أعلنت قوات الأمن في ولاية بونتلاند الصومالية في 27 أغسطس 2024، عن عملية أمنية كبيرة ألقت خلالها القبض على 7 أفراد وبحوزتهم 5 مسيرات مخصصة لأغراض هجومية وانتحارية، وقد أشارت بعض التقديرات الأمنية إلى أن تلك المسيرات كانت قادمة من اليمن ومتجهة إلى جنوب الصومال حيث تنشط حركة الشباب مؤخرًا؛ يأتي ذلك في ظل تصاعد التحذيرات الأمنية خلال الآونة الأخيرة بشأن التوظيف المحتمل لتلك التكنولوجيا من قبل عناصر حركة الشباب الإرهابية، بهدف توجيه ضربات استباقية لقوات الجيش الصومالي في مناطق سيطرتها ونفوذها.
بدا من الواضح أن الجماعات الإرهابية تُظهر نوع من التطور الملحوظ في تكتيكاتها ووسائلها الهجومية بين الحين والآخر، نتيجة واقع التطورات التكنولوجية المتسارعة، التي ألقت بظلالها على المشهد الإرهابي برمته؛ وفي ذلك الإطار، وعلى الرغم من اقتناء بعض التنظيمات الإرهابية النشطة في القارة الأفريقية لتكنولوجيا المسيرات، التي تستخدمها لأغراض استطلاعية بشكل أساسي، فإن السياق الراهن وما يتضمنه من تطورات سياسية وأمنية متسارعة في بعض المناطق الهشة أمنيًا في القارة، يشير إلى احتمالية أن تتضمن جولات الصراع الراهنة في بعض الدول مثل الصومال أو مالي توظيفًا – ربما مكثفًا – من قبل التنظيمات الإرهابية للمسيرات ضد الجيوش الوطنية وحلفائها، لما يمكن أن توفره من ميزة استراتيجية للتنظيمات الإرهابية بفضل قدرتها على تنفيذ هجمات دقيقة من مسافات بعيدة مع تقليل الخسائر البشرية في صفوف التنظيمات الإرهابية.
استخدامات متعددة:
تتعدد استخدامات التنظيمات الإرهابية للمسيرات؛ فبقراءة وتحليل بعض الأدبيات والتقديرات ذات الصلة، نجد أنها قد تستخدمها لجمع المعلومات، ومراقبة تحركات الطرف الآخر، واستكشاف الأهداف المحتملة والرخوة دون المخاطرة بعناصرها، وبذلك، توفر المسيرات ميزة تكتيكية للتنظيمات الإرهابية، ما يسمح لها بالتخطيط وتنفيذ العمليات بدقة وفاعلية أكبر.
وعلى جانب آخر، قامت التنظيمات الإرهابية بتكييف المسيرات للأغراض الهجومية، من خلال إجراء بعض التعديلات على نظمها وتقنياتها، ما مكنها من تزويدها بالمتفجرات التي تصل إلى المواقع المستهدفة، وقد أثبت تنظيم داعش تحديدًا هذه القدرة من خلال نشر مسيرات في صورة أسراب مزودة بقنابل صغيرة أو قنابل يدوية في العراق وسوريا، بهدف اختراق نظم الدفاعات التقليدية وإلحاق أضرار جسيمة بها.
علاوةً على ذلك، تستخدم التنظيمات الإرهابية المسيرات كأدوات للحرب النفسية والدعائية، فالتلويح باستخدام المسيرات الهجومية يمكن أن يخلق مناخًا من الخوف وعدم اليقين بين المدنيين والعسكريين، وفي ذات الإطار، غالبًا ما تسعى تلك التنظيمات إلى توثيق استخدام المسيرات في العمليات ونشر ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من القنوات التابعة لها، بما يعزز من فرص التجنيد واستقطاب عناصر جديدة لها.
الخصوصية الأفريقية:
أدت الهزائم المتلاحقة التي مُني بها تنظيم داعش في العراق وسوريا، إلى هجرة عدد كبير من عناصر التنظيم إلى أفريقيا، ممن لديهم خبرات تقنية ومعرفة متقدمة في تشغيل المسيرات خلال فترات وجودهم في مناطق الصراع في الشرق الأوسط، ما يعني قدرتهم على تحسين مدى تلك الطائرات، ودقتها، وقدرتها على المناورة والتخفي.
وعلى الرغم من التأكيدات حول اقتناء بعض التنظيمات الإرهابية في أفريقيا مثل حركة الشباب الصومالية، وجماعة بوكو حرام النيجيرية، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين في مالي، للمسيرات، فإنه لم تبرز أي بيانات عن عملية نوعية بارزة وظفت من خلالها تلك التنظيمات للمسيرات لأغراض هجومية صريحة، وهو ما قد يرجع إلى تفضيل تلك الجماعات الاعتماد على أساليب تقليدية أكثر فاعلية وسرية، مثل الهجمات الانتحارية أو استهداف الكمائن، وبالتالي فإن استخدام المسيرات لأغراض هجومية قد لا يحظى بأولوية في ظل تلك الاستراتيجيات التقليدية التي أثبتت فعاليتها بالنسبة للتنظيمات الإرهابية، والتي تنطوي على الاكتفاء بتوظيف المسيرات في مهام الاستطلاع ومقاطع الفيديو الدعائية الخاصة، ومن أبرز الأمثلة على ذلك استخدام جماعة “بوكو حرام”، في فبراير 2024، للمسيرات من أجل مراقبة المواقع العسكرية النيجيرية في حوض بحيرة تشاد، ما مكنها من جمع المعلومات حول تحركات القوات والكمائن التابعة لها، وهو ما تبعه سلسلة من الهجمات المنسقة على المواقع العسكرية في المنطقة،
فضلًا عن تكييف حركة الشباب الصومالية للمسيرات للقيام ببعض المهام الاستطلاعية فوق قواعد الجيش الوطني الصومالي في المنطقة الجنوبية من “جوبالاند”، في أبريل 2024، ما أتاح للتنظيم معلومات مكنته من تنفيذ هجوم معقد على موكب عسكري بعد فترة وجيزة من عملية الاستطلاع تلك، وكذلك استخدام جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” للمسيرات في مايو 2024، لاستطلاع بعض المنشآت العسكرية في شمال مالي، وهو ما ساعد الجماعة – وفقًا لبعض التقديرات – على تنفيذ هجوم دقيق بقذائف الهاون في وقت لاحق على قاعدة بالقرب من بلدة “غاو”، وتنسيق جماعة “أنصار السنة” في موزمبيق، لهجوم على موقع عسكري في بلدة “كابو ديلجادو” بناءً على معلومات قامت عناصر الجماعة بجمعها لتحديد موقع قوات الدفاع الموزمبيقية هناك، مما سمح لهم بتنفيذ هجوم دقيق ومنظم، والاستيلاء المؤقت على ذلك الموقع.
عوامل محفزة:
ارتباطًا بامتلاك تلك التنظيمات فعليًا للمسيرات المقاتلة، فإن هناك مجموعة من العوامل التي قد تدفع التنظيمات الإرهابية النشطة في أفريقيا نحو البدء في استخدام المسيرات لما هو أبعد من المهام الاستطلاعية أو الدعائية، والانتقال خلال الفترة المقبلة إلى التركيز على توظيفها في المجالات الهجومية، ويرتبط العامل الأول بإمكانية أن تسعى التنظيمات الإرهابية في أفريقيا نحو إعادة تدوير وتوظيف بعض المسيرات محدودة الإمكانيات التي تقتنيها، حتى تكون قابلة للاستخدامات العسكرية، وبالتالي يمنحها القدرة على شن هجمات ذات تأثير نفسي ومادي كبير، بما قد يحدث نوع من التوازن في مواجهة القوات العسكرية التقليدية سواء الوطنية أو الأجنبية المتواجدة في الدول الأفريقية.
بينما يتصل العامل الثاني بحالة عدم الاستقرار الإقليمي التي وفرت بيئة خصبة ومواتية لنشاط التنظيمات الإرهابية، إذ إن الافتقار إلى السيطرة الحكومية الفعالة في مناطق معينة يسمح للجماعات الإرهابية بإنشاء ملاذات آمنة حيث يمكنها تطوير واختبار تكنولوجيا المسيرات دون أي عوائق أمنية، كما أن تعدد الجماعات والمليشيات المسلحة بتوجهاتها وأهدافها المتباينة في بعض المناطق في القارة يخلق بيئة فوضوية حيث يمكن أن يصبح استخدام المسيرات المقاتلة شائعًا بشكل متزايد، وينصرف العامل الثالث إلى فكرة الدور الخارجي، إذ يلعب الدعم الخارجي دورًا حاسمًا في قدرة التنظيمات الإرهابية في أفريقيا على استخدام وتوظيف المسيرات، فقد تقدم بعض الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية خارج القارة أو داخلها المساعدة المالية أو الفنية أو اللوجيستية لتلك التنظيمات، إما بشكل مباشر أو من خلال شبكات تعمل بالوكالة، ويمكن أن يتراوح هذا الدعم بين تهريب مكونات المسيرات المقاتلة أو التدريب على كيفية تشغيل وصيانة هذه التكنولوجيا.
تحديات التوظيف:
على الرغم من التأثيرات الإيجابية المحتملة التي قد تعود على التنظيمات الإرهابية في أفريقيا من توظيف المسيرات، فقد تواجه تلك التنظيمات أيضًا بعض التحديات المرتبطة بكيفية اقتناء ترسانة كبيرة منها والقدرة على تشغيلها؛ فمن ناحية، تجدر الإشارة إلى أن بعض الدول الأفريقية قد فرضت قيودًا أو حظرًا على استيراد وبيع واستخدام المسيرات، ولكن هناك بعض المناطق مثل حوض بحيرة تشاد ومنطقة الساحل، قد لا تواجه فيها التنظيمات الإرهابية مثل هذا التحدي لأن تلك المناطق بها مساحات حدودية كبيرة لا يوجد بها أي تواجد أمني، ما يمكن تلك التنظيمات من تهريب المسيرات، بل ونقلها عبر البلدان دون رقابة.
ومن ناحية أخرى، يبرز تحدٍ آخر يتمثل في ضرورة توافر المهارات الفنية المطلوبة لتشغيل المسيرات وتوظيفها لأغراض هجومية؛ ففي حين أن بعض المسيرات التجارية سهلة الاستخدام نسبيًا، فقد تتطلب بعض الطرز تدريبًا أكثر تطورًا للطيران والتحكم بها، وهو تحدي قد لا تواجهه أفرع تنظيم داعش في أفريقيا، لأن العديد من عناصر فرع داعش المركزي قد انتقلوا إلى أفريقيا محملين بخبرات في إدارة وتسيير تلك المسيرات لأغراضها الاستطلاعية، أو الدعائية، أو الهجومية.
وفي الختام، يمكن القول إنه في ظل تصاعد التوترات والصراعات في بعض مناطق القارة الأفريقية، لاسيما منطقة الساحل الأفريقي، ودخول مراحل الصراع في بعض الدول مثل مالي إلى مستويات معقدة ومتشابكة انطوت على التوظيف الفعلي للجيش المالي والقوات المتحالفة معه للمسيرات من أجل استهداف الحركات الأزوادية وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين في شمال مالي؛ فإنه قد تبرز إشكالية خطرة تتعلق بلجوء تلك التنظيمات بشكل مفاجئ نحو توظيف ترسانتها من المسيرات لتنفيذ هجمات نوعية تحقق رواجًا، وتمكنها أيضًا من تحقيق بعض الاختراقات والانتصارات الميدانية التي ستعزز من حواضنها وقدراتها على الانتشار، وقد يؤدي ذلك إلى تشجيع باقي التنظيمات النشطة في مناطق أخرى في القارة نحو تنفيذ مثل تلك العمليات، وبالتالي تتحقق المخاوف الممتدة والمتعلقة بالتوظيف الإرهابي في أفريقيا للمسيرات لأغراض هجومية، ما سيعقد بطبيعة الحال من أي جهود دولية أو إقليمية تستهدف مكافحة الخطر الإرهابي في القارة.