Search

مخاطر تشكيل حكومتين في السودان

13/09/2024

في ظل استمرار المواجهات العسكرية المحتدمة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أبريل 2023 وحتى الآن، ومع فشل الجهود الإقليمية والدولية في دفع طرفي الصراع لوقف إطلاق النار والتوصل إلى اتفاق لإنهاء هذا الصراع، هددت قوات الدعم السريع بتشكيل حكومة في حال استمرار ما وصفه برفض الجيش السوداني للتفاوض، حيث ادعى مستشار قائد الدعم السريع “الباشا طبيق” أن تشكيل حكومة مدنية في الخرطوم ضرورة تقتضيها المرحلة الحالية، ومن أجل تخفيف معاناة الشعب السوداني.

سياق معقد:

جاءت هذه التهديدات في سياق عدد من التطورات السياسية والعسكرية المهمة داخل السودان، أبرزها إعلان الفريق أول ركن “عبد الفتاح البرهان” رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش السوداني، عن اتجاهه لتشكيل “حكومة حرب” في بورتسودان، ومواصلته القتال ضد الدعم السريع إلى حين القضاء عليها واستعادة السيطرة على كافة المدن والمناطق التي سيطرت عليها.

تزامن الإعلان عن احتمالات اتجاه كل طرف لتشكيل حكومة في مناطق سيطرته، مع فشل مفاوضات جنيف التي دعت لها الولايات المتحدة في تحقيق نتائج إيجابية عبر التوصل إلى اتفاق بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لوقف إطلاق النار، بسبب رفض الجيش المشاركة في هذه المفاوضات، واشتراطه تنفيذ اتفاق جدة الموقع مع قوات الدعم السريع في مايو 2023، مع الالتزام بفتح ممرات لإيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين المتضررين من الصراع، هذا بالإضافة إلى غياب أي أفكار أو رؤى أمريكية لكيفية تسوية الأزمة السودانية ووقف إطلاق النار.

إشكاليات مستمرة:

أثار إعلان كل من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع اتجاه كل منهما لتشكيل حكومة على حدة، الحديث عن احتمال وجود حكومتين في السودان كحل مناسب لاستمرار الصراع المسلح بينهما للعام الثاني على التوالي، وما قد يترتب على ذلك من تداعيات سياسية وأمنية واقتصادية على الأوضاع المتأزمة بالفعل في السودان، وفي هذا السياق فقد تشهد السودان وجود حكومتين، أحدهما حكومة شرعية تحظى بدعم إقليمي ودولي تابعة لمجلس السيادة الانتقالي الذي اتخذ من بورتسودان مقراً إدارياً منذ بدء الصراع المسلح ضد قوات الدعم السريع في شهر أبريل 2023، وحكومة أخرى “موازية” في الخرطوم تابعة لقوات الدعم السريع التي نجحت في فرض سيطرتها على أجزاء واسعة من العاصمة وضواحيها.

يثير هذا الطرح إشكالية تشكيل حكومة انتقالية في الوقت الحالي، حيث توجد العديد من العقبات التي تواجه مسألة تشكيل مثل هذه الحكومة، في ظل استمرار الصراع المسلح في السودان من جهة، والانقسام السياسي الواضح بين الأحزاب والقوى السياسية المدنية من جهة أخرى، بالإضافة إلى غياب الانسجام الواضح داخل الطبقة الحاكمة وغياب التوافق السياسي اللازم لتشكيل حكومة انتقالية تدير شئون البلاد في كافة المجالات، وتعمل على وضع حلول جذرية للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة داخل المجتمع السوداني.

أضف إلى ذلك العقبات المرتبطة بغياب نص دستوري واضح ينظم عملية تشكيل حكومة انتقالية مؤقتة في ظل استمرار الصراع، كما لا يوجد تحديد واضح للسلطة التي تمتلك الحق في تشكيل هذه الحكومة، وإن كان مجلس السيادة الانتقالي بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان هو السلطة الشرعية الوحيدة الممثلة للشعب السوداني، إلا أن قوات الدعم السريع تحاول إثبات أنها طرف وشريك رئيسي لا يمكن استثنائه من أي مفاوضات للتسوية السياسية للأزمة الراهنة في البلاد.

ومع ذلك يعكس إعلان الفريق البرهان عزمه تشكيل حكومة حرب في بورتسودان، رغبته في التأكيد على أن الجيش هو السلطة الشرعية الوحيدة الممثلة للشعب السوداني والتي لها الحق في تشكيل حكومة أي كانت صفتها (مؤقتة – انتقالية – حرب..) لإدارة شئون البلاد، كما أن إطلاق الفريق البرهان صفة “الحرب” على الحكومة التي ينوي تشكيلها، يعكس الأوضاع الاستثنائية التي أصبحت تعيشها السودان، وبالتالي التأكيد على عزمه مواصلة الحرب ضد الدعم السريع وحسم الصراع لصالح الجيش.

وفيما يتعلق باحتمال اتجاه قوات الدعم السريع لتشكيل حكومة موازية في الخرطوم، فإن ذلك الأمر يواجهه العديد من العقبات، على رأسها الرفض الشعبي والحزبي لممارسات الدعم السريع ضد المدنيين في كافة المدن والولايات السودانية التي تشهد مواجهات مسلحة بين الجيش السوداني والدعم السريع، وأيضاً الرفض الحزبي لفكرة وجود حكومتين في البلاد، حيث حذر حزب الأمة القومي، من تداعيات تشكيل أي حكومة مؤقتة سواء كانت في بورتسودان أو الخرطوم، قبل إيقاف الصراع الدائر في البلاد، وحذر الحزب من خطورة القيام بهذا الإجراء لأنه سيفتح الباب أمام تقسيم البلاد وتكرار نماذج مشابهة في عدد من دول المنطقة، هذا بالإضافة إلى افتقاد الدعم السريع للشرعية التي تخولها لتشكيل مثل هذه الحكومة.

ورغم ذلك فقد تصر الدعم السريع على تشكيل حكومة من العناصر والشخصيات المنتمين والموالين لها، وذلك استناداً إلى ترجيح سيناريو التصعيد واستمرار الحرب، وفي هذه الحالة فإن حكومة الدعم السريع لن تتمتع بأي مرجعية قانونية أو دستورية، ولن تتمتع بأي نوع من أنواع التوافق الوطني أو الشرعية، إلا إذا حظيت بقبول بعض الأطراف الخارجية، وهو أمر من المستبعد تحقيقه، وقد ورد ذلك الأمر في تصريحات الباشا طبيق مستشار “حميدتي” والتي أشار فيها إلى أن الحكومة التي سيتم تشكيلها ستتطلع بدورها تجاه حماية المدنيين ونزع الشرعية من رئيس مجلس السيادة، وعقد صفقات لشراء طائرات حربية وأنظمة دفاع جوي متطورة لتحييد طيران الجيش السوداني، والعمل على تأسيس نظام مصرفي في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع.

وفي ضوء ما سبق، فإن تشكيل حكومتين في مناطق سيطرة كل طرف، يعكس حالة الانقسام السياسي التي أصبحت تعاني منها السودان في الوقت الراهن، كما يعكس فشل الجهود الإقليمية والدولية في التسوية السياسية للأزمة السودانية، في ظل تمسك طرفي الصراع بشروطهما لوقف إطلاق النار، وبالتالي فإن هناك حاجة ماسة لممارسة القوى السياسية المدنية السودانية والقوى الإقليمية والدولية المنخرطة في الشأن السوداني، المزيد من الضغوط على طرفي الصراع لوقف محاولات تشكيل حكومتين وتكريس ازدواجية السلطة، خاصةً أن ذلك الأمر سوف يؤدي إلى استمرار التصعيد على كافة الصعد السياسية والعسكرية.

USCHINA
الذكاء الاصطناعي... أي حوار أمريكي صيني مطروح؟
sud-conf
مسارات متعددة: هل تنجح مبادرات وقف الصراع في السودان؟
eur-elec
الانتخابات الأوروبية: تداعيات داخلية وخارجية
Electionsbrit
انعكاسات الانتخابات البريطانية على قضايا الشرق الأوسط
Scroll to Top