يعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في فترة رئاسة جديدة، محمّلًا بوعود انتخابية تستهدف عددًا من الملفات الداخلية الاقتصادية والاجتماعية، وتستند إلى رؤيته “أمريكا أولًا”.
وفي خطوة قد تعكس استراتيجيته للسنوات الأربع المقبلة في الرئاسة، اختار ترامب عددًا من المحافظين البارزين المرتبطين بـ “مشروع 2025″، لتولي مناصب في إدارته، وذلك رغم محاولاته النأي بنفسه عن المشروع، الذي يضمّ مجموعة مقترحات سياسية محافظة، فضلًا عن تصريحات سابقة قال فيها إنه “لا يعكس أولوياته”.
وعلى مستوى ضرائب الدخل والرعاية الطبية وبرامج الهجرة والضمان والتنوع الاجتماعي، يمكن أن نرصد تداخلًا بين “أجندة 47” الانتخابية و”مشروع 2025″، وسط ترجيحات أن يتم تنفيذ بعض مقترحات هذا الأخير تحت قيادة ترامب، وبما قد يؤدي إلى تغييرات اقتصادية واجتماعية كبيرة.
“أجندة 47“:
في ديسمبر 2022، وخلال الانتخابات التمهيدية، أعلن ترامب عن مجموعة من السياسات والأولويات كجزء من رؤيته حال فوزه بولاية رئاسية ثانية، تتناول مجموعة واسعة من القضايا الداخلية.
ورغم أن بعض هذه الملفات يتطلب تحقيقها إجراءات داخل الكونجرس، لكن بعضها الآن يمكن إقراره من خلال أوامر تنفيذية.
وتُعد “أجندة 47” منفصلة عن “مشروع 2025” الذي تقوده “مؤسسة التراث”، وكتبه العديد من المحافظين الذين عملوا في إدارة ترامب، ومع ذلك تتشابه الرؤيتان في بعض الجوانب.
وتحدّد وثيقة “مشروع 2025” أربعة أهداف سياسية رئيسية يمكن رصدها فيما يلي:
- استعادة الأسرة باعتبارها جوهر الحياة الأمريكية.
- تفكيك البيروقراطية الإدارية.
- الدفاع عن سيادة الأمة وحدودها.
- تأمين الحقوق الفردية.
ونأى ترامب بنفسه أكثر من مرة عن “مشروع 2025″، قائلًا إنه “لا يعكس أولوياته”، لكن العديد من مرشحي ترامب لشغل مناصب قيادية في وزارات ووكالات حكومية، يمكن أن يلعبوا دورًا كبيرًا في تنفيذ السياسات التي يتضمنها المشروع، حتى وإن لم تكن جزءًا من الأولويات التي يروج لها الرئيس شخصيًا.
تعزيز الاقتصاد:
يأتي الاقتصاد على رأس أولويات ترامب في ولايته الثانية بعد غياب 4 سنوات عن البيت الأبيض، وكان هذا الملف هو السبب الأكبر وراء تصويت الأمريكيين له في انتخابات 2024، وفق العديد من الاستطلاعات، إذ شمل برنامجه مجموعة سياسات تهدف إلى تعزيز الاقتصاد الأمريكي.
وضاعف ترامب من وعوده الاقتصادية في الأسابيع التي تلت فوزه بالانتخابات، ولكنه يبدأ عام 2025 لمواجهة منافسين عالميين قد يكون لديهم خطط أخرى، من قبيل الصين والاتحاد الأوربي.
وفي “أجندة 47″، خطّط ترامب لخفض الضرائب، خاصة بالنسبة للشركات والأثرياء، بهدف تشجيع الاستثمار وزيادة النشاط الاقتصادي، إذ يرى أن تقليل الأعباء الضريبية، سيُسهم في زيادة قدرة الشركات على التوسع، وتوظيف المزيد من العمال، مما يعزز النمو الاقتصادي.
ومن المتوقع تمديد تخفيضات الضرائب، التي أُدخلت في إصلاح ترامب الضريبي لعام 2017، مثل خفض معدل الضريبة على الشركات إلى 15% من 21% الحالية، إلى جانب إلغاء بعض الضرائب، التي تم فرضها على الطاقة في “قانون خفض التضخم”، والتي تهدف إلى مكافحة تغير المناخ.
ترحيل المهاجرين:
مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض، تعهد بتنفيذ أكبر عملية ترحيل محلية في التاريخ الأمريكي التي قد تستخدم لتطبيقها قوات عسكرية.
وقد تكون هذه الخطة هي الأكبر منذ حملة Wetback التي قادها الرئيس السابق دوايت أيزنهاور في خمسينيات القرن العشرين، وأسفرت عن ترحيل أكثر من مليون شخص إلى المكسيك.
ويخطط ترامب لتنفيذ سلسلة من سياسات الهجرة الصارمة التي تهدف إلى “تقليص تدفق المهاجرين غير القانونيين إلى الولايات المتحدة، وتقليل عدد الأفراد الذين يحصلون على مزايا أو يدخلون البلاد بشكل غير قانوني.
ويتضمن ذلك منع المهاجرين غير المسجلين من تلقي المساعدات الحكومية أو أي فوائد أخرى، وإنشاء معسكرات اعتقال ضخمة يتم فيها احتجازهم قسرًا، مع التركيز على إنهاء مبدأ “المواطنة بالميلاد”، وهو الحق الذي يضمن الحصول على الجنسية للمولودين في الولايات المتحدة، حتى وإن كان الوالدان غير مسجلين.
ومن المتوقع أيضًا إعادة فرض “حظر السفر” على دول معينة، خاصة التي تعتبرها إدارة ترامب الجديدة تهديدًا للأمن القومي، وهو ما طبقه ترامب سابقًا خلال ولايته الأولى في عام 2016، والذي تضمّن منعًا مؤقتًا لدخول المسافرين من 7 دول ذات أغلبية مسلمة، قبل أن يلغيه الرئيس بايدن أول يوم لرئاسته.
من جهة أخرى، يخطط ترامب لإيقاف قبول اللاجئين الذين يبحثون عن الحماية في الولايات المتحدة، وكذلك فرض تدقيق أمني صارم على المهاجرين الأجانب قبل السماح لهم بالدخول.
الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي:
تعهد ترامب أيضًا بإلزام الوكالات الفيدرالية، بشراء الأدوية والأجهزة الطبية المصنعة محليًا فقط، ومنع الوكالات الفيدرالية من استيراد أدوية “أساسية”، ما قد يكون له تأثير على الأسواق العالمية للأدوية.
أما الشق المتعلق بالتأمين الصحي، فمن المنتظر تنفيذ خطة لإصلاح الرعاية الصحية، لكن الكثير منها يتلخص في تحرير أسواق التأمين ليتسنى لكل شخص اختيار التأمين المناسب له وفقًا لاحتياجاته، ما يعني تخفيف التضامن الإجباري وخفض تكاليف الرعاية الصحية على الحكومة.
كما وعد ترامب باستبدال قانون “أوباما كير”، منتقدًا كذلك قانون الرعاية الميسرة الذي ألزم شركات التأمين بضم أولئك الذين يعانون من حالات مرضية سابقة إلى خططها وتغطية جميع الإجراءات الطبية الضرورية، وهو ما يتطلب مشاركة الأصحاء في دفع تكلفة أكثر قليلًا لتغطية النفقات الطبية للمرضى والفقراء.
وهكذا تتنوع المجالات التي يمكن أن يطالها تغيير كبير مع ولاية ترامب الثانية، لتعكس وجهة نظره أو وجهة نظر مشروع 2025 الذي وضعته واحدة من أهم مؤسسات الفكر في الولايات المتحدة، ويبقى الحكم رهنًا بالتنفيذ على أرض الواقع.
ترامب