Search

التحركات الإسرائيلية – الأمريكية في الشرق الأوسط ومحاولات إعادة تشكيل البيئة السياسية والأمنية الإقليمية

28/08/2025

تسعى إسرائيل في المرحلة الراهنة إلى إعادة صياغة بيئتها الإقليمية بما يحقق أقصى قدر من المكاسب الاستراتيجية والأمنية، مستفيدة من حالة السيولة السياسية في المنطقة وتعدد بؤر التوتر. وتعتمد في ذلك على توسيع شبكة تحالفاتها الإقليمية، وخاصة مع بعض الدول العربية، لتعزيز التنسيق الأمني والاستخباراتي، وفتح مجالات تعاون اقتصادي وتكنولوجي يرسخ حضورها كقوة إقليمية فاعلة. كما تحاول دفع ملف التطبيع إلى مستويات أعمق، مستثمرةً المخاوف المشتركة من التهديدات الإيرانية وحلفائها في المنطقة.

في المقابل، توظف إسرائيل التحركات العسكرية والأمنية المتزامنة مع هذه المساعي الدبلوماسية كأداة للضغط السياسي وإعادة رسم قواعد الاشتباك مع خصومها، خصوصًا في جبهات لبنان وسوريا وغزة. كما تسعى إلى التأثير على مسارات القضايا الإقليمية الكبرى، مثل الصراع في البحر الأحمر والتطورات في العراق واليمن، بما يضمن تقليص نفوذ إيران ومحورها. وتهدف هذه الاستراتيجية المزدوجة – التي تجمع بين التحالفات الإقليمية والتحركات الميدانية – إلى فرض واقع جديد يعزز الردع الإسرائيلي ويكرس دورها كطرف لا يمكن تجاوزه في معادلات الأمن الإقليمي.

في الوقت ذاته تتصاعد بوتيرة عالية النزعة العسكرية التوسعية في إسرائيل وتركز على ضرورة تنحية الخيارات السياسية والدبلوماسية في الإقليم، وتبني مقاربة عسكرية كبيرة لحسم كل الخيارات والمخاطر التي تواجه الدولة العبرية في محيطها الإقليمي، وعدم التركيز على خيارات سياسية من أي نوع فما يشغل إسرائيل في الوقت الراهن بعد أن اختارت استمرار الحرب على قطاع غزة مجددا التعامل العاجل بمنطق القوة العسكرية وكذلك مع الجبهات الأخرى المناوئة.

يتفق المستويان السياسي والعسكري معًا في هذا التوقيت على الاستمرار في العمل العسكري إلى آخره وعدم التراجع عن العمل العسكري ما يفسر تصاعد النزعة العسكرية التوسعية لدى وزراء الحكومة وعناصرها، وفي إطار من المزايدات الكبرى على التصعيد والعمل في عمق الجبهات المناوئة والذي سيتغير دوريًا ومع كل مرحلة يمكن للجيش الإسرائيلي التعامل معها والبناء على معطياتها السياسية والاستراتيجية بدليل: إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو عن خطة إسرائيلية جديدة تستهدف تقطيع أوصال قطاع غزة، معلنًا البقاء في محور موراج، وزيادة توجه إسرائيل للانخراط العسكري في الجنوب السوري عبر الاحتلال المباشر وتوسعة نقاط السيطرة الميدانية أو عبر التوغلات المباغتة لنزع السلاح في الجنوب السوري، فيما يتزامن ذلك مع استمرار احتلال إسرائيل خمس نقاط رئيسية في جنوب لبنان، واستمرار انتهاكاتها بالاستهداف المباشر لقيادات حزب الله في لبنان أو عبر تدمير بنيته العسكرية التحتية.

وفي هذا السياق؛ جاءت هذه الدراسة لتحليل طبيعة التحركات العسكرية والسياسية الإسرائيلية في المنطقة منذ 7 أكتوبر 2023، ومناقشة أبرز المشروعات السياسية والأمنية التي تطرحها إسرائيل والولايات المتحدة لقيادة الترتيبات الأمنية والسياسية في الشرق الأوسط، وكذا أبعاد المواقف الدولية والإقليمية الأخرى من تلك التحركات والتطلعات التوسعية الإسرائيلية، وسعت للإجابة على سؤال رئيسي وهو: في ظل التحركات الإسرائيلية الراهنة وقدرات إسرائيل هل تمتلك إسرائيل القدرة الفعلىة على تغيير الشرق الأوسط وقيادة الترتيبات الأمنية والسياسية في المنطقة وتطبيق مشروعها التوسعي؟ وللإجابة على ذلك، ستعتمد الدراسة على تحليل الأبعاد السياسية والعسكرية والأمنية للتحركات الإسرائيلية.

في هذا السياق، أوضحت نتائج الدراسة أن هدف تجفيف منابع التهديدات سيظل هدفا إسرائيليًا كبيرًا وواضحًا ومهمًا وينبغي التعامل معه وفق رؤية إسرائيلية، وحسب ما يجري من تحركات راهنة على طول الجبهات التي تصنفها إسرائيل بالعدائية، وباستخدام كل الوسائل والطرق المتاحة والتي يعمل عليها الجيش الإسرائيلي، ويصارع عنصر الوقت للوصول إليها إلا أن الإشكالية الكبرى التي تواجه إسرائيل مرتبطة بالفعل بأن هذه الترتيبات الأمنية ستأخذ وقتًا طويلًا ممتدًا ربما سنوات قبل الوصول إلي هذا الأمر، وهو ما يؤكد على أن إسرائيل لن تنجح – كما يتوهم المستويان العسكري والسياسي- في القدرة على تحقيق المكاسب الاستراتيجية أو العسكرية بسهولة والانتقال إلي الوضع الآمن بالكامل في ظل ما يجري، فالمقاومة الفلسطينية لن تنتهي في قطاع غزة أو الضفة، كما أن الفصائل في العراق وسوريا واليمن أبعد من أن تلاحقها القوات الإسرائيلية على عكس ما يجري في الداخل الفلسطيني أو الجنوب اللبناني، وبرغم العمليات الأمريكية على معاقل أنصار الله في اليمن، فيما تفقد إسرائيل بالتوازي الدعم السياسي والأخلاقي من قبل العديد من الأطراف الدولية والإقليمية وهو الأمر الذي قد يزيد من عزلة إسرائيل وحكومتها دوليًا لتصبح دولة منبوذة، وهو ما سيؤثر سلبًا على أي مشاريع تخص قيادة إسرائيل للترتيبات الأمنية في المنطقة.

العدد5
العدد 4
حركات الإسلام السياسي في المنطقة المغاربية (تونس، الجزائر، المغرب، ليبيا، موريتانيا)
العدد
قرب برميل البارود: الموقف الخليجي بعد أن سكتت المدافع بين إسرائيل وإيران
العدد 102
العدد (102)
العدد 2
مرحلة جديدة: إدارة "ترامب" ودول الخليج
Scroll to Top