خاصةً أن الاستراتيجية الأمريكية الراهنة في الشرق الأوسط تقوم على “الاستثمار في الاستقرار” باعتباره مكسبًا للجميع، بل إن تحركات الولايات المتحدة نفسها أظهرت بوضوح أنها قادرة على إبرام صفقات دون سقف واضح ومحدد، بما يشمل شخصيات وتنظيمات تعتبرها إرهابية لكن هذا التصنيف لم يعد موجودًا بشكل واقعي، بل وتحول بعضها (مثل تركيبة الحكم الجديدة في سوريا) إلى حليفٍ محتملٍ برغم أنها لم ترفع اسم جبهة تحرير الشام من قوائم الارهاب رسميًا، كما أنها فاوضت بصورة أو بأخرى حركة طالبان من قبل وهو ما يتكرر الآن مع حركة حماس بصرف النظر عن كونها لا تزال رسميًا حركة إرهابية وفقًا للموقف الأمريكي الرسمي، وهو ما يعني أننا أمام مرحلة استراتيجية جديدة ستتبعها إدارة الرئيس ترامب وستعمل في إطارها.

وعلى صعيدٍ متصل، تُلوّح العديد من الدول الأوروبية وعلى رأسها كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا بالاعتراف بالدولة الفلسطينية كإحدى أدوات الضغط على إسرائيل لإيقاف الحرب في غزة وقد أعلنت بريطانيا أنها تدرس الاعتراف رسميًا بدولة فلسطينية وربط ذلك بإنهاء دور حركة حماس من غزة أولًا، وإقامة حكومة فلسطينية في غزة والضفة الغربية، كما رُبط ذلك بوضع خطة ملموسة لإصلاح السلطة الفلسطينية ودعمها، ووضع خطة لإعادة بناء غزة، إضافة إلى حل الدولتين. كما تعكف الإدارة الأمريكية على مراجعة الخيارات السياسية بشأن الاعتراف الأمريكي والدولي المحتمل بدولة فلسطينية بعد انتهاء الحرب بين إسرائيل وحماس، وكانت 139 دولة عضوًا في الأمم المتحدة من أصل 193 دولة قد اعترفت بفلسطين كدولة، ومن المعروف أنه يجب أن يحظى طلب أي دولة للانضمام إلى الأمم المتحدة موافقة 9 على الأقل من أعضاء مجلس الأمن الدولي البالغ عددهم 15، شريطة عدم استخدام أي دولة من الأعضاء الدائمين حق النقض “الفيتو”.

وكان الرئيس ” عبد الفتاح السيسي” قد دعا من قبل في 24 نوفمبر 2024 إلى إنشاء دولة فلسطينية منزوعة السلاح، ومن خلال ضمانات بقوات، سواء هذه القوات من الناتو أو قوات من الأمم المتحدة أو قوات عربية أو أمريكية، حتى يتحقق الأمن للدولتين، الدولة الفلسطينية الوليدة والدولة الإسرائيلية.

الدولة المأزومة:

إن هذا الموقف الحالي الذي تواجهه إسرائيل من موجة متزايدة من العزلة الدولية، يُقابلها موقف متشدد من رئيس الوزراء الإسرائيلي “نتنياهو”، حيث يرفض المبادرات الإنسانية أو السياسية، وهو ما يأتي بالتزامن مع انسداد سياسي داخلي، والعديد من المخاطر الاقتصادية والأمنية، بالشكل الذي يزيد من الضغط على الحكومة الإسرائيلية ويدفع الأوضاع السياسية نحو تبكير الانتخابات العامة المقررة عام 2026 برغم إقدام رئيس الوزراء الإسرائيلي “نتنياهو” على تعيين “يسرائيل كاتس” وزيرًا للدفاع، و”جدعون ساعر” وزيرًا للخارجية، ما يشير إلى مسعى “نتنياهو” لإعادة السيطرة على مقاليد الائتلاف الحاكم مرة أخرى بعد حالة عدم الاستقرار التي شهدتها الحكومة الإسرائيلية مؤخرًا نتيجة لوجود بعض التباينات في المستويين السياسي والعسكري، وقد استهدف رئيس الوزراء الإسرائيلي “نتنياهو” الإمساك مجددًا بمكونات الائتلاف الراهن وتحصينه من أي تغييرات مستجدة قد تكون مطروحة في المدى القصير خاصةً في حال دخول الإدارة الأمريكية على الخط، ومحاولة تغيير شكل الحكومة الحالية والإطاحة بشخص “نتنياهو” حتى قبل حلول موعد إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة.

انقسامات وتصدعات داخلية:

تعاني حكومة “نتنياهو” من تصدعات كبيرة وانقسامات حادة ليس فقط على مستوى الداخل الإسرائيلي بل وداخل الائتلاف الحاكم اليميني الديني المتشدد نفسه، مع تصاعد الأصوات المعارضة لاستمرار الحرب من داخل المجتمع الإسرائيلي فضلًا عن اشتداد هذ الاتجاه، وتوحد المعارضة الداخلية السياسية لهذه الحكومة.

إن الاحتجاجات المتزايدة في الشارع الإسرائيلي في الوقت الراهن تشير إلى حالة من عدم الاستقرار، لكن هذه المرة تتمحور حول فشل إدارة الحرب ووجوب تخلي “نتنياهو” عن الحكم، في ضوء التكلفة البشرية والسياسية الكبيرة التي تحملتها ولا تزال تتحملها إسرائيل، بالإضافة إلى الاتهامات القضائية له بالفساد واستغلاله لسلطته ونفوذه، ولهذا تشهد إسرائيل حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني غير المسبوق في تاريخها نتيجة لرفض شرائح مجتمعية وعسكرية وسياسية عديدة استمرار الحرب في قطاع غزة، وعدم وجود مقاربة سياسية حقيقية للتعامل مع المشهد الراهن، ودوران إسرائيل في حلقة مفرغة مرتبطة بالفعل بالتمسك بالتعامل مع المشهد السياسي برؤي أمنية بحتة، وهو ما يؤكد على أن حالة الاحتجاج الراهن مرتبطة بحالة عامة ومستمرة لحين التوصل لحل حقيقي وليس حلًا مؤقتًا أو جزئيًا في غزة وخارجها، وهو ما حذر من تبعاته الرئيس الإسرائيلي “اسحق هرتسوج”، ودعوته إلى حوار قومي، لكنه فشل قبل أن يبدأ.

وعلى صعيد آخر، يوجد تيار سياسي آخر يرى أن الحكومة الحالية هي حكومة مهمة وتقود إسرائيل برؤية مصلحية حقيقية دفاعًا عن أمن إسرائيل وحفاظًا على بقاء الدولة في محيطها الإقليمي، وإلا فإن إسرائيل ستشهد حالة عامة من عدم الاستقرار المفتوح على سيناريوهات عدة ليس من بينها التوصل لاتفاق سياسي مع جوارها الإقليمي، والانتقال إلى حالة أخرى في ظل النزعة العسكرية المتصاعدة والتي تعبر عنها عشرات من القوي السياسية التي صعدت من وتيرة المعارضة ونجحت في تحريك الشارع بقوة في قضايا مختلفة أبرزها قضية المحتجزين، والانقلاب القضائي ومحاولة فرض حكومة نتنياهو اليمينية على مفاصل الدولة.

وقد تعامل رئيس الوزراء “نتنياهو” مع هذا الأمر عبر خطاب تصعيدي في مواجهة من يخالفه، بدليل إعلانه اختيار الجنرال “ديفيد زيني” رئيسًا جديدًا لجهاز الأمن الداخلي (الشين بيت)، متحديًا قرار المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية “غالي بهاراف ميارا”، بمنعه من ذلك، وقد سبق أن اعتبرت أن قرار إقالة “رونين بار” مخالف للقانون، فيما أكد “نتنياهو” وقتها أنه سيمضي في تعيين رئيس جديد للجهاز وهو ما تم بتعيين الجنرال “زيني”، وقد دخلت المعارضة الإسرائيلية على الخط حيث حاولت توظيف ملف القضاء ومعركة نتنياهو مع القضاء ودعا زعيم المعارضة الإسرائيلية بأن يقوم “ديفيد زيني” برفض توليه هذا المنصب، الأمر الذي يشير إلى دخول إسرائيل أزمة سياسية بين السلطة القضائية والتنفيذية ممثلة في شخص “نتنياهو” الذي لا يزال راغبًا في الاستمرار في مواقفه العدائية تجاه القضاء.

وقد انقسمت الأحزاب والقوى السياسية تجاه هذ الخطوة الجديدة، بدليل ما كتبه رئيس حزب “يش عتيد” (يمين الوسط)، أن نتنياهو في وضع من تضارب خطير للمصالح مع دعوة الجنرال “زيني” إلى الإعلان أنه لا يستطيع القبول بهذا التعيين ما دامت المحكمة العليا لم تعلن موقفها من هذه القضية، هذا إلى جانب ظهور وتنامي حركات الرفض في الداخل الإسرائيلي لسياسات الحكومة ومن أبرز هذه الحركات: حركة عائلات عودة المختطفين والمفقودين، حركة النضال ضد الانقلاب القضائي، حركة الأعلام السوداء التي أطلقها 4 أشقاء من عائلة شفارتسمان، على رأسهم الدكتورة “شيكما بريسلر”، والتي تتهم وسائل إعلام إسرائيلية، أن تمويلها مصدره جمعية “المسئولية الوطنية” التابعة لرئيس الوزراء الأسبق “إيهود باراك”، ومنظمة إخوة السلاح، وحركة احتجاج التكنولوجيا الفائقة، وقوة كابلان، وحركة من أجل جودة الحكم، ومنظمة أحرار في بلدنا وهي تابعة للحزب الذي يترأسه “بيني جانتس”، وأخيرًا قادة من أجل أمن إسرائيل، وهي حركة إسرائيلية تضم مسئولين سابقين (شغلوا مناصب قيادية في الجيش الإسرائيلي، والموساد، والشين بيت، والشرطة الإسرائيلية) ومن بين أعضاء الحركة أيضًا رئيس أركان الجيش السابق “دان حالوتس”، ومديري الموساد السابقين “زفي زامير”، و”شبتاي شافيت”، و”داني ياتوم”، و”مائير داغان”، ورئيس جهاز الأمن الداخلي السابق “عامي أيالون”، وقائدي سلاح الجو السابقين “عاموس لابيدوت” و”أفيهو بن نون”، ومفوضي الشرطة السابقين “هرتزل شافير”، و”يعقوب تيرنر”، و”أساف حيفتس”.

في ظل هذا المناخ الراهن تشير نتائج العديد من استطلاعات الرأي الحديثة داخل المجتمع الإسرائيلي إلى تراجع شعبية “نتنياهو” والليكود بشكلٍ حاد وإلى أدنى مستوياتها منذ العام الجاري، مع دعوات لإجراء لانتخابات جديدة قد تؤدي إلى تشكيل تحالفات جديدة، أو أن تُسقط الحكومة الحالية، في مقابل قدرة المعارضة على أن تحظى بالأغلبية، وفي استطلاع آخر، أكدت الأغلبية (بنسبة 55%) أن هدف “نتنياهو” الرئيسي من استمرار الحرب في غزة هو البقاء في السلطة، وليس استعادة الرهائن، بل إن الأغلبية ترى أن الفشل في التوصل لصفقة رهائن يرجع لأسباب سياسية (بنسبة 53%)[1].

سيناريوهات صفرية:

يتجه المشهد في إسرائيل إلى سيناريوهين رئيسيين، الأول: إجراء انتخابات مبكرة تُسقط الحكومة الحالية لصالح المعارضة التي ستستطيع تأمين الفوز والتغلب على “نتنياهو” وتحالفاته الهشة، الثاني: استقالة “نتنياهو” تحت وطأة الضغوط المتزايدة من الشارع الإسرائيلي والمؤسسة العسكرية وإن كان هذا مستبعدًا على الاقل في الوقت الراهن وإذا ما انهارت حكومة “نتنياهو” في الفترة المقبلة، فإنه سيكون أمام خيارين، الأول: البقاء في إسرائيل ومواجهة محاكمات قد تؤدي إلى الاعتقال والسجن لبعض السياسيين وعلى رأسهم “نتنياهو” نفسه. الثاني: البحث عن مخرج “لائق” في صورة إقامة اختيارية في دولة حليفة، لكن هذه المرة في سياق ديمقراطي وقضائي حاد، قد لا يبعد عن “نتنياهو” شبح الإدانة من محكمة العدل الدولية.

وختامًا، فإن القوى الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، باتت ترى في شخص “نتنياهو” عقبة أمام التهدئة والاستقرار الإقليمي، بل وأمام العلاقة بين الطرفين، وإحراجًا لها أمام مجتمعاتها الداخلية، وربما تشهد الفترة المقبلة (المدى القصير) استعداد وتخطيط الأطراف المعنية، للتعامل مع مرحلة انتقالية سياسية في إسرائيل، قد توفر فرصة مهمة عربيًا وإقليميًا لإعادة ترتيب التوازنات في المنطقة، خاصةً فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ومقاربة حل الدولتين خاصةً مع إقدام كل من فرنسا والسعودية والأطراف العربية الرئيسة وعلى رأسها مصر لعقد مؤتمر في الامم المتحدة في يونيو المقبل للمطالبة بتنفيذ خيار حل الدولتين وارتكانًا لنص القرار التاريخي رقم 181 الصادر عام 1947 والقاضي بإعلان دولتين على الأرض، دولة يهودية (دولة الكيان) ودولة عربية (فلسطينية).


[1] “استطلاع: هذا رأي الإسرائيليين في هدف نتنياهو من حرب غزة”، سكاي نيوز. 24 مايو 2025. متاح على https://shorturl.at/EibzF

libyaconf
رؤى بحثية: التنافس السياسي بين الجماعات المسلحة في ليبيا
456625
رؤى بحثية: محددات وسيناريوهات التصعيد الإسرائيلي – الإيراني
PKK
رؤى بحثية: فرص وتحديات حل حزب العمال الكردستاني
1
منظور جديد: المقاربة الثقافية في التفاعلات الأمريكية الخليجية
Scroll to Top