Search

رؤى بحثية: التنافس السياسي بين الجماعات المسلحة في ليبيا

03/08/2025

سلط تحليل بياني أعده مشروع “بيانات مواقع وأحداث الصراعات المسلحة (ACLED)”[1] الضوء على التوتر الأمني المستمر في طرابلس منذ مطلع مايو الماضي، بين المجموعات المسلحة التي تتبع كل من حكومة الوحدة الوطنية برئاسة “عبد الحميد الدبيبة” والمجلس الرئاسي، حيث يشير استمرار التوتر إلى أن التنافس السياسي بين تلك المجموعات يتجاوز العاصمة الليبية، فضلًا عن أن استمرار الجمود والخلافات بين الأطراف الرئيسية يزيد من مخاطر العودة إلى مربع الحرب.

خريطة النفوذ في طرابلس:

يقدم التحليل عرضًا لخريطة النفوذ الأمني لتسع مجموعات مسلحة تسيطر على مختلف مناطق العاصمة طرابلس، وذلك على النحو التالي:

  • جهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب التابع اسميًا للمجلس الرئاسي بقيادة “عبد الرؤوف كارة” الذي يُسيطر على مناطق الشرق والجنوب الشرقي للعاصمة.
  • جهاز دعم الاستقرار التابع للمجلس الرئاسي بقيادة “عبد الغني الككلي” الذي قتل في 12 مايو الماضي، وكان يُسيطر على منطقة أبو سليم جنوب غرب طرابلس، والذي يحاول العودة بعد تكليف المجلس الرئاسي لقيادة جديدة رغم معارضة رئيس حكومة الوحدة الوطنية لهذه الخطوة.
  • اللواء 444 قتال التابع لوزارة الدفاع بقيادة “محمود حمزة” ويسيطر على مناطق من وسط طرابلس وجنوب العاصمة حيث معسكر التكبالي وطريق مطار طرابلس الدولي.
  • اللواء 111 مجحفل التابع لوزارة الدفاع بقيادة “عبد السلام الزوبي” الذي يُسيطر على منطقة الكريمية التي تضم أكبر سوق تجاري للجملة في ليبيا ويقع جنوب غرب طرابلس.
  • جهاز الأمن العام التابع لوزارة الداخلية بقيادة “عبد الله الطرابلسي” الشهير بـ “الفراولة” وهو شقيق وزير الداخلية “عماد الطرابلسي”، والجهاز هو تشكيل مسلح من الزنتان يُسيطر على مناطق الهضبة وحي الأندلس غرب طرابلس التي ينتمي أغلب سكانها إلى الزنتان.
  • كتيبة فرسان جنزور التابعة لوزارة الداخلية بقيادة “محمد الباروني” وتُسيطر على الضاحية الغربية لطرابلس والتي يقطنها الأمازيغ.
  • كتيبة رحبة الدروع التابعة لوزارة الدفاع بقيادة “بشير خلف الله” الشهير بـ “البقر”، وتُسيطر على منطقة تاجوراء الضاحية الشرقية لطرابلس.
  • قوة العمليات المشتركة مصراتة التابعة لوزارة الدفاع تسيطر على جزء كبير من مصراتة ولديها إمكانية الوصول إلى مناطق شرق طرابلس.
  • قوة الإسناد الأولى التابعة لوزارة الداخلية بقيادة “محمد بحرون” وهي تشكيل مسلح من مدينة الزاوية ولديها إمكانية الوصول إلى مناطق غرب طرابلس.

أنماط الصراع وأسبابه:

تم تسجيل نحو 64 اشتباكًا خلال الفترة من مارس 2021 إلى يونيو 2025، معظمها اشتباكات مسلحة بين المجموعات الرئيسية في طرابلس، نتيجة 28 معركة منفصلة ومحدودة بين عناصر تلك المجموعات وامتدت مجتمعة لمدة 26 يومًا، وغالبًا ما يكون هذا الاقتتال الداخلي محليًا، وقصير الأمد، وسهل التهدئة، كما أنه يرتبط عمومًا بمحاولات إظهار الهيمنة ضمن المساحة الضبابية بين سلطة الدولة الرسمية واستقلال الميليشيات التي تعمل فيها هذه الجماعات، وفي بعض الأحيان، بمحاولات إعادة التفاوض على النظام السياسي القائم في سياق المنافسة المتزايدة بين النخبة.

يرجع هذا التوتر الأمني إلى مجموعة من الأسباب، يتمثل أبرزها في الآتي:

  • تبادل الاعتقالات بين أفراد وقيادات المجموعات المسلحة في طرابلس، والتي كان أبرزها اعتقال جهاز الردع لقائد اللواء 444 قتال “محمود حمزة” في أغسطس 2023، والذي تسبب في اشتباكات عنيفة بين المجموعتين انتهت بإطلاق سراح “حمزة” بعد وساطة من قائد جهاز دعم الاستقرار السابق “عبد الغني الككلي”.
  • توغل بعض المجموعات المسلحة في مناطق سيطرة المجموعات المنافسة أو المحايدة بهدف توسيع النفوذ والتي غالبًا ما تعد على أنها استفزازات وخلافات حول الصلاحيات الأمنية.
  • الهجمات الاستراتيجية المرتبطة بتحولات في السلطة مثل الهجوم الناجح الذي نفذه اللواء 444 قتال ضد جهاز دعم الاستقرار الذي انتهى بمقتل رئيسه “عبد الغني الككلي” في 12 مايو الماضي، أو الهجوم الفاشل على جهاز الردع بعدها بيومين.

بالإضافة إلى ذلك، تُشير البيانات إلى محدودية الاشتباكات العنيفة بين المجموعات المسلحة في طرابلس حيث أن 80% منها يستمر ليوم واحد فقط، وذلك للأسباب التالية:

  • نفور واسع النطاق بين الجماعات المسلحة من العنف المطول والواسع النطاق.
  • المخاوف الاستراتيجية وأخرى تتعلق بالسمعة لدى قادة تلك المجموعات، وهي مرتبطة بحقيقة أنهم مدججون بالسلاح، ومدمجون في هياكل الدولة، ولديهم حوافز قوية للظهور كضامنين للنظام بدلًا من النظر إليهم كأمراء الحرب.
  • مخاطر الصراع الشامل الذي قد يفتح الباب أمام جهات خارجية، وأبرزها الجيش الوطني الليبي، التي تسعى إلى الاستفادة من هذا الوضع.

وتثير الهجمات الاستراتيجية المرتبطة بتحولات السلطة في طرابلس المخاوف من استدعاء مجموعات أخرى من خارج العاصمة، ففي مايو الماضي عقب الاشتباكات العنيفة التي شهدتها طرابلس، استدعى جهاز الردع واللواء 444 قتال حلفاء من مدينتي الزاوية والزنتان ووقفت قوات من مصراتة وتاجوراء في حالة تأهب لتنضم لاحقًا إلى قوة فض النزاع بين القوى المتقاتلة في طرابلس.

ديناميكيات الجماعات المسلحة ومستقبلها:

لا يُشير مسار وديناميكيات الجماعات المسلحة في طرابلس إلى حدوث انقسامات، بل إلى ما يلي:

  • ظهور نظام مسلح أكثر تركيزًا، وإن كان شديد التنافس، يتشكل من تحالفات متقلبة وتنافس بين النخب، كوسيلة تكتيكية لإعادة التفاوض على السلطة والوصول إلى الحكم، وليس إعادة تقييم للنظام الأمني بين المجموعات المسلحة في طرابلس.
  • الإدراك المتبادل بين المجموعات المسلحة في طرابلس لنقاط الضعف ومخاطر انعدام الحكم والضغوط الخارجية، وهي ديناميكية تعكس كيف أن التغيير السياسي في العاصمة لا يتشكل بالاتفاقيات الرسمية بقدر ما يتشكل بالتحالفات والتنافسات بين الجهات المسلحة المضمنة في هياكل الدولة.
  • تعتمد قدرة حكومة الوحدة الوطنية برئاسة “عبد الحميد الدبيبة”، في إبراز قوتها على قدرتها على التعامل مع شبكة متقلبة من تحالفات الجماعات المسلحة أكثر من اعتمادها على الإصلاح المؤسسي.
  • تم استيعاب الجماعات المسلحة بفاعلية في النظام الأمني بطرابلس من خلال التمويل الحكومي وتقاسم السلطة، وهي استراتيجية ساعدت في تهدئة المواجهات الكبرى، لكنها لا تزال ترتيبات منقوصة لأن تفاقم الأزمة المالية للحكومة قد يؤدي إلى تفكك تحالفاتها بسرعة، مما يُضعف قدرة الحكومة على إدارة المنافسة بين تلك المجموعات.
  • من المحتمل أن يتدخل الجيش الوطني الليبي في طرابلس في حال تجدد الاشتباكات بين المجموعات المسلحة، سواء بشكل مباشر أو من خلال الجماعات المتحالفة معه في غرب ليبيا.
  • ستهتم تركيا بلعب دور في إعادة تشكيل أي هيكلة مستقبلية للبنية الأمنية في طرابلس، سواء من خلال الردع أو الوساطة أو الدعم الانتقائي لبعض الأطراف.

وبشكل عام، نُشير إلى محورية العامل الخارجي في المنافسة المستمرة بين المجموعات المسلحة في طرابلس ومناطق غرب ليبيا، وتحولاتها وتحالفاتها السياسية والاقتصادية، حيث أن هذه الارتباطات الخارجية قد أسهمت في تعزيز نفوذ المجموعات الأمني في طرابلس بالدرجة الأولى، وسهلت لتلك المجموعات الوصول إلى التمويل اللازم لأنشطتها من خلال الضغط على المؤسسات الحكومية والسياسية، بفضل تمكينها من تعزيز ترسانتها العسكرية وضمان الإمدادات الخاصة بالتسلح بعيدًا عن القنوات الرسمية.

وقد بدأ تراجع دور القوات النظامية في طرابلس سواء التابعة لوزارة الدفاع أو وزارة الداخلية بفعل الارتباطات السياسية والاجتماعية والخارجية للمجموعات المسلحة التي تنافس المؤسسات الحكومية، بالرغم من أن الترتيبات الأمنية الأخيرة أسندت إدارتها لمديرية أمن طرابلس، ويبدو أن المخاوف من تعزيز نفوذ قوات الشرطة قد أثار المخاوف من إعادة إحياء الجهاز الأمني الرسمي، الأمر الذي أدى إلى ضغوط على المجلس الرئاسي لإعادة النظر في قيادة وتشكيل القوة المكلفة بتنفيذ الترتيبات الأمنية بحيث يجري تهجينها بالمجموعات المسلحة لضمان النفوذ الأمني لبعض المجموعات المسلحة.

وختامًا، فإنه في ظل استمرار هيمنة المجموعات المسلحة على الوضع الأمني في طرابلس، سيكون من الصعب ضبط الوضع الأمني في العاصمة الليبية وإعادة تفعيل وتنشيط المؤسسات الأمنية الرسمية خاصةً الجيش والشرطة دون دعم دولي كبير، وتحويله بعيدًا عن المجموعات المسلحة التي أصبحت أدوات ابتزاز ضد الحكومة المركزية في طرابلس منذ 2011.


[1] “Political competition and infighting among Tripoli’s armed groups reach beyond Libya’s capital”, Armed Conflict Location & Event Data (ACLED). 10 July 2025. Available at https://acleddata.com/2025/07/10/political-competition-and-infighting-among-tripolis-armed-groups-reach-beyond-libyas-capital/

456625
رؤى بحثية: محددات وسيناريوهات التصعيد الإسرائيلي – الإيراني
PKK
رؤى بحثية: فرص وتحديات حل حزب العمال الكردستاني
252525
نهاية محتملة: تحولات سياسية هيكلية ما قبل سقوط "نتنياهو"
1
منظور جديد: المقاربة الثقافية في التفاعلات الأمريكية الخليجية
Scroll to Top