Search

الخطط الدولية لإدارة تدفقات الهجرة بين أوروبا وأفريقيا

15/09/2024

احتفظت قضية الهجرة وإدارة تدفقاتها موقعًا مهمًا في الأجندة السياسية للدول الأوروبية، رغم المخاطر الأمنية الناجمة عن الحرب الروسية في أوكرانيا، وكذلك التمدد الروسي في قارة أفريقيا ومنطقة الساحل، وجنوب البحر المتوسط، والحرب الإسرائيلية على غزة، وتدهور الأوضاع الإنسانية في السودان جراء الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، واستمرار الاضطرابات السياسية والأمنية في العديد من الدول الأفريقية، والتي لم تفلح في تغيير التوجهات وإزاحة قضية الهجرة من صدارة الأجندة السياسية للدول الأوروبية، بالرغم من استمرار الخلافات حول قضية تقاسم الأعباء الناجمة عن تدفقات المهاجرين واستمرار ارتفاع معدلات اللجوء إلى القارة الأوروبية.

طرحت العديد من الدول مؤخرًا خططًا ثلاثية لإدارة تدفقات الهجرة بين دول المصدر من جهة، ودول العبور من جهة ثانية، والدول المستقبلة من جهة ثالثة، في محاولة متجددة لمعالجة التدفقات الناجمة عن الاضطرابات السياسية في دول الجنوب وعدم قدرة القوى الأوروبية على التوافق بشأن تقاسم الأعباء، وقد مثل “منتدى الهجرة عبر المتوسط” الذي أقيم في العاصمة الليبية طرابلس في 17 يوليو 2024، بمشاركة 28 دولة أفريقية وأوروبية، من خلال رؤساء حكومات وممثلين دبلوماسيين وسفراء لدى ليبيا وممثلي منظمات دولية معنية بملف الهجرة غير النظامية أحدث الفاعليات التي تهدف إلى تعزيز الخطط الثلاثية لإدارة الهجرة.

أبرز الخطط المطروحة لإدارة الهجرة:

طرحت كل من بريطانيا وإيطاليا وليبيا، والأمم المتحدة عبر المنظمة الدولية للهجرة، عددًا من الخطط العملية لإدارة وضبط تدفقات المهاجرين القادمين من أفريقيا إلى أوروبا، تقوم على تنسيق التعاون بين دول المصدر والعبور والاستقبال، وذلك ضمن مبادرات مشتركة للتصدي لزيادة تدفقات المهاجرين، ومن أبرز تلك الخطط الآتي:

العودة الطوعية: وهو برنامج عمل لإعادة المهاجرين الراغبين في العودة إلى بلدانهم، أطلقته الأمم المتحدة عبر المفوضية السامية لشئون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة، بهدف مساعدة المهاجرين والبلدان المتضررة من تدفقات الهجرة، من خلال ترتيب رحلات طوعية لإعادة المهاجرين الراغبين في العودة إلى بلدانهم وتحمل تكاليف نقلهم عبر رحلات يتم تنسيقها وتمويلها من خلال المنظمة الدولية.

“خطة ماتي”: طرحتها إيطاليا في فبراير 2024، خلال فعاليات قمة “إيطاليا – أفريقيا”، بمشاركة أكثر من 30 زعيم ورئيس حكومة أفريقية، وتركز على عدة محاور رئيسية للتعاون بين إيطاليا والبلدان الأفريقية، هي: التعليم والتدريب، والصحة، والزراعة، والمياه، والطاقة، والتجارة، حيث تتطلع إيطاليا من خلالها إلى تحقيق هدفين رئيسيين هما: تنويع سلاسل الإمداد، لضمان أمن الطاقة لإيطاليا وتحقيق التنمية الاقتصادية في البلدان الأفريقية، من خلال توفير فرص عمل تحول دون هجرة القوى العاملة من البلدان الأفريقية.

الخطة البريطانية: أعلنها رئيس الوزراء البريطاني “كير ستارمر” في 18 يوليو 2024، وتتضمن العمل مع الشركاء الأوروبيين ودول الجنوب العالمي لمعالجة دوافع المهاجرين القادمين إلى أوروبا، عبر تنفيذ مشاريع بقيمة 84 مليون جنيه استرليني على مدار السنوات الثلاث القادمة لمعالجة العوامل التي تدفع بالناس إلى الهجرة، من خلال تطوير مستوى التعليم، وتعزيز فرص العمل، وتبني القدرة على مجابهة مخاطر النزاع وتغير المناخ في أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وذلك بهدف خفض أعداد المهاجرين، وفي نفس الوقت تحسين حياة الأشخاص الأكثر حاجة للمساعدة بالعالم. وتركز الخطة البريطانية على محورين رئيسيين، الأول: إعادة المهاجرين إلى بلدان ثالثة مثل رواندا والعراق، والثاني: دعم البلدان المستضيفة للمهاجرين في الشرق الأوسط وأفريقيا لتنفيذ برامج تنموية ودمج المهاجرين في أسواق العمل المحلية.

الخطة الإسبانية: تقوم الخطة الإسبانية لإدارة الهجرة التي أعلنها رئيس الوزراء “بيدرو سانشيز” خلال جولته الأفريقية في يوليو 2024، على فكرة فتح المزيد من الطرق القانونية لتمكين المهاجرين من الوصول إلى إسبانيا حيث تعتقد أن هذه الخطوة من شأنها أن تثني المهاجرين عن القيام بالرحلة الخطرة عبر المحيط الأطلسي. وترى الحكومة الإسبانية أن فتح الباب أمام استقبال المهاجرين بشكل نظامي سيسهم في سد حاجة البلاد لنحو 200 – 250 ألف مهاجر سنويًا للحفاظ على نظم الرعاية الاجتماعية والمعاشات التقاعدية العامة في إسبانيا. وتهدف الحكومة الإسبانية من خلال خطتها إلى تطبيق مفهوم “الهجرة الدائرية”، وهو نموذج يُتيح للعمال القادمين من دول مثل المغرب، والسنغال، وموريتانيا العمل في إسبانيا لفترات محددة قبل العودة إلى بلدانهم الأصلية. وترى أن هذا النظام يُتيح للعاملين اكتساب مهارات جديدة وتحسين أوضاعهم المعيشية في بلدانهم، بينما تستفيد إسبانيا من القوى العاملة المؤهلة، وهو نهج يخالف ما تعمل عليه الدول الأوروبية.

خطة ليبيا: عرضها رئيس حكومة الوحدة الوطنية “عبد الحميد الدبيبة” خلال افتتاح فعاليات “منتدى الهجرة عبر المتوسط” الذي عقد في طرابلس في 17 يوليو 2024، لتنسيق التعاون مع الدول الأوروبية والأفريقية لإعادة المهاجرين وتسوية أوضاعهم القانونية، وتقوم الخطة الليبية على أربعة محاور رئيسية، الأول: رفض توطين المهاجرين غير النظاميين في ليبيا، والثاني: إقامة آليات دولية مشتركة لا تتوقف فقط على المبادرات الثنائية، والثالث: تجنب حل إعطاء إقامة دائمة للمهاجرين في دول العبور، والرابع: إنشاء مقاربة تعزز التنمية في الدول المصدرة للهجرة. مع التشديد على احترام القوانين والسياسات الوطنية في هذا الشأن وإنشاء إطار استراتيجي يعزز الحوار والتعاون بين أفريقيا وأوروبا.

تباين الخطط الدولية بشأن الهجرة:

تكشف الخطط المطروحة عن استمرار التباين في مواقف الدول المعنية بشأن كيفية إدارة تدفقات الهجرة، نتيجة لمجموعة من الأسباب الرئيسية التي يتمثل أبرزها في التالي:

اختلاف السياسات الوطنية بشأن الهجرة بالنسبة للدولة المستقبلة للمهاجرين في أوروبا، وتقديراتها الخاصة لهذه القضية، فمثلًا، تتخوف إيطاليا وبريطانيا من أن تؤدي الزيادة المفرطة في تدفقات الهجرة إلى التأثير سلبًا على الهوية الوطنية، في حين تحاول إسبانيا وألمانيا توظيف القضية والاستفادة منها في توفير اليد العاملة للأسواق العمل المحلية، وهو ما دفع الحكومة الإسبانية إلى طرح فكرة الهجرة الدائرية في حوارها مع عدد من دول غرب أفريقيا بحيث يجري فتح سوق العمل الإسبانية أمام المهاجرين القادمين من تلك الدول لفترة مؤقتة.

عدم وجود أطر قانونية منظمة للهجرة في دول المصدر التي ينطلق منها المهاجرون بحثًا عن فرص العمل ومستقبل أفضل في ظل تدهور وصعوبة الأوضاع الاقتصادية في تلك البلدان.

عدم قدرة الحكومات المحلية في الدول المصدرة للمهاجرين، على توفير برامج وخطط عمل اقتصادية من شأنها استيعاب القوى العاملة المحلية بشكل يحد من معدلات الهجرة المرتفعة في تلك البلدان والتي عادةً ما تكون محفوفة بمخاطر عالية.

تعدد وتضارب الخطط المطروحة لإدارة الهجرة، على المستوى الدولي الثنائي أو المتعدد، أو مع الأمم المتحدة التي يتعين أن تكون مظلة جامعة للدول بشأن الهجرة، الأمر الذي يحد من فاعلية أي خطط ومبادرات لإدارة وضبط تدفقات الهجرة لاسيما في دول الاستقبال ودول المصدر التي تفتقد للأطر القانونية المنظمة للهجرة وتتطلع لتحقيق مكاسب مادية من خلال التنسيق مع عدة أطراف دون مراعاة التضارب الذي قد يحدث نتيجة اختلاف الخطط الثنائية والمتعددة الأطراف سواء المطروحة من الأمم المتحدة أو من خلال مبادرات ثنائية بين الدول المصدرة والدول المستقبلة للمهاجرين.

وختامًا، يمكن القول إن الخطط والمبادرات الثنائية لإدارة الهجرة تعد أكثر فاعلية من تلك المتعددة الأطراف، لاسيما أن التزام أي طرفين بعقد أو اتفاق بشأن الهجرة يحدد الواجبات والالتزامات التي يتعين على كل طرف مراعاتها في التعامل مع الخطط والمبادرات المطروحة لإدارة تدفقات الهجرة، مقارنةً بالخطط متعددة الأطراف التي قد تضع الدول المصدرة أو المستقبلة تحت ضغوط التنافس السياسي مع الدول الأخرى المعنية بتلك القضية.

isr-lebanon
سيناريوهات مطروحة: ماذا بعد المواجهة بين حزب الله وإسرائيل؟
Turkuselections
منظور تركي للانتخابات الرئاسية الأمريكية
tunis-ch-rus
هواجس أوروبية: تونس وتعدد الشراكات الدولية
Iran-President
تحديات السياسة الخارجية الإيرانية
Scroll to Top