Search

مسارات واتجاهات الأزمة السودانية

03/02/2025

تشير اتجاهات الأحداث في السودان إلى استمرار حالة التأزم على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية والإنسانية، وذلك استنادًا إلى عددٍ من المؤشرات الدالة على استمرار هذه الأزمة، وفي ظل استمرار المواجهات العسكرية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، والتي أسفرت عن تحقيق الجيش عدد من الانتصارات الميدانية المهمة، خاصةً في ولاية الخرطوم، وفي ولاية الجزيرة، حيث كشف الجيش السوداني في الأول من فبراير الجاري عن استعادته للسيطرة على بعض المدن (رفاعة – تمبول – الهلالية – الحصاحيصا) بولاية الجزيرة وذلك بعد أن سيطر على عاصمتها “ود مدني” في شهر يناير 2025، وفي المقابل تواصل قوات الدعم السريع محاولة السيطرة على مدينة الأبيض بولاية شمال كردفان وسط السودان، وذلك بعد نجاح الجيش السوداني في التقدم في مناطق عدة بالولاية خلال الأيام القليلة الماضية.

استمرار التصعيد العسكري:

تشير المعطيات الراهنة إلى استمرار المواجهات العسكرية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وذلك استنادًا إلى عدة اعتبارات رئيسية، من أبرزها: إعلان الجيش السوداني وضع استراتيجية عسكرية تكتيكية تهدف بشكل رئيسي إلى حسم الصراع ضد قوات الدعم السريع والقضاء على المُقدرات العسكرية لهذه الميليشيات، وهو ما أكدته التصريحات الأخيرة لقائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن “عبد الفتاح البرهان”، حيث أكد فيها على “التزام القوات المسلحة باستعادة الأراضي التي تسيطر عليها مليشيا آل دقلو ومرتزقتها”، وتأكيده أيضًا على “أهمية تطهير الأراضي السودانية من أي وجود غير شرعي لقوات الدعم السريع”، وجاءت هذه التصريحات عقب نجاح القوات المُسلحة السودانية في استعادة السيطرة على مدينة “ود مدني” عاصمة ولاية الجزيرة وسط السودان، حيث تمكن الجيش السوداني من دخول المدينة ضمن خطة استراتيجية وضعها الجيش لاستعادة السيطرة على المدن والمناطق التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع منذ اندلاع الصراع في أبريل 2023.

وامتدادًا لسلسلة الانتصارات الميدانية المهمة التي حققها الجيش السوداني، فقد تمكن من استعادة ولايات وسط السودان، خاصةً الجزيرة والنيل الأبيض وسنار، بالإضافة إلى تحقيق عدد من الانتصارات في عدد من المناطق بالخرطوم ومدن بحري وأم درمان.

وفي هذا الاطار، فإنه من المتوقع أن يواصل الجيش السوداني تطبيق رؤيته الاستراتيجية الخاصة بمواصلة المواجهات العسكرية ضد الدعم السريع، والتي سيستند فيها إلى تكثيف تحركاته الميدانية بهدف ربط شمال كردفان بالنيل الأبيض، والنيل الأبيض بالخرطوم والجزيرة، والجزيرة بالخرطوم، وغرب وجنوب الخرطوم بالقيادة العامة في شرقها، وربط القيادة العامة بسلاح الإشارة في بحري، وربط القوات الأخرى في بحري بسلاح الإشارة، وذلك في إطار رؤية استراتيجية تهدف بشكل رئيسي إلى تغيير توازنات القوى على الأرض ومن ثم حسم الصراع لصالحه، وفي نفس الوقت إلحاق المزيد من الخسائر المادية والبشرية في صفوف قوات الدعم السريع، الأمر الذي يعني فقدانها ما حققته من مكاسب خارج إقليم دارفور.

ومع مواصلة الجيش السوداني تطبيق استراتيجيته العسكرية لتغيير موازين القوى لصالحه وتوظيف ذلك لحسم الصراع الممتد منذ أبريل 2023 وحتى الآن، فإن قوات الدعم السريع سوف تزيد من حدة مواجهاتها العسكرية بغرض الحفاظ على ما حققته من مكاسب على الأرض طوال العشرين شهرًا الماضية منذ بدء الصراع، خاصةً في إقليم دارفور الذي نجحت في فرض سيطرتها على أربع ولايات منه (شرق – غرب – جنوب – وسط)، مع محاولاتها المكثفة لاقتحام مدينة “الفاشر” عاصمة ولاية شمال دارفور، إلا أنها لم تنجح في تحقيق ذلك حتى الآن، بسبب نجاح الجيش السوداني في صد هذه المحاولات، وبالتالي فإنه من المتوقع أن تواصل قوات الدعم السريع حصار مدينة الفاشر في محاولة لتنفيذ المخطط الخاص بالسيطرة على كامل إقليم دارفور، وهو ما يعني اتجاه الأوضاع نحو مزيد من التصعيد العسكري بين الجيش السوداني والدعم السريع في الإقليم.

تفاقم الأوضاع الإنسانية:

من المتوقع أن تزداد حدة الأزمة الإنسانية في السودان، حيث يعاني حوالي 25 مليون شخص والذين يمثلون حوالي 50% من إجمالي الشعب السوداني، من نقص حاد في الغذاء، وهو ما تزداد معه الحاجة الماسة إلى المساعدات الإنسانية بما في ذلك الغذاء والدواء، خاصةً مع انتشار الأوبئة والأمراض المعدية بسبب تراجع النظام الصحي، إذ تشير الإحصائيات إلى ارتفاع خسائر القطاع الصحي إلى حوالي 11 مليار دولار، وارتفاع عدد المصابين بالكوليرا إلى حوالي 48 ألف مصاب، وارتفاع معدلات سوء التغذية بين الأطفال، الأمر الذي سوف تزداد معه الأزمة الإنسانية في السودان خلال الفترة المقبلة.

التسوية السياسية للأزمة السودانية:

تشير التوقعات إلى استمرار الجهود الإقليمية والدولية في دفع طرفي الصراع نحو وقف إطلاق النار والعودة إلى المفاوضات مرة أخرى، والتي توقفت بسبب عدم التزام قوات الدعم السريع بما نص عليه اتفاق جدة الموقع بين الجيش والدعم السريع في مايو 2023، خاصةً فيما يتعلق بالإنسحاب من الأحياء السكنية والخروج من العاصمة الخرطوم والتجمع في أماكن محددة بعد نزع سلاحهم، والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين في مناطق الصراع.

كما يُتوقع أن تهتم الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة “دونالد ترامب” بالتدخل في محاولة لإنهاء الصراع القائم بين الطرفين، وذلك من خلال زيادة وتيرة الضغوط الدولية، ودفعهما لعقد جولة جديدة من المفاوضات بالتنسيق مع كل من مصر والسعودية مع إمكانية توظيف سلاح العقوبات بشكل أكبر ضد الأطراف المعرقلة للتسوية السياسية في السودان، لاسيما أن “ترامب” يتبنى مبدأ تطبيق العقوبات كسلاح قوي لتنفيذ توجهات السياسة الخارجية، وكذلك سابقة فرض عقوبات على قائد الدعم السريع “حميدتي” وعدد من مساعديه وبعض الشركات الداعمة له، مع اتهام قوات الدعم السريع بارتكاب انتهاكات جسيمة خلال فترة الصراع الممتد منذ أبريل 2023.

ختامًا، فإن المعطيات الراهنة تُرجح أن يشهد العام الحالي – أو على الأقل في منتصفه – استمرار التصعيد العسكري بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، مع تزايد التوقعات الخاصة بأن يتمكن الجيش السوداني من تحقيق المزيد من الانتصارات الميدانية خاصةً في الخرطوم، الأمر الذي قد يساعد الجيش على حسم الصراع لصالحه، مع عدم استبعاد استمرار مظاهر عدم الاستقرار السياسي في ظل الاتجاه نحو تشكيل الدعم السريع لحكومة موازية في مناطق سيطرتها ببعض الولايات السودانية.

ومن المتوقع كذلك أن يواصل الجيش السوداني التصدي لمحاولات الدعم السريع لتوسيع النطاق الجغرافي للمواجهات المسلحة خاصةً باتجاه إقليم شرق السودان (كسلا – القضارف – البحر الأحمر)، حيث شهد العام الماضي بعض المحاولات من قبل الدعم السريع لاستهداف مدينة بورتسودان التي أصبحت المقر الإداري للحكومة السودانية منذ اندلاع الصراع.

Latin america ch-us
الولايات المتحدة والتحركات الصينية في أمريكا اللاتينية
S
الأزمة السياسية في كوريا الجنوبية ... أي مستقبل مطروح؟
B
أبعاد ودلالات الإصلاح والتطوير في المؤسسة العسكرية البريطانية
USCHINA
الذكاء الاصطناعي... أي حوار أمريكي صيني مطروح؟
Scroll to Top