شهدت الفترة الأخيرة تناميًا في العلاقات الخليجية – الأوروبية، وحرصًا مشتركًا على تعزيزها ووصولها إلى مستويات غير مسبوقة، حيث عُقدت عدة اجتماعات عكست حرص الجانبين الخليجي والأوروبي على إقامة الحوارات البناءة لتعزيز التعاون والتنسيق المشترك، تجاه القضايا الثنائية، والقضايا الإقليمية والدولية.
أولويات مشتركة وتحركات متزامنة:
عقد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي “جاسم البديوي” اجتماعًا في 25 نوفمبر الجاري مع أعضاء اللجنة السياسية والأمنية في الاتحاد الأوروبي، برئاسة رئيسة اللجنة “دلفين برونك”، وبحضور الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لمنطقة الخليج “لويجي دي مايو”، وتضمن الاجتماع المشار إليه مناقشة نتائج القمة الخليجية الأوروبية الأولى التي عُقدت في 16 أكتوبر 2024 في بروكسل، وبمشاركة خليجية وأوروبية رفيعة المستوى.
يُضاف إلى ذلك التأكيد على أهمية الإسراع في تنفيذ مخرجات القمة، وأن الاجتماع نفسه يأتي ضمن الحوارات البناءة التي يحرص عليها الجانبين، فيما برزت القضية الفلسطينية، والتزام الجانبين بما جاء في البيان الختامي لهذه القمة، خاصةً فيما يتعلق بدعم حل الدولتين[1].
تزامن انعقاد اجتماع البديوي والوفد الأوروبي مع تطورين رئيسيين، يتمثل الأول في عقد الجانب السعودي اجتماعين مع الوفد الأوروبي في 24 نوفمبر 2024، ترأس الأول وزير الدولة للشؤون الخارجية عضو مجلس الوزراء السعودي ومبعوث شؤون المناخ “عادل الجبير”، حيث تناول مواقف السياسة الخارجية للسعودية تجاه القضايا الإقليمية والدولية، والتعاون السعودي الأوروبي في مجالات البيئة والتغير المناخي، فيما ترأس الاجتماع الثاني نائب وزير الخارجية السعودي “وليد الخريجي”، وناقش قضايا وملفات العلاقات السعودية الأوروبية.
ويتمثل التطور الثاني في انعقاد مباحثات قطرية – أوكرانية في 25 نوفمبر 2024 على هامش منتدى حوار المتوسط في روما، وقد أجرى المباحثات كل من وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية “محمد بن عبد العزيز الخليفي”، ووزير الخارجية الأوكراني “أندريه سيبيها”، وتم تناول العلاقات الثنائية، وجهود الوساطة القطرية الساعية إلى لم شمل الأطفال الأوكرانيين مع عائلاتهم.
دلالات واضحة:
يعكس البيان الخاص باجتماع البديوي مع الوفد الأوروبي أن القضية الفلسطينية ما تزال تمثل أولوية خليجية في الوقت الراهن، وأن هناك حرصًا بالغًا على تضمينها في أي اجتماعات خليجية رسمية والبيانات الصادرة عنها، ويؤشر على ذلك أنه بالرغم من إشارة البيان إلى بحث الجانبين لقضايا متعددة بشكل مقتضب، فإنه تم إفراد مساحة خاصة للقضية الفلسطينية.
وتحرص السعودية على استثمار اللقاءات الرسمية التي تعقدها المنظمات الإقليمية والدولية عبر إجراء مباحثات واجتماعات متزامنة، ويرجع ذلك إلى طبيعة المقاربة السعودية التي تهتم بآلية القمم والاجتماعات للمسئولين رفيعي المستوى، وإلى الرغبة السعودية في تحقيق أهداف رئيسية، يكمن أبرزها في: إظهار دورها الدبلوماسي وأهميتها في الإقليم، والترويج لسياساتها ومقارباتها تجاه القضايا وحل الأزمات الإقليمية والدولية.
ويدرك الجانبان الخليجي والأوروبي أن قمتهم الأولى التي عُقدت في أكتوبر الماضي تمثل لحظة تأسيسية مهمة في علاقاتهما الثنائية، ومن المرجح أن يظهرا اهتمامًا أكبر بالقمة الثانية المقرر انعقادها في السعودية عام 2026، على أن تبذل الأخيرة جهودًا أكبر من أجل ضمان تمثيل أكبر من القمة الأولى، والتي شهدت مشاركة أربع دول خليجية بتمثيل أدنى من رأس الدولة، حيث مثل البحرين ولي العهد الأمير “سلمان بن حمد آل خليفة”، ومثل الكويت رئيس الوزراء الشيخ “أحمد عبد الله الأحمد الصباح”، ومثل عُمان نائب رئيس الوزراء لشئون العلاقات والتعاون الدولي والممثل الخاص للسلطان العماني “أسعد بن طارق آل سعيد”، ومثل الإمارات النائب الأول لحاكم دبي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير المالية الشيخ “مكتوم بن محمد بن راشد”.
وعلى صعيدٍ متصل، تعكس المباحثات القطرية الأوكرانية أهمية الدبلوماسية الخليجية بالنسبة للمصالح والأولويات الأوروبية، خاصةً أن وساطة قطر قد تمكنت من لم شمل 48 طفلًا أوكرانيًا وروسيًا مع عائلاتهم منذ بدء الحرب الأوكرانية، كما سبق لقطر ممارسة دور الوساطة في أفغانستان، وتوسطت عُمان بين إيران وبين الدول الأوروبية والولايات المتحدة في أكثر من ملف، وهناك الوساطات السعودية والإماراتية في تبادل الأسرى والسجناء على خلفية الحرب الأوكرانية، هذا بخلاف الانخراط الدبلوماسي الخليجي في صراعات الشرق الأوسط التي تحظى بأولوية لدى الجانب الأوروبي، مثل الحرب في غزة التي تتوسط فيها قطر (إلى جانب مصر والولايات المتحدة) للتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار، والحرب في السودان التي تنشط فيها الدبلوماسية السعودية بشكل واضح.
مستقبل العلاقات الخليجية الأوروبية:
تكشف التحركات الخليجية والأوروبية مؤخرًا عن الاهتمام بتعزيز العلاقات الثنائية، ومن المرجح أن تشهد الفترة المقبلة دفعة واضحة في العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، من خلال الدخول في مناقشات جادة لإنجاز اتفاق التجارة الحرة وتعزيز التبادل التجاري بين الجانبين، مع الأخذ في الاعتبار أن الجانب الأوروبي يأتي في المركز الثاني بعد الصين كأكبر شريك تجاري للدول الخليجية، بحجم تبادل تجاري بلغ نحو 192 مليار دولار، أما التجارة الخليجية مع الصين فقد بلغت 312 مليار دولار، وذلك وفقًا لبيانات عام 2023.
وتحظى العلاقات الاستثمارية بأولوية متقدمة لدى الجانبين، ففي عام 2022، بلغ حجم الاستثمارات الأوروبية في الخليج نحو 234 مليار دولار بنسبة 41% من إجمالي حجم الاستثمارات الخارجية في الخليج، في حين بلغ حجم الاستثمارات الخليجية في أوروبا نحو 178 مليار دولار بنسبة 38% من إجمالي حجم الاستثمارات الخارجية في أوروبا.
وقد تزيد الدول الأوروبية من اهتمامها بتعزيز العلاقات الأمنية والدفاعية مع الدول الخليجية خلال الفترة المقبلة، وهو ما قد يمتد إلى المساهمة الأوروبية في الترتيبات الأمنية الراهنة أو المحتملة في منطقة الشرق الأوسط، إلى جانب إجراء التدريبات العسكرية المشتركة، وتحديث وتطوير القدرات العسكرية الخليجية، وإمداد السعودية والإمارات بشكل خاص ببعض التقنيات التي تساعدهما في تعزيز الصناعات الدفاعية المحلية.
وفي المجمل، يُمكن القول أنه بالرغم من الرغبة الواضحة لتعزيز العلاقات بين الجانبين، فإن هناك تحديات قد تعرقل هذه التوجهات الإيجابية، ويتمثل أبرزها في اختلاف المقاربات حول كيفية التعامل مع التهديدات في الشرق الأوسط أو أوروبا، وهو ما اتضح في الموقف الخليجي من الحرب الأوكرانية والذي لم يتفق تمامًا مع الموقف الأوروبي، إضافةً إلى الاختلاف البيني سواء داخل الكتلة الخليجية أو الأوروبية حول التعامل مع ملفات محددة، كما أن التعاون في بعض المجالات – مثل المجالات الدفاعية – يتم بالأساس من خلال القنوات الثنائية، ويتأثر بالعديد من العوامل التي قد تقوض هذا التعاون، مثل طبيعة التوجهات داخل البنية السياسية الأوروبية، كما توجد عقبات خارجة عن الإرادة الخليجية أو الأوروبية، فمثلًا، أدى التصعيد الإقليمي إلى توقف العمل تقريبًا في مشروعات الربط والنقل بين الخليج وأوروبا، مثل الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا.
[1] للمزيد، انظر الموقع الرسمي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية: https://www.gcc-sg.org/ar/MediaCenter/News/Pages//news2024-11-25-1.aspx