شهدت الحدود اللبنانية مؤخرًا حالة من التصعيد بين حزب الله وإسرائيل، حيث شن حزب الله هجومًا موسعًا على 11 هدف إسرائيلي بما يقرب من 320 صاروخًا من طراز كاتيوشا في المرحلة الأولي من رد حزب الله الانتقامي على اغتيال إسرائيل القيادي في حزب الله “فؤاد شكر”، وهو ما أكده الأمين العام لحزب الله “حسن نصر الله” في كلمته الموجهة للرأي العام العربي والإقليمي، وقد أشار حزب الله إلى أنه قد استهدف “قاعدة ميرون”، و”مربض نافي زيف”، و”قاعدة زعتون”، و”مرابض الزاعورة”، و”قاعدة السهل”، و”ثكنة كيلع” و”ثكنة يو أف”، و”قاعدة نفح”، و”قاعدة يردن” في الجولان السوري المحتل، كما استهدف “قاعدة عين زي تيم”، و”ثكنة راموت نفتالي”، فضلاً عن استهداف مقرات الاستخبارات العسكرية “أمان” والأمن الداخلي “الشاباك” والوحدة 8200 في تل أبيب.
وقد أدى هجوم حزب الله إلى ردود فعل داعمة من قبل فصائل محور المقاومة، حيث أشادت حركة حماس بالهجوم، واعتبرت أنه يشكل “صفعة” في وجه إسرائيل، بينما أشادت حركة الحوثي بهجوم حزب الله “الكبير والشجاع” على إسرائيل، معتبرين في بيان أن “هذا الرد القوي والفاعل” على اغتيال القائد العسكري في حزب الله فؤاد شكر “لا يزال مفتوحًا”، مؤكدين على أن الرد اليمني آت.
تفسير الهجوم:
يمثل استهداف حزب الله لإسرائيل هذه المرة تغيرًا على مستوى الأهداف، فبدلًا من الاستهداف التقليدي للشمال الإسرائيلي والقواعد الإسرائيلية في الجليل الأعلى ومزارع شبعا المحتلة، اتجه حزب الله إلى استهداف العمق الإسرائيلي هذه المرة من خلال استهداف تل أبيب وقواعد المؤسسات الأمنية، الموساد والشباك والاستخبارات العسكرية، وهو ما قد يؤدي لاحقًا لتغيير في قواعد الاشتباك المتعارف عليها.
وعلى الرغم من حدوث تغيير على مستوى عمليات حزب الله فيما يتعلق بالأهداف، فإن هذا التغيير في الأهداف لم يصاحبه تغيير في التكتيكات العسكرية لحزب الله في تنفيذ الضربة، حيث أعلن عن استعماله لصواريخ الكاتيوشا كتمهيد لدخول المسيرات إلى الأراضي الإسرائيلية، وهو ما يعد تكتيكًا طبيعيًا في إطار الاشتباكات والمواجهات العسكرية للحزب مع إسرائيل، حيث يستخدم حزب الله عددًا كبيرًا من صواريخ الكاتيوشا بحيث تعمل على إغراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية وإشغالها، ويصاحب ذلك إطلاق عدد من المسيرات تجاه أهداف في شمال إسرائيل.
ومن الواضح أن الهدف الرئيسي للمسيرات الخاصة بحزب الله – التي نجحت في اختراق الحدود بحسب الحزب – وهي مقرات الموساد، والشباك، والاستخبارات العسكرية في تل أبيب، فإن استخدام هذا التكتيك في ظل الهدف المعلن يطرح تساؤلات عن فاعليته، فبينما شهد تكتيك الإغراق نجاحًا في شمال إسرائيل، فقد يواجه هذا التكتيك صعوبات في تحقيق نفس النجاحات في تل أبيب.
ففي الشمال يعتمد الاستهداف العسكري لحزب الله على قطاع معين، ومن ثم إغراق الدفاعات الجوية في هذا القطاع، وبالتالي إعطاء فرصة أكبر لحركة للمسيرات تجاه أهدافها، ويختلف الوضع في الضربة الاخيرة، فحتى بعد اغراق الدفاعات الجوية في القطاعات الشمالية في إسرائيل، فإن المسيرات من المتوقع أن تمر فوق قطاعات دفاع جوي أخرى في سبيل وصولها إلى تل أبيب وهو ما يعني تزايد فرص إسقاطها بصورة كبيرة.
أهداف الضربة:
جاءت ضربات حزب الله في سياق الضغوط المفروضة على حزب الله، فمن ناحية، فقد فاقم التأخير في تنفيذ رد الفعل من الوضع الحرج للحزب، وأصبح يرى أن هناك تكلفة سياسية لتأخير الرد قد تضر بسمعة الحزب على المستوى السياسي والشعبي لاسيما بين أنصاره، إلا أن حزب الله قد يُواجه بمعضلة حقيقية مفادها أن أي ضربة موسعة من قبل الحزب ضد إسرائيل ستؤدي حتمًا إلي إفشال مفاوضات وقف اطلاق النار وهو الأمر الذي لا يستطيع الحزب تحمله من الناحية الأخلاقية، ومن ناحية أخرى، فإن الحزب يدرك أن التسويف الإسرائيلي في المفاوضات وإطالة أمدها يهدف بشكل أساسي إلى تعطيل رده.
وعليه، فإنه من الواضح من خلال الضربات الأخيرة أن الحزب قد قرر أن يتخذ حلًا وسطًا، من خلال القيام بهجوم محدود ومنخفض التأثير، وهو ما يتضح من خلال حجم وتأثير الضربات الأخيرة واختيار الحزب لأسلحة الهجوم، إذ كان الحزب قادرًا على استخدام صواريخه الدقيقة وبعيدة المدى وذات القدرة التدميرية الكبيرة لاستهداف تل أبيب أو المواقع الحيوية الأخرى مثل ميناء حيفا وغيرها من الأهداف، لكنه اختار عدم استخدام هذه الأسلحة واستعمل عوضًا عنها المسيرات، وهي التي يمكن رصدها واعتراضها على عدة قطاعات للدفاع الجوي الإسرائيلي، وذلك في تكتيك مشابه للهجمات الإيرانية على إسرائيل في أبريل الماضي من حيث استعمال المسيرات التي يسهل اسقاطها قبل وصولوها إلى أهدافها، كما أن تأكد حزب الله على أن هذه الضربة هي “المرحلة الأولى” يوجه رسالة أولية إلى إسرائيل، بما هو قادم في حال أقدمت على إفشال المفاوضات الجارية مع حماس، وأن الحزب يستطيع أن يفعل ما هو أكثر من ذلك.
السيناريو القادم:
يتوقف مآل الوضع الجيوسياسي في المنطقة بعد الضربات على المفاوضات الجارية بين حماس وإسرائيل، وذلك كنقطة ارتكاز أساسية، ومن المرجح أن يتوقف رد حزب الله عند هذا المستوى حال نجاح المفاوضات، وذلك التزامًا بما أعلنه الحزب في بداية – وعلى مدار – الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وهو أن توقف العدوان الإسرائيلي سيتبعه توقفًا للأعمال العسكرية للحزب على الحدود الشمالية لإسرائيل.
أما في حال استمرار المفاوضات بالشكل الحالي أو تعثرها لبعض الوقت، فإنه من المرجح أن يفسح ذلك المجال أمام حزب الله من أجل القيام بالمرحلة الثانية من الرد، والذي يُتوقع أن يكون أكثر قوةً وتأثيرًا، خاصةً إذا استخدم الحزب أسلحة جديدة وصواريخ أكثر دقة مع عدم استبعاد استهداف الحزب للعمق الإسرائيلي، وهناك احتمالية أيضًا أن تتزامن المرحلة الثانية من الرد مع الرد الإيراني المتوقع على اغتيال “إسماعيل هنية” في طهران.
ختامًا، فإن الوضع الجيوسياسي الراهن وحالة التصعيد وعدم الاستقرار الإقليمي لن تحل إلا من خلال وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، خاصةً مع إعلان فصائل محور المقاومة مرارًا التزامها بوقف إطلاق النار في حال التوصل لوقف مماثل في قطاع غزة، وبالتالي، فإن المستفيد الوحيد من حالة التصعيد غير المبررة هو رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” الذي يرغب في إشعال حرب إقليمية للحفاظ على منصبه السياسي، وهو ما يمثل خطورة كبرى على حاضر المنطقة ومستقبلها.