Search

قمة المناخ … “باكو” والتجاذبات الدولية

30/11/2024

تحرص الدول على عقد المؤتمرات بهدف التعامل مع قضايا التغير المناخي، لاسيما التي يعاني منها الدول الأشد فقرًا، إلا أنه مع بطء تنفيذ التوصيات، يُثار التساؤل حول جدوى تلك المؤتمرات لاسيما أن الدول المتقدمة ليست على استعداد لتطبيق سياسات تنعكس سلبيًا على اقتصادها، ومدى انعكاس ذلك على اقتصادات الدول النامية.

رؤية عامة:

أتت توصيات قمة المناخ Cop29 والتي عقدت في باكو، استكمالًا لسلسلة التوصيات التي توصل إليها مؤتمر Cop27 الذي عُقد في شرم الشيخ، ونتج عنه الموافقة على إنشاء صندوق للخسائر والأضرار، واستكمالًا لتوصيات مؤتمر Cop28، والذي عُقد في الإمارات، وانتهى إلى اتفاق عالمي للانتقال بعيدًا عن جميع أنواع الوقود الحفري بشكل عادل وسريع، إلا أن وتيرة تنفيذ تلك التوصيات تتسم بالبطء الشديد.

وجاء انعقاد مؤتمر قمة المناخ Cop29، في ظل تصاعد غير مسبوق للحروب والصراعات، الأمر الذي يضعف التركيز بشكل عام على قضية مواجهة التحديات المناخية، فضلًا عن فوز الرئيس المنتخب “دونالد ترامب”، والذي تتسم سياساته أنها غير داعمة لقضايا التغير المناخي، ويُدلل على ذلك انسحابه من اتفاقية باريس في يونيو 2017، أثناء فترة ولايته الأولى، وقد عاد إليها الرئيس “جو بايدن” في يناير 2021، واحتمال انسحاب ترامب مرة أخرى من اتفاقيات المناخ خلال ولايته الجديدة.

إشكالية التمويل:

أطلق على المؤتمر “مؤتمر كوب المالي[1]“، رغبةً في أن يكون هدف المؤتمر هذا العام الاتفاق على التمويل اللازم والواجب توجيهه سنويًا لمساعدة البلدان النامية على التعامل مع القضايا المناخية والتكاليف المتعلقة بالتغير المناخي، لاسيما أن اقتصادات الدول النامية لا تستطيع ضخ ملايين الدولارات سنويًا للتعامل مع التغيرات المناخية، في ظل ما تعانيه تلك الدول من أزمات، مثل الديون، وإعطاء أولوية لسياساتها الوطنية.

وقد واجه المؤتمر تحديات كبيرة تتعلق بمسألة التمويل المناخي، إذ كانت ترغب الدول النامية الحصول على تمويل لا يقل عن تريليون دولار سنويًا، على أن يأتي جزء كبير منه مباشرة من الدول الغنية في شكل منح، مع بعض القروض وربما بعض التمويل من القطاع الخاص، كما إن هذه التدفقات المالية ليست كلها منح وإنما هي مزيج تمويلي معظمه قروض والقليل من منح ومشروعات استثمارية.

وعلى الرغم من ذلك، وافق المؤتمر في دورته الأخيرة في باكو على مضاعفة التمويل للدول النامية 3 مرات إلى 300 مليار دولار من 100 مليار دولار، ومن المتوقع أن يبدأ ضخ التمويل في عام 2026، حتى عام 2035، فضلًا عن ضمان تأمين جهود جميع الجهات الفاعلة للعمل معًا، لزيادة التمويل المقدم إلى البلدان النامية من المصادر العامة والخاصة، إلى مبلغ 1,3 تريليون دولار سنويًا بدءً من عام 2035[2].

وقد واجه ذلك الأمر ردود فعل سلبية من بعض الدول النامية، إذ وصف بعضها الاتفاق بأنه غير ملبي لمتطلبات الدول النامية، وبأنه لم ينجح في توفير الدعم الضروري الذي تحتاجه لمحاربة أزمة المناخ، باعتبار أن التمويل المطروح أقل من أن يلبي ذلك احتياجاتها وسط الضغوط التي تواجهها في قضايا التغير المناخي، كما أن القيمة المطروحة لا تُشكل إلا نحو 45 يومًا فقط من الإنفاق العسكري العالمي في 2023، فضلًا عن أن القيمة المطروحة تقل كثيرًا عن الحد الأدنى للتمويل العام الذي قدرته المجموعة المستقلة رفيعة المستوى للخبراء في تمويل المناخ، بمبلغ 390 مليار دولار سنويًا.

في هذا السياق، تحتاج الدول النامية (باستثناء الصين) إلى ما يقرب من 2,4 تريليون دولار سنويًا حتى عام 2030 لتمويل العمل المناخي، ومع ذلك لا يصل إلا نحو 15% فقط من التمويل السنوي إلى الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية (باستثناء الصين)[3]، الأمر الذي يعكس الفجوة الحقيقية في التمويل التي تعاني منها الدول النامية في مواجهة التغيرات المناخية وتمويل العمل المناخي.

ويفاقم ذلك الأمر كون معظم التمويل المناخي يُوجه إلى بلدان معينة وعلى قطاعات محددة، مثل الطاقة المتجددة، وتهميش مجالات أخرى كتوجيه التمويل لآليات التكيف مثل حماية الشواطئ والتصدي لغرق السواحل، ونظم الزراعة والمياه الناتجة من آثار التداعيات المناخية، مما يوجد حيزًا من غياب العدالة والكفاءة في توزيع التمويل، الأمر الذي يجعل الدول النامية تضطر للاستدانة بقروض كبيرة تفوق مقدرتها لمحاربة أزمات ليست المتسببة فيها.

موقف البلدان الغنية:

ترجع أزمة التغيرات المناخية بشكل أساسي إلى الدول المتقدمة، التي تعتبر مسئولة بشكل كبير عن الجزء الكبير من الانبعاثات الدفيئة، كما أن تحول تلك الدول للطاقة الأحفورية يعكس صعوبة التزاماتها بالأهداف العالمية للمناخ، وتسعى الدول المتقدمة حديثًا لبناء منشآتها الصناعية في أفريقيا اتجاهًا منها لتقليل نسبة الانبعاثات الكربونية الصادرة منها، وعلى الرغم من أن أفريقيا لا تتسبب إلا في أقل من 4% من انبعاث غازات الاحتباس الحراري فإنها تعاني من أسوأ آثار ارتفاع درجات الحرارة العالمية[4].

وقد تعهدت الدول المتقدمة سابقًا بتقديم تمويل مناخي يُقدر بنحو 100 مليار دولار في عام 2020، تم تطبيقه فعليًا عام 2022، أي بعد عامين من الاتفاق، وينتهي في عام 2025[5]، وقد أدى ذلك التأخير إلى فقدان الثقة بين الدول الغنية والنامية، واتهام البلدان الغنية بتهربها من مسئولياتها، وبالتالي فقدان الثقة في أي اتفاقيات جديدة يتم الوصول إليها في المؤتمرات المناخية المستقبلية، كما أن نحو 60% من التمويل المخصص الذي تقدمها الدول المتقدمة، يأتي في شكل قروض، مما يزيد بشكل فعلي من الأعباء المالية على الدول التي تعاني بالفعل من ديون ثقيلة، مما يثير الشك في قدرة تلك الدول على مواصلة الاستثمار في العمل المناخي في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.

وتظل قضية تمويل الخسائر والأضرار، من أكثر القضايا التي تثير جدلًا في سياق المناقشات المؤتمرات المناخية، حيث دائمًا ما تماطل الدول المتقدمة في إدراج هذا البند في الاتفاقيات الجديدة.

وفي المجمل، يمكن القول إنه من المهم أن تشكل الدول النامية تحالفات لتعزيز الصوت الجماعي في المؤتمرات المناخية، كأداة ضغط على الدول المتقدمة، مما يزيد من قوة المطالبات بشأن تمويل المناخ واستيراد التكنولوجيا اللازمة للطاقة المتجددة بمنح وقروض ميسرة، ومن الضروري تفعيل آليات المحاسبة والمتابعة والمكاشفة لمراقبة التمويل المقدم من الدول المتقدمة، للتحقق من أن التمويل الممنوح يحقق معايير العدالة والكفء، في سبيل مراقبة كيفية استخدام التمويل المناخي المقدم من تلك الدول والتأكد من أنه يُستخدم بشكل فعال لتحقيق الأهداف المناخية، ويصل إلى الدول الأكثر ضررًا، كما أنه من الممكن بحث إمكانية الربط بين أزمة الديون وقضايا المناخ، عن طريق السعي لإسقاط جزء من الديون الدولية كجزء من مستحقات الدول النامية لدى تلك الدول، كما يمكن إسقاط بعض الديون الخارجية للدول النامية مقابل إنشاء مشروعات البيئية بها.


[1] Lottie Limb, “‘The finance COP’: Here’s what to expect from the COP29 climate summit in Baku next month”, Euro News. 11 October 2024. Available at https://www.euronews.com/green/2024/10/11/the-finance-cop-heres-whats-on-the-agenda-at-the-cop29-climate-summit-in-baku-next-month

[2] “COP29 UN Climate Conference Agrees to Triple Finance to Developing Countries, Protecting Lives and Livelihoods”, UNFCCC. 24 November 2024. Available at https://unfccc.int/news/cop29-un-climate-conference-agrees-to-triple-finance-to-developing-countries-protecting-lives-and

[3]  “البلدان النامية تحتاج 2.4 تريليون دولار استثمارا مناخيا سنويا”، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار – مجلس الوزراء. 1 أغسطس 2024. متاح على https://idsc.gov.eg/News/details/18008

[4]  “الأمين العام: أفريقيا يمكن أن تكون قوة عظمى في مجال الطاقة المتجددة”، الامم المتحدة. 5 سبتمبر 2023. متاح على https://news.un.org/ar/story/2023/09/1123337

[5]“Fractious COP29 lands $300bn climate finance goal, dashing hopes of the poorest Climate home News”, Climate Home News. 23 November 2023. Available at https://www.climatechangenews.com/2024/11/23/fractious-cop29-lands-300bn-climate-finance-goal-dashing-hopes-of-the-poorest/

222
الولايات المتحدة والصين ... التنافس التكنولوجي في قطاع أشباه الموصلات
refug
تداعيات مستمرة: تأزم ملف اللاجئين وارتداداته على دول الشرق الأوسط
ecopeace
السلام الاقتصادي وتسوية الصراعات في الشرق الأوسط
usd
تحولات مستجدة: هل تتراجع هيمنة الدولار عالميًا؟
Scroll to Top