إعداد:
أ/ إسلام عبد الغني، باحث ببرنامج الدراسات العربية.
أ/ نجاة خالد، باحثة ببرنامج الدراسات الأوروبية والأمريكية.
كثفت مراكز الأبحاث الأجنبية تناولها لمسألة التصعيد الإسرائيلي الإيراني وذلك في أعقاب اندلاع الهجمات المتبادلة بين الطرفين، التي أدت إلى العديد من التطورات الجيوسياسية في المنطقة، وهو الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات حول مسارات هذا التصعيد وتداعياته على خريطة الشرق الأوسط، وفي هذا الإطار؛ تناولت بعض المراكز والمواقع البحثية مسألة التصعيد الإسرائيلي الإيراني (مثل: just security [1]، وEurasia review [2]، وforeign policy [3]، وIISS [4]، وCSIS [5]).
محددات حاكمة:
يوجد عدد من المحددات العسكرية والسياسية والجيواستراتيجية الحاكمة لاستمرار التصعيد بين إسرائيل وإيران، ويمكن تلخيص أبرزها فيما يلي:
- توازن الردع والقدرات العسكرية المتبادلة: يشكل توازن الردع العسكري أحد أهم المحددات التي تضبط إيقاع التصعيد بين إسرائيل وإيران، فإسرائيل تمتلك تفوقًا جويًا واستخباراتيًا واضحًا، إلى جانب قدرات دقيقة في تنفيذ العمليات داخل العمق الإيراني. في المقابل، تمتلك إيران قدرات صاروخية ومسيرات هجومية، وإن كانت تفتقر للطائرات الهجومية المتقدمة، ومع ذلك، تراجعت قوة أذرع إيران الخارجية، مما يحد من قدرتها على توجيه ضربات حاسمة تؤثر في القرار الإسرائيلي أو الأميركي، وبالتالي، فإن محدودية الردع الإيراني قد تدفع إسرائيل لمواصلة التصعيد بشيء من الحرية التكتيكية.
- الموقف الأمريكي وتحديد خطوط الاشتباك: تلعب الولايات المتحدة دورًا مركزيًا في تقويض التحركات التصعيدية، فعلى الرغم من نفيها المشاركة في الهجوم الإسرائيلي، فإن واشنطن أوضحت أنها ستتدخل عسكريًا إذا ما تم استهداف مصالحها أو قواتها في المنطقة، ويشكل هذا الموقف عامل تقييد لكل من إيران وإسرائيل، إذ تحاول إيران تجنب مواجهة شاملة مع الولايات المتحدة، فيما تدرك إسرائيل أن التصعيد المفرط قد يحرج حليفتها ويخلط الحسابات الدولية، من جهة أخرى، قد تسعى إسرائيل لاستغلال أي تصعيد إيراني ضدها لدفع واشنطن إلى تدخل مباشر يدعم موقفها الاستراتيجي في التعامل مع أي مسارات قد تتخذها الأزمة.
- الحساسيات الإقليمية: يُعد الموقف الإقليمي عاملًا مهمًا في استمرار التصعيد، إذ أن توسع التصعيد ونقله إلى جبهات أخرى، أو تهديد الملاحة في مضيق هرمز، قد يؤدي إلى ردود إقليمية ودولية غير محسوبة. كما أن بعض الدول الإقليمية تسعى إلى ضبط النفس وتفادي التورط في مواجهة مفتوحة، مع الحفاظ على قنوات الاتصال مع الجانبين، لذلك، فإن إيران تجد نفسها أمام معضلة الرد على إسرائيل دون خسارة الدعم أو الحياد النسبي من شركاء إقليميين مؤثرين.
- الحسابات السياسية الداخلية في كل من طهران وتل أبيب: تلعب السياسة الداخلية دورًا محوريًا في تغذية أو تقويض التصعيد، ففي إيران، يواجه النظام ضغوطًا اقتصادية وشعبية متزايدة، وقد يرى في المواجهة وسيلة لتوحيد الداخل وتعزيز شرعيته، أما في إسرائيل، فإن حكومة رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو”، تواجه انتقادات حادة بسبب حرب غزة وتدهور صورتها الدولية، وقد تسعى إلى توسيع دائرة الصراع الإقليمي لتقويض المبادرات الداعية إلى وقف إطلاق النار أو إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وعليه، فإن استمرار التصعيد قد يخدم أجندات سياسية داخلية لدى الطرفين، ولو على حساب الاستقرار الإقليمي، وهو ما تخشاه إسرائيل خاصةً أن إيران قد سبق لها الدخول في مواجهات لسنوات ممتدة في المنطقة.
حدود الدور الأمريكي:
فور الإعلان عن التصعيد الإسرائيلي الإيراني بدأت الإدارة الأمريكية في التحرك للتعامل مع الأحداث، حيث حذر الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” إيران من تسويف مسألة إبرام اتفاق نووي مع الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن طهران قد تواجه حالة من الانهيار الكامل في حالة عدم التزامها بالتفاوض مع الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق نووي، فيما نفى وزير الخارجية الأمريكي “ماركو روبيو” تورط الولايات المتحدة في الهجوم الذي شنته إسرائيل على إيران، إلا أن دول الإقليم، لم تعد مقتنعة بهذه السردية، لا سيما في ظل التحركات الأمريكية الأخيرة، والتي اشتملت على إعادة تموضع للقوات الأمريكية، وإجلاء الطواقم الدبلوماسية، وتوقف المفاوضات النووية مع طهران.
فجوات أمنية:
طرح التصعيد الإسرائيلي الإيراني عددًا من القضايا والفجوات الأمنية، وذلك على النحو التالي:
- فشل استخباراتي في إيران: كشفت الضربات الإسرائيلية الأخيرة على المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية عن فشل استخباراتي في طهران، أو ربما بشكل أدق، عن ثقة مفرطة في قدرتها على الردع والتقدير الاستراتيجي، فعلى الرغم من التحذيرات المتكررة من جانب المسئولين الإسرائيليين خلال الأشهر الماضية حول استعدادهم للتحرك، وحتى في ظل الجهود الدبلوماسية التي كانت تبذلها إدارة الرئيس “ترامب”، فإن إيران فشلت أو أساءت تقدير احتمالية حدوث هجوم واسع النطاق، وقد يرجع ذلك إلى عدد من الأسباب منها: تعظيم القدرات الذاتية الخاصة بالردع الاستراتيجي، والثقة المبالغ بها في تحصينات المنشآت النووية، مثل “فوردو”، وكذلك الافتراضات الخاطئة حول الحسابات السياسية الإسرائيلية، فربما اعتقدت إيران أن منشآت مثل “فوردو” محصنة بشكل يجعل استهدافها غير مجدٍ، أو أن الاعتبارات السياسية والقيود الأمريكية على إسرائيل، قد تردع الأخيرة عن توجيه أي هجوم ضد إيران.
- وضعية الاستخبارات الأمريكية: من غير المستبعد أن تظل الضربة الإسرائيلية وما تبعها من تصعيد محصورة في نطاق محلي، بل ستُعيد تشكيل التحالفات الإقليمية، وتكشف عن مواطن ضعف في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، فقد حذرت الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية من سيناريوهات التصعيد المرتبطة بإيران ووكلائها في المنطقة، وذلك اعتمادًا على علاقات تعاون وثيقة مع أجهزة المعلومات الإسرائيلية ليس فقط على مستوى القادة، بل أيضًا بين الفرق التشغيلية والتحليلية، ومع ذلك، لا يزال هناك غموض حول ما إذا كانت القيادة الحالية ستُفعّل هذه المنظومة بالكامل، حيث انتشرت التقارير التي تُفيد بتزايد درجات التسييس داخل الأجهزة الاستخباراتية، كما أن العلاقة بين الرئيس ترامب وجهاز الاستخبارات ظلت دائمًا مشروطة؛ فهو يتبنى التقييمات الاستخباراتية عندما تتماشى مع توجهاته، ويرفضها عندما تتعارض معها، والسؤال المطروح هو “هل ستسمح الإدارة الحالية لجهاز الاستخبارات بلعب دوره الكامل في توجيه وضبط الاستجابة الأمريكية؟ أم أنها ستكرر نمط تجاهل الإحاطات الأمنية والارتجال بناءً على ما يُثار إعلاميًا؟”.
- تطورات البرنامج النووي الإيراني: من المتوقع أن يسفر التصعيد الإسرائيلي الإيراني عن تأثير ملموس على برنامج إيران النووي، حيث يُرجّح أن تؤدي إلى إبطائه بشكل مؤقت، لكن بعض عناصر البرنامج ستبقى سليمة بدرجات متفاوتة، مما يعني أن طهران لا تزال تحتفظ بقدرات تمكنها من استئناف النشاط النووي لاحقًا، وبالنظر إلى طبيعة الضربات وحجم الخسائر، فمن المرجح أن تسعى إيران إلى الرد، مما ينذر بإمكانية تصعيد أوسع قد يفرض على الولايات المتحدة التدخل، رغم رغبة إدارة الرئيس “ترامب” في تجنب الانخراط العسكري المباشر ضد إيران.
سيناريوهات محتملة:
- سيناريو انتهاء التصعيد: وذلك من خلال قبول الجانبين لعدم استمرار الصراع خوفًا من إمكانية توسعه، وأن ترد إيران بشكل رمزي من خلال هجمات محدودة للحفاظ على مصداقيتها، مع إمكانية أن تتدخل بعض الدول للعب دور الوساطة لتسهيل خفض التصعيد وذلك من خلال أن تدّعي أيران لشعبها أنها ردّت على إسرائيل بضرباتٍ قوية، لكنها سرعان ما تقبل الجهود الأمريكية والدولية لوقف إطلاق النار.
- سيناريو التصعيد الشامل: سيشهد هذا السيناريو سلسلة من الهجمات وردود الأفعال التي تؤدي إلى صراع إقليمي كبير بأن تقوم إيران بإتباع مقاربة الحرب بالوكالة من خلال أذرعها في العراق ولبنان واليمن وأماكن أخرى وشن هجمات متزامنة ضد إسرائيل، لتتوسع الحرب لا سيما مع إمكانية استهداف إيران للقواعد الأمريكية في المنطقة بسبب التعاون الأمني بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والدعم الأمريكي لها، وبالتالي ستزيد احتمالية مشاركة الولايات المتحدة في التصعيد خاصة إذا خلصت إلى أن إسرائيل أنجزت نصف مهمة القضاء على المخاطر الايرانية بالفعل، وأنه يمكن للولايات المتحدة القضاء الكامل على كافة المخاطر والتهديدات الايرانية وتدمير منشأة “فوردو” النووية.
- استمرار وتيرة التصعيد الحالية: وذلك من خلال استمرار الصراع لفترة طويلة دون توسع أو تدخل من الأطراف الدولية خصوصًا مع تأكيد الرئيس الأمريكي “ترامب” على التزام الولايات المتحدة بالحل الدبلوماسي، واستمرار النمط الراهن للتصعيد، بأن توجه إسرائيل ضربات جوية على إيران من حين لآخر، إلى جانب استمرار عمليات الاغتيالات وعمليات التخريب في إيران نفسها، وكذلك الحال على الجانب الأخر، حيث ستُطلق إيران عددًا من الهجمات على إسرائيل ولكن بشكل أقل حدة.
وختامًا، نُشير إلى أنه من المستبعد حاليًا انتهاء التصعيد بين إسرائيل وإيران، لا سيما أن المعطيات الراهنة تُرجح استمرار وتيرة التصعيد من خلال توجيه الضربات المتبادلة، ومع ذلك، قد يصل التصعيد إلى مرحلة خطرة حال اشتداد حدته، وتوسع نطاقه، وانخراط قوى إقليمية أو دولية.
[1] Brian O’Neill, “The Israeli Strike on Iran the U.S. Saw Coming, but Couldn’t Stop”, Just Security. 13 June 2025. Available at https://www.justsecurity.org/114548/israeli-strike-iran-us-intelligence/
[2] Mohamed Chtatou, “The Israeli Attack On Iran: Geopolitical Analysis And Regional Consequences”, Eurasia Review. 15 June 2025. Available at https://www.eurasiareview.com/15062025-the-israeli-attack-on-iran-geopolitical-analysis-and-regional-consequences/
[3] Iselin Brady, “How the Israel-Iran War Might End”, Foreign Policy. 13 June 2025. Available at https://foreignpolicy.com/2025/06/13/israel-iran-war-netanyahu-us-scenarios/
[4] Emile Hokayem, “Iran’s long arm is not so muscular anymore”, International Institute for Strategic Studies. 14 June 2025. Available at https://www.iiss.org/online-analysis/commentary/2025/irans-long-arm-is-not-so-muscular-anymore/#mce_temp_url#
[5] Daniel byman, “What to Know About the Israeli Strike on Iran”, Center for Strategic and International Studies. 13 June 2025. Available at https://www.csis.org/analysis/what-know-about-israeli-strike-iran