Search

استراتيجية التوسع الصيني في أفريقيا عبر المغرب

08/12/2024

حملت التحركات الصينية في المنطقة المغاربية عددًا من المؤشرات حول أولوياتها الاستراتيجية خلال الفترة القادمة، في ضوء ما تمليه تحولات الساحة الدولية مع قرب تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد “دونالد ترامب”، والذي قد في تبنى سياسات حمائية أوسع في مواجهة الصين، ما يدفعها بالضرورة للبحث عن منافذ بديلة في مواجهة التحديات التجارية والأمنية المحتملة أمام استراتيجيتها، لذلك فقد انخرطت الدبلوماسية الصينية في جهود التهدئة السياسية في مناطق الشرق الأوسط وأفريقيا حفاظًا على استقرار مصالحها.

بوصلة الحركة:

تتمتع الصين بعلاقات جيدة مع القارة الأفريقية خلال نضال التحرر الوطني، وتابعت تطوير هذه العلاقات بعد الاستقلال، وأصبحت قوة اقتصادية عالمية باستخدام آليات التعاون الثنائية أو الجماعية من أجل الحفاظ على انتعاش برنامج التعاون الاقتصادي وتحقيق الاستدامة في العلاقات الصينية لاسيما مع الشركاء الأفارقة، وتأتى أبرز المستجدات التي يمكن من خلالها قراءة الوجهات الاستراتيجية الجديدة لجمهورية الصين الشعبية، في عقد منتدى التعاون الصيني الأفريقي وهو نافذة هامة لتنمية العلاقات الصينية الأفريقية منذ مطلع الألفية، شكلت نسخته الأخيرة (4 – 6 سبتمبر 2024 بالعاصمة الصينية) والتي تركزت دعوات المشاركة فيها على المنظمات والدول الأفريقية الأعضاء في الأمم المتحدة تعبيرًا عن حفاظ الصين على مصالحها في وحدة الأراضي الوطنية، في إشارة إلى رفض مختلف دعوات الاستقلال أو الانفصال المطروحة على الساحتين الآسيوية والأفريقية.

فضلًا عن ذلك، جاءت زيارة الرئيس الصيني “شي جين بينج” للمغرب خلال رحلة عودته من أمريكا الجنوبية، بعد مشاركته في منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك) في بيرو، والقمة 19 لمجموعة العشرين بالبرازيل، واختار التوقف بالعاصمة الاقتصادية “الدار البيضاء” في المغرب في 21 نوفمبر 2024 برغم تزامن الزيارة مع سفر العاهل المغربي “محمد السادس” إلى فرنسا، فإن الرئيس الصيني حرص خلال لقاءه مع ولي العهد “الأمير الحسن”، ورئيس الحكومة “عبد العزيز أخنوش”، على التأكيد على أن بلاده تعمل على تعميق شراكتها مع الرباط في المجال الاقتصادي والتنموي.

تستهدف الصين من التحركات السابقة إيصال رسائل إلى أهم القوى المهيمنة على النظام العالمي، حيث يُتوقع أن تعزز من سياستها التنافسية داخل بلدان ومناطق غرب وشمال القارة الأفريقية عبر البوابة المغاربية، وفي مواجهة النفوذ الغربي، حيث يحظى المغرب بشراكات طويلة الأمد مع المؤسسات الأوروبية والأمريكية على الصعيدين العسكري أو المدني، ومن هذا المنطق تبحث الصين عن سبل جديدة تتجاوز بها العقوبات الغربية بالعمل على توظيف موقع وسمعة المغرب العالمية في قطاعات اقتصادية مهمة، من بينها إنتاج مكونات السيارات الكهربائية بعدما تمكنت من إبرام تفاهمات للتعاون مع ألمانيا والمغرب.

الاندماج الفعال:

ظلت الصين أكبر شريك تجارى في عموم القارة الأفريقية على مدار أكثر من عشرين عام، لاسيما في ظل التعريفات الجمركية الصفرية مع غالبية دول القارة، حيث بلغ حجم التبادل التجاري الصيني مع القارة 282.1 مليار دولار في عام 2023، وبحجم استثمار مباشر للصين بلغ 40 مليار دولار، كما أسهمت الشركات الصينية في بناء أو تحديث أكثر من 10 آلاف كم من خطوط السكك الحديدية، وحوالى 100 ألف كم من الطرق السريعة، و1000 جسر، و100 ميناء، و66 ألف كم من خطوط النقل وتوزيع الطاقة، و 24 مركزًا تجريبيًا للتكنولوجيا الزراعية، ونشر أكثر من 300 تقنية زراعية متقدمة.

وتعظيمًا لتلك الجهود، تستعد الصين لطرح إمكانية المساهمة بدور فعال في برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المغرب، وتعزيز تعاونه مع البلدان المجاورة من خلال إيجاد فرص جديدة لزيادة الاستثمار الصيني في مشروعات البنية التحتية ومد شبكات الطرق والسكك الحديدية والاتصالات ومحطات الطاقة المتجددة داخل الولايات المغربية وخارجها، حيث تتطلع الصين إلى التعاون في تنفيذ “المبادرة الأطلسية” التي طرحها المغرب، لصالح تطوير العلاقات مع الدول الأفريقية الحبيسة في غرب أفريقيا من أجل الوصول لمنافذ على البحر المتوسط والمحيط الأطلسي لخدمة عمليات نقل البضائع والسلع من وإلى القارة، وتفعيل علاقات الشراكة الاقتصادية الصينية المغربية وفق خطة التنفيذ المشترك لمبادرة “الحزام والطريق”، والتي وقعها البلدان في يناير 2022، من أجل زيادة حجم التبادلات التجارية والاستثمارية.

وتنظر الصين باهتمام إلى تأهل المغرب لاستضافة أحداث رياضية دولية خلال عام 2025 وعام 2030، مما يفرض وضع خطط مشتركة لتهيئة المنشآت الرياضية وغيرها من مرافق السكن والنقل، علاوةً على أن المغرب ستنخرط في السنوات القادمة ضمن مشروعات الممر الاقتصادي العالمي الرابط بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، وقد يسهم في ذلك إمكانية تنفيذ خطة الربط مع أوروبا عبر مضيق جبل طارق بأنفاق تحت البحر الأبيض المتوسط.

ديمومة المصالح:

يبدو أن الصين تنشغل بتقييم استراتيجيتها من خلال مراجعة خططها الاستثمارية في المناطق التي قد تُهدد ديمومة مصالحها الحيوية في القارتين الأفريقية والأوروبية، ففي حين تُمهد للمزيد من الاهتمام في علاقتها الاقتصادية والثقافية مع المغرب كوجهة دولية جاذبة وبوابة شمالية لأفريقيا وجسر عبور نحو أوروبا والقارتين الأمريكيتين، فقد تتجنب بكين إدخال استثمارات كبيرة إلى الأقاليم الجنوبية القريبة من مناطق الصحراء الغربية المتنازع عليها.

وليس من الوارد أن تكتفي الصين بتوسيع نفوذها الاقتصادي والثقافي بالقارة الأفريقية، إذ تهتم بصورة ملحوظة برفع بيع الأسلحة لاسيما مع الدول المغاربية توظيفًا لمصلحتهم في تنويع مصادر استيراد السلاح بعيدًا عن شركائهم التقليديين، ويأتي على سلم أولويات الصين في الوقت الراهن تطوير هذه النوعية من العلاقة مع المغرب، بهدف تحقيق التوازن مع ما شهدته العلاقات العسكرية المغربية الهندية مؤخرًا من تطور لافت، حيث بدأت نيودلهي هذا العام في تأسيس قاعدة صناعية داخل المغرب لإنتاج المدرعات القتالية ومعدات عسكرية أخرى من انتاج شركة “تاتا أدفانسد سيستمز” الهندية لصالح الجيش المغربي مع توقعات بتوريدها إلى دول أفريقية أخرى، لذا تكثف الصين من خططها التسويقية لصناعاتها الدفاعية، ومنها الطائرات المسيرة المستخدمة لأغراض عسكرية ومدنية، بدليل مشاركتها في معرض مراكش العسكري (30 أكتوبر – 2 نوفمبر 2024).

وفي الختام، من المتوقع أن تشهد العلاقات الصينية مع دول المغرب العربي تطورات متلاحقة على مختلف الصعد العسكرية والمدنية في محاولة للتفوق على المنافسين الآخرين مع إعلاء اهمية مبادرة الحزام والطريق كاستراتيجية تنموية عالمية، وقد تشكل المغرب على وجه الخصوص وجهة جديدة جاذبة للاستثمار الصيني المباشر، بينما قد تطرح بكين إمكانية الاعتراف الرسمي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية التي تشكل أهم نزاع إقليمي متواصل منذ خروج المستعمرين الأوروبيين من القارة الإفريقية، ومع ذلك، فإن الصين ستؤجل ذلك الاعتراف على المديين القصير والمتوسط.

1111111111111111
المشهد السوري ... تحولات المواقف الدولية
EUGCC
الخليج وأوروبا ... تعزيز الشراكات الجديدة
migration
الخطط الدولية لإدارة تدفقات الهجرة بين أوروبا وأفريقيا
isr-lebanon
سيناريوهات مطروحة: ماذا بعد المواجهة بين حزب الله وإسرائيل؟
Scroll to Top