Search

منظور تركي للانتخابات الرئاسية الأمريكية

21/08/2024

تتباين مواقف الدول تجاه المرشحين للانتخابات الرئاسية الأمريكية، في ظل الإدراك بتداعيات نتائج الانتخابات على علاقات الولايات المتحدة بدول العالم، فنتائجها سوف تؤثر على تشكيل السياسة العالمية طبقًا لرؤية أي من المرشحين وموقفه من القضايا الدولية، وهو ما سيسري على باقي القضايا الإقليمية، مثل القضية الفلسطينية أو التواجد الأمريكي في سوريا، ودعم وحدات حماية الشعب، وهي قضايا تحتل مرتبة متقدمة في أولويات السياسة التركية، التي أظهرت موقفًا متوازنًا إزاء المرشحين منذ البداية.

نمط العلاقات:

غلب التوتر على العلاقات التركية الأمريكية مع الإدارتين الجمهورية والديمقراطية على حدٍ سواء، فخلال حكم الرئيس “جو بايدن”، ظهرت ملامح التوتر من خلال عدم استضافة الرئيس أردوغان في البيت الأبيض بالرغم من استضافته مرتين من قبل الرئيس ترامب، وكذا تعيين “بريت ماكغورك” منسقًا لشئون الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس الأمن القومي الأمريكي، الأمر الذي انتقدته تركيا بسبب ما اعتبرته مشاركة ماكغورك في خطة تقسيم سوريا لصالح حزب العمال الكردستاني، وهو ما لا يتماشى مع المصالح التركية.

أما في فترة ترامب الأولى، تم فرض عقوبات على تركيا في خمس مناسبات لعل أهمها العقوبات التي فرضت في أزمة القس “أندرو كريج برونسون”[1]، والعقوبات ذات الصلة بمنظومة S-400 واستبعاد تركيا من صفقة طائرات F-35، إلا أن ترامب قد حمل ما آلت إليه العلاقات التركية الأمريكية لإدارة الرئيس “باراك أوباما” بسبب رفضه لبيع صواريخ باتريوت لأنقرة، فيما هدد ترامب مؤخرًا بتدمير الاقتصاد التركي، وهو الأمر الذي يثير مخاوف تركية من احتمالية فوزه في الانتخابات الرئاسية.

العلاقات مع روسيا:

توجد عدد من القضايا والموضوعات المهمة التي تمس العلاقات التركية الأمريكية، من أبرزها العلاقات التركية مع روسيا، حيث يختلف نمط العلاقات التركية الأمريكية حسب نظرة الولايات المتحدة لروسيا، ففي حال فوز ترامب، وفي ظل نظرته لروسيا على أنها لن تمثل تهديدًا مثلما تمثل الصين، لن يواجه الرئيس التركي ضغوطًا أمريكية كبيرة حيال تعامله مع الجانب الروسي، وبالتالي فإن العلاقات التركية الروسية لن تشكل خلافًا بين الطرفين.

ويختلف ذلك عن رؤية الإدارة الديمقراطية المتمثلة في جو بايدن والامتداد الذي تمثله “كامالا هاريس” بأن روسيا تمثل خطرًا على الولايات المتحدة، وهو ما ظهر بوضوح في تصريحات بايدن عن هاريس خلال كلمته في مؤتمر الحزب الديمقراطي في شيكاغو الذي عقد في 20 أغسطس الجاري، وتأكيده على أنها ستستمر في تبني نفس موقفه الحالي مع روسيا، وأنها “لن تنحني” للرئيس الروسي، هذا إلى جانب تصريحات هاريس السابقة التي وصفت فيها ما تقوم به روسيا في أوكرانيا بأنها “فظائع مروعة”.

حرب غزة:

تعد القضية الفلسطينية من أهم المحاور التي قد تؤثر على علاقات البلدين بعد الانتخابات الأمريكية خصوصًا مع السعي التركي للعب دور الوساطة ودفعها لحل الدولتين، ففي حال فوز ترامب، من المرجح أن تزداد العلاقات التركية الأمريكية تعقيدًا، لاسيما مع تصريحات ترامب الداعمة للجانب الإسرائيلي التي تزيد من التوترات في الشرق الأوسط، فبالرغم من الدعم الأمريكي الحالي للجانب الإسرائيلي، إلا أن موقف ترامب يعد أكثر تشددًا، بدليل اتهامه لبايدن بأنه “صديق فلسطين”، وأنه يمنع إسرائيل من إنهاء مهمتها ضد حركة حماس.

على الجانب الآخر، تُظهر هاريس نهجًا أكثر تعاطفًا مع الفلسطينيين، من أجل التخفيف من حدة الغضب لدى الناخبين العرب الأمريكيين، وهو ما أظهرته تصريحاتها في 3 مارس 2024 عن الظروف غير الإنسانية التي يتعرض لها الفلسطينيون، وعن ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار وكذا دعمها حل الدولتين ومعارضتها إقامة المستوطنات في الضفة الغربية، فضلًا عن أن هاريس تعتبر أول مسئولة أمريكية تشجع رؤساء الدول العربية على تحديد الأولويات ومناقشة خطط ما بعد الحرب، لكن هذا لا يتنافى مع دعمها لإسرائيل، الذي ظهر في تصريح سابق لها في مؤتمر للجنة الشئون العامة الأميركية – الإسرائيلية  في عام 2017، وكذا تأكيدها في أعقاب استضافة نتنياهو بالكونجرس في 24 يوليو 2024 على دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها إلى جانب تأكيد مستشار هاريس للأمن القومي “فيل جوردون” في 8 أغسطس 2024 على أن هاريس لا تدعم حظر الأسلحة على إسرائيل.

الحضور الأمريكي في سوريا:

تمثل علاقة الولايات المتحدة مع وحدات حماية الشعب من ضمن القضايا التي تؤثر على العلاقات التركية الأمريكية خصوصًا مع وصم تركيا لوحدات حماية الشعب ولحزب العمال الكردستاني بالإرهاب، وهذا ما لم تؤيده الولايات المتحدة.

وتختلف رؤية الإدارتين الجمهورية والديمقراطية لهذه المسألة، ففي حال فوز ترامب وطبقًا لما طرحه، فإنه يفضل سحب القوات الأمريكية من سوريا، وقد أظهر هذا التوجه في السابق حينما قام  في 19 ديسمبر عام 2018 بإعطاء الأمر بسحب القوات الأمريكية في سوريا، ولم ينفذ القرار في حينه بسبب تدخل وزارة الدفاع الأمريكية لإثناء ترامب عن القرار، وبالتالي فإن تركيا ترى في تولي ترامب في الانتخابات المقبلة مصلحة لها، فقد يعيد التفكير في تنفيذ القرار مما يمنحها فرصة أخرى للقيام بعمليات عسكرية جديدة للقضاء على خطر حزب العمال الكردستاني في شمال سوريا لاسيما بعد التقارب مع العراق والاتفاق الأمني المشترك الذي تم في 15 أغسطس 2024.

وفي المقابل تستمر الإدارة الديمقراطية في عدم منح أي إشارات إيجابية للجانب التركي بخصوص وقف دعم وحدات حماية الشعب أو انسحاب القوات الأمريكية من سوريا حيث من المرجح أن تستمر هاريس بالالتزام بنفس السياسة الراهنة مع سوريا، وذلك من حيث التركيز على تقديم المساعدات الإنسانية، ومكافحة الإرهاب.

وختامًا، يتضح أن تركيا قد تربح من نتائج الانتخابات الأمريكية جزئيًا مع فوز أي من المرشحين، بسبب حدود الاتفاق والاختلاف في القضايا التي تمس العلاقات، فطبقًا لأهم القضايا التي تم استعرضها، لم يظهر نموذج لمرشح يحقق المصالح التركية بشكل كامل، كما تتشابه الإدارتان الجمهورية والديمقراطية حيال أولويات السياسة الخارجية الأميركية بالرغم من اختلافهما حول كيفية التعامل مع القضايا، فمثلًا في قضية الانسحاب من سوريا، تفضل أنقرة نهج  ترامب الذي قد يتبع مسارًا أكثر انعزالًا تجاه منطقة الشرق الأوسط، وهو ما قد يخلق فراغًا تستطيع تركيا التمدد من خلاله، أما بالنسبة للتصعيد في غزة فإن المصالح التركية قد تبدو أكثر ارتباطًا بفوز كامالا هاريس، استنادًا لمواقف الأخيرة الأكثر توازنًا مقارنةً بترامب.


[1] أندرو كريج برونسون: هو قس أمريكي قامت أنقرة بسجنه بعد عمليات التطهير التي حدثت بعد محاولة الانقلاب في تركيا 2016، وطالب ترامب حينها بالإفراج عنه وهدد بفرض عقوبات ما لم يتم الإفراج عنه.

isr-lebanon
سيناريوهات مطروحة: ماذا بعد المواجهة بين حزب الله وإسرائيل؟
tunis-ch-rus
هواجس أوروبية: تونس وتعدد الشراكات الدولية
Iran-President
تحديات السياسة الخارجية الإيرانية
turk- syria
ما وراء تطورات التقارب التركي السوري؟
Scroll to Top