Search

مصر والأزمة السودانية.. موسم الهجرة إلى الجنوب

09/02/2025

في خضم الأحداث التي تمر بها المنطقة على جبهات متعددة، لا يمكن أن يتوه منا أو نغفل عن السودان الشقيق، وأزمته الحادة ومعاناة شعبه الكبرى. واستلهامًا لرواية الأديب السوداني المبدع “الطيب صالح”، “موسم الهجرة إلى الشمال”، فالاهتمام والجهد من أشقاء السودان ومحيطه العربي والأفريقي، فضلًا عن المجتمع الدولي، واجب الهجرة إلى الجنوب .. إلى السودان.

من حيث الزمان والمكان فالأزمة في السودان حيوية بامتياز، التوقيت حرج وضاغط وطنيًا وإقليميًا ودوليًا، وساحته السودانية هي الامتداد الطبيعي للساحة المصرية، وكلتاهما كانتا يومًا ما غير بعيد ساحة واحدة مشتركة لشعبي وادي النيل. وكأن النوائب لا تأتي فرادى؛ فلا تكفي الرياح العاصفة الآتية من الحدود الغربية والشرقية، فتضاف إليها عواصف الجنوب، فتغدو لأهل مصر العواصف غربكم وشرقكم وجنوبكم والبحر شمالكم.

أولًا: العودة إلى الجذور:

ثمة علاقة مرضية باضطراب مزمن بين المركز والأطراف، نتجت عنها تشوهات سياسية/اقتصادية/اجتماعية؛ جعلت السودان الرسمي الواحد نظريًا ينطوي عمليًا على عدة سودانات، إن لم تكن متنافرة فهي على الأقل غير متوائمة.

طرح المفكرون السودانيون منذ زمن مفهوم “التمازج” سبيلًا لتجاوز التناقضات ولكن الواقع السياسي السوداني تطور في الاتجاه المعاكس، فتعمقت التناقضات حتى صار الانفصال جاذبًا وليست الوحدة، عكس الطرح السياسي الذي سعت إليه مصر قبيل انفصال الجنوب، فانفصلت جوبا سياسيًا عن الخرطوم، وسعت وما تزال دارفور وجنوب كردفان.

ثمة جذور عرقية وقَبَليِّة ذات انعكاسات عميقة على الواقع السوداني، لا يتسنى تجاوزها بإنكارها، ولا عبورها بالقفز فوقها، ولا إذابتها بمُرَكَّب إكسير إسلامي/عربي ينشد هوية واحدة بالضرورة للمتعدد بالطبيعة.

هذه التفاعلات المعقدة تتم في وسط أكثر تعقيدًا؛ فالمجتمع السوداني مُسَيَّس بثقافة تكوينه المتعدد الأعراق، ومثقف بتأثير مفكريه وأدبائه المرموقين.

محاولة مزج السياسة بالدين وإلباس الواحد منهما ثوب الآخر زادت الأمور تعقيدًا، خدمت مصالح البعض وقوضت مصالح الوطن، تصورها البعض مخرجًا فأدخلت البلاد في أتون الخلاف والاضطراب والفوضى في مسلسل مازالت تتداعى حلقاته والبقية تأتي.

سبق اندلاع القتال مؤشرات إنذار، تصاعدت تدريجيًا مع تعثر العملية السياسية، حيث تفاقمت الخلافات بشكل أساسي حول ما يلي:

  1. طبيعة قيادة المرحلة الانتقالية، الجيش أراد قيادة منفردة، والدعم السريع أرادها قيادة مشتركة تحت قيادة مدنية. ودمج الدعم السريع في الجيش السوداني، سواء من حيث المدة بين تمسك الجيش بالعامين والدعم السريع بعشر سنوت، أو من حيث الاشتراطات المؤهلة للدمج التي تستثني العديد من عناصر الدعم السريع.
  2. اتفاق الإصلاح السياسي وبدء المرحلة الانتقالية، حيث كان من المفترض في ضوء اجتماعات العملية السياسية التي قادتها الآلية الثلاثية أن يتم في أبريل ٢٠٢٣ توقيع الاتفاق النهائي، يليه الاتفاق على الدستور الانتقالي ثم حكومة تصريف الأعمال خلال نفس الشهر لمدة ٢٤ شهرًا. ولكن الخلاف حول وضعية الجيش ومدي تبعيته لرئيس الوزراء المدني، والإطار الزمني لحكومة تصريف الأعمال، حيث تمسكت قيادة الجيش بوضعية مستقلة ومد أمد حكومة تصريف الأعمال، أُفضى بدلًا من التوافق السياسي إلى انهياره.
  3. الخلافات حول السياسة الخارجية، خاصة العلاقات مع إسرائيل وروسيا ودول الجوار، حيث تباينت توجهات قيادتي الجيش والدعم السريع، ورأت الأولي أن الثانية تسعى لإقامة مسار موازي مستقل.

في ضوء ما تقدم انتهى الأمر إلى معادلة صعبة؛ فلا اتفاق سياسي، مع انهيار اقتصادي، وعنف قبلي، فقتال عسكري طاحن دمّر السودان ومقدراته وشرد أهله.

ثانيًا: الانعكاسات والتداعيات:

توجد تداعيات أمنية حقيقية؛ فالحدود المشتركة جنوبًا مع السودان (١٢٧٦ كم) تفوق تلك الممتدة مع الجار الليبي غربًا (١١١٥ كم)، والاستقرار على الحدود وخلفها في الجنوب على المحك. وما يمكن أن ينفذ عبر هذه الحدود من بشر ومواد وإرهاب وتهريب ومختلف صور الجرائم العابرة للحدود خطير الأثر، وعسير المنع والضبط والتحكم فيه.

كما أن هناك تداعيات اقتصادية في طريق مزدوج؛ فالصادر من الشمال والوارد من الجنوب كلاهما عرضة للتقلص، ويمكن إيجاز التأثير الاقتصادي في تعثر التجارة بتقويض طرق انسيابها، والاستثمار النافر بالضرورة من أي اضطراب، وأزمة اللاجئين بمعاناتهم الضاغطة على اقتصاد يعاني، وانكماش السياحة مع أي توتر مجاور، والأمن باحتياجاته المتزايدة خصمًا من اقتصاد بحاجة إلى موارد إضافية.

أما التداعيات السياسية، فتحيلنا إلى عوامل المكان والمكانة خاصة في أولى نطاقات المصالح الوطنية الاستراتيجية العليا، وثانيها التكلفة العالية للخيارات السياسية سواء بالفعل أو رد الفعل أو عدم الفعل، وثالثًا وليس آخرًا الأثر البالغ في حالة وجود نظام سياسي عبر الحدود يجعل الخرطوم في تضاد مع القاهرة.

ثالثًا: أزمة اللاجئين:

استقبلت مصر نحو 9 ملايين لاجئ من أقطار مختلفة، وتعاملت معهم بمحاولة استيعابهم في مسالك الحياة الطبيعية المصرية، بفعل الأزمة السودانية الراهنة لجأ في الشهور الأولى حوالي ٣٥٠ ألف سوداني إلى دول الجوار نصفهم إلى مصر، تضاعف العدد مع طول الأمد، وبلغ عدد اللاجئين السودانيين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين حتى ٢٠ سبتمبر ٢٠٢٤ عدد ٥٠٣,٩٩٣، هذا فضلًا عن غير المسجلين وهم كُثرٌ. كما نزح داخليًا مع بدايات الأزمة حوالي المليون، تزايدوا لاحقًا وتحول عدد منهم بدورهم إلى لاجئين مع ازدياد الأحوال تأزمًا، وما زال هذا حادثًا مع استمرار الأزمة.

حسب تقارير المنظمة الدولية للهجرة والمفوضية السامية لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، فإن مصر تستضيف نحو ٩ ملايين لاجئ من عدد اللاجئين في العالم البالغ ما يقرب من ١٠٣ مليون لاجئ، بما يعني أن مصر وحدها تتحمل عبء استضافة نحو ٩٪ من إجمالي عدد اللاجئين في العالم.

تشير التقديرات إلى أن تكلفة ذلك على مصر تقدر سنويًا بحوالي ١٠ مليارات يورو إن لم تتجاوز ذلك، وهو ما يمثل ضغطًا كبيرًا على الموارد المصرية المحدودة وميزانيتها المثقلة. كما أن العبء الاقتصادي يغدو يسير التحول إلى عبء أمني متعدد الأبعاد.

من المفارقات أن تركيا قد استخدمت ورقة اللاجئين السوريين لتحصل من الاتحاد الأوروبي على ستة مليارات يورو، وأن الولايات المتحدة أعلنت مع بدايات الأزمة أنه ضمن حوالي ٢٤٥ مليون دولار ستقدمها لدول الجوار السوداني للتعامل مع عبء اللاجئين ستمنح مصر حوالي ٦ مليون دولار فقط. إن المساهمات الغربية والدولية محدودة ومتقاعسة، وأولوياتها في اتجاه آخر اتصالًا بالأزمة الأوكرانية، وأوروبا أمام اللاجئين الفارين من ساحات القتل والدمار مُغَلَّقة الأبواب.

رابعًا: التقاطعات الإقليمية الشائكة:

بات واضحًا أن كلًا من طرفي الصراع السوداني الأساسيين مدعوم تسليحيًا وماديًا بأطراف إقليمية غير خافية وإن لم تعلن ذلك صراحة، في تقدير البعض أن الطرف البادئ بالصراع – بغض النظر عن الاتهامات المتبادلة بمن البادئ – ما كان ليقدم على إشعال الفتيل إن لم يكن قد أعد العدة واطمأن إلى دعم حلفائه الإقليميين. ولكن تكشف خطأ حسابات كل طرف بإمكان حسم الصراع لصالحه سريعًا، فطال الأمد وبلغ الضحايا والدمار أبعادًا مأساوية.

كما تَكَشَّف نمط إقليمي جديد من التحالفات الناقصة أو حسب الاختيار، فطرف قد يتحالف معك في قضية ومع خصمك في قضية أخرى، قد يساعدك في أزمة ويورطك في غيرها.. ولذا تبدو التقاطعات الإقليمية في الأزمة السودانية شائكة وملتبسة وعصية على الفهم والهضم.

ثمة فراغ استراتيجي محيط يعمل في اتجاهين متضادين يزيدان الأمور تعقيدًا؛ فساحة الساحل الأفريقي بدوله المتآكلة أمنيًا واقتصاديًا تمثل قوة طرد وتصدير لمشكلاتها الحادة إلى الجوار السوداني فتزيده اشتعالًا. وساحة الشرق السوداني، خاصة دارفور بثرواتها الذهبية والصراع المزمن عليها بطموح الانفصال، يمثل قوة جذب لأحد طرفي الصراع الراهن في السودان ومناصريه قَبَليًّا وعسكريًا وسياسيًا للتموضع والتمرس هناك، فيكون هذا ملاذهم الآمن سواء أمكن الاتفاق بين الفرقاء أم تعذر، ويبدأ مسلسل آخر من سلخ الأطراف السودانية بعد ذبح مركزها.

خامسًا: التشابكات الدولية المُعَقَّدَة والمُعَقِّدة:

تتكون الآلية الثلاثية في السودان من الاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة، والهيئة الحكومية للتنمية (الإيجاد) التي تتكون من ثماني دول هي: جيبوتي والسودان وجنوب السودان والصومال وكينيا وأوغندا وإثيوبيا وإريتريا. والآلية الرباعية في السودان أطرافها السعودية والإمارات وبريطانيا والولايات المتحدة. وهما اللتان بادرتا بالتحرك في بداية الأزمة، قبل أن تصاب لاحقًا بالجمود. 

تلا ذلك الآلية الموسعة للاتحاد الأفريقي أقرت بدور لدول الجوار الأكثر تأثرًا وضمنيًا وفعليًا من بينها مصر. كما بادرت مصر لاحقًا إلى استضافة اجتماع إقليمي لدول الجوار لبحث التعامل مع الأزمة السودانية. كذلك استضفت القاهرة عدة اجتماعات للفصائل السودانية، بمبادرات رسمية وشبه رسمية، لمحاولة تقريب المواقف وتسوية الأزمة.

ولكن مازالت المعادلات تبحث عن الحلول، فبعض الأطراف مازالت عصيّة على الحوار، وبعض من يشاركون غير قادرين على فرض واقع جديد على الأرض. يستلفت النظر كذلك أن إسرائيل في بداية الأزمة عرضت إمكان قيامها بوساطة بين الطرفين المتصارعين، بما يعني أن لها علاقة وطيدة بالطرفين.

كذلك تواترت التقارير في بدايات الأزمة حول علاقة الدعم السريع بقوات فاجنر الروسية، وتوريد الذهب لدعم الاقتصاد الروسي إزاء العقوبات الغربية بسبب حرب أوكرانيا، وتسليح فاجنر للدعم السريع بما في ذلك بالصواريخ المضادة للطائرات.

الأمم المتحدة في ضوء اجتماعات مجلس الأمن في بدايات الأزمة والاستقطاب الحادث داخله، اعتبرت الأزمة السودانية مسألة داخلية لا تستوجب تدخلًا دوليًا سوى المناشدة بوقف القتال والمساعدات الإنسانية، وتجديد بعثة الأمم المتحدة هناك (يونيتامس)، التي تم إنشاؤها بقرار مجلس الأمن ٢٥٢٤ لعام ٢٠٢٠، لمدة ١٢ شهرًا تم تجديدها عدة مرات آخرها في ٢ يونيو ٢٠٢٣ لمدة ستة أشهر. وهي بعثة سياسية خاصة ليست قوات لحفظ السلام، كانت ولايتها تقديم الدعم للسودان خلال انتقاله السياسي لحكم ديمقراطي – كان مأمولًا آنذاك – وتعزيز وحماية حقوق الإنسان واستدامة السلام.

وجاء قرار مجلس الأمن بالتمديد لعمل البعثة بعد أيام من توجيه رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق البرهان خطابًا للسكرتير العام للأمم المتحدة ينتقد فيه عمل البعثة، ويشكو من سوء إدارة وانحياز رئيسها (الألماني “فولكر بيرتس”) ويطالب باستبداله. ولكن السكرتير العام جدد الثقة في رئيس البعثة، التي غدت ولايتها على أي حال غير مواكبة وتجاوزها مسار الأحداث في أعقاب أزمة ١٥ أبريل، وصولًا إلى قرار مجلس الأمن في أول ديسمبر ٢٠٢٣ بإنهاء ولاية هذه المهمة وسحبها في غضون مدة زمنية ثلاثة أشهر انتهت في ٢٩ فبراير ٢٠٢٤.

تجدر الإشارة إلى أن مجلس الأمن كان قد فرض عقوبات على السودان منذ ما قبل اندلاع الأزمة الجارية (لجنة العقوبات بقرار مجلس الأمن١٥٩١ في ٢٩ مارس ٢٠٠٥)، وقد تم مؤخرًا تمديد ولايتها بقرار مجلس الأمن ٢٧٥٠ في ١١ سبتمبر ٢٠٢٤ حتى ١٢ سبتمبر ٢٠٢٥؛ وتشمل حظر توريد السلاح وتجميد الأرصدة وحظر السفر لعدد من المسئولين السودانيين.

ثم تقدمت بريطانيا خلال رئاستها لمجلس الأمن في نوفمبر ٢٠٢٤ بمشروع قرار، بالمشاركة مع سيراليون، يطالب الأطراف المتحاربة في السودان بوقف القتال وحماية المدنيين والسماح بنفاذ المساعدات الإنسانية. فتم إسقاط مشروع القرار بالفيتو الروسي، بتنسيق مع حكومة جيش السودان المتقاربة مع روسيا حاليًا، والتي ترفض مخاطبة القرار للأطراف المتحاربة على قدم المساواة، إذ ترى أن هناك حكومة شرعية يرأسها الفريق البرهان مقابل جماعة مسلحة غير شرعية ممثلة في قوات الدعم السريع وقيادتها.

ثمة تقدير لدى بعض المحللين بأن قيادتي طرفي الصراع الحاليين لا يمثلان طريق المستقبل السوداني، ولذا فلا بأس لدى عدد من الأطراف الدولية والإقليمية من إضعافهما معًا، وتركهما يستنزفان بعضهما البعض في قتال عبثي، مع محاولة تدارك الآثار الإنسانية، عسى أن يسهل التأثير والسيطرة عليهما لاحقًا أو السماح بظهور بديل أكثر قبولًا ومصداقية. والحسابات الغربية تستهدف أن يكون البديل مدنيًا على حساب المكون العسكري بطرفيه المنقسم على ذاته بذاته لذاته ومصالحه بالأساس. 

سادسًا: في مجريات مياه النيل والعلاقات مع إثيوبيا والسد الإثيوبي: 

ليس في المستجدات جديد جوهري بالغ الأثر في حد ذاته. فالأمر معقد من البداية، والجانب السوداني رأى مصالحه في خانة أخرى غير مصرية، سواء قبل سقوط حكم البشير أو بعده، وسواء قبل أزمة ١٥ أبريل أو بعدها.

الشواهد كثيرة، والرهان على جبهة واحدة مضادة للشريك الإثيوبي لم يفلح، وقد لا يتغير ذلك كثيرًا، مع ذلك فإن الأزمة السودانية، التي نشبت قبيل الملء الرابع للسد، وتداعياتها تفتح الباب لمعطيات جديدة مازالت غير معلومة، وبالتالي تُدخل المزيد من المتغيرات في موضوع معقد أصلًا تزيدها تعقيدًا. ففي غياب الشريك السوداني المستقر داخليًا، يغدو من المتعذر استئناف عملية تفاوضية أو تشاورية تفضي إلى تفاهم أو اتفاق. وقد اتخذ الجانب المصري قراره بوقف المفاوضات الثلاثية لعدم جدواها. كما أن الأولويات تتبدل للأطراف الثلاثة والشركاء الإقليميين والدوليين، فتغدو مسألة السد والتوافق حولها تحاول أن تحد لها مكانًا ضمن أولويات متزاحمة لقضايا أخرى عديدة، إقليميًا ودوليًا.

سابعًا: سيناريوهات مفتوحة الاحتمالات:

انتصار ساحق لأحد الطرفين، وهو أمر مستبعد إذ لا يسمح به توازن القوى ولن يسمح به حلفاؤه في الداخل والخارج.

اتفاق على العودة للعمل معًا على أرضية ما قبل ١٥ أبريل، غير ممكن بعد انهيار الجسور الهشة بين الطرفين والدخول في صراع اللاعودة.

فرض تسوية خارجية، سواء من خلال مسار جدّة المجمد أو الآليات المتعددة الأطراف، بما فيها الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، وهي لم تفلح بإيجاد وقف إطلاق نار نافذ ولا تسوية ناجزة حتى الآن، وإن كانت مستمرة وضاغطة.

محاولات انفصالية، مستمرة ومدعومة خارجيًا نجحت في جنوب السودان؛ ومن الوارد تكرارها؛ خاصة في دارفور وجنوب كردفان والشرق، والتي تعود إلى المناداة بحق تقرير المصير منذ العام ١٩٥٨ عندما دعا مؤتمر تأسيسي للبجا ببورسودان الحكومة المركزية في الخرطوم لاعتماد الحكم الفيدرالي. ومكمن خطورة مطالب استقلال الإقليم الشرقي – الذي يضم ولايات القضارف وكسلا والبحر الأحمر – أن المنطقة تضم سواحل السودان على البحر الأحمر بطول نحو ٨٠٠ كم، كما يطل شرق السودان على دول ذات إشكاليات حدودية مع السودان؛ إثيوبيا فيما يتعلق بأراضي الفشقة الزراعية بالقضارف، وإريتريا اتصالًا بمنطقة كسلا، ومصر بشأن مثلث حلايب.

دخول الصراع كما حدث حتى الآن لفترة دائرة الصراعات المجمدة لفترة قد تطول أكثر، وإن كان تفاقم الأزمة الإنسانية بات يمثل عنصرًا ضاغطًا بشكل متزايد، إزاء المنطق أو اللا منطق السائد مؤخرًا بأن القضايا المعقدة لا تُحل، ولكن تتراجع فى الأولوية بفعل قضايا أخرى أكثر حدة وإلحاحًا.

في نفس الوقت فإن الأزمة بعد كل هذا الدم والدمار لم يعد الخروج منها قاصرًا على أطرافها فقط، فهي بحاجة أيضًا إلى توافقات إقليمية ودولية من أجل إنهاء الاقتتال، والحفاظ على وحدة السودان، وانتشال الاقتصاد، وإعادة الإعمار.

ثامنًا: الطريق إلى الأمام:

علاقات الدول كائن حي؛ ينمو ويتطور ويزدهر وأيضًا يعتل ويتدهور وينتكس، ويتم ذلك من منظور زمني ممتد. ومن المآزق الاستراتيجية أن علاقتنا بالسودان وإثيوبيا يقف فيها الماضي العاثر أمام الحاضر المضطرب، فيجعل طريق المستقبل وعرًا ضبابيًا. ثمة مراجعة أمينة ومصالحة تاريخية شاقة ومؤلمة لكن مطلوبة لعلاقاتنا مع السودان – وكذلك مع إثيوبيا – لوضعها على مسار جديد صحيح وإيجابي؛ بدايته أن هذه العلاقات شريان حيوي لا انفصام فيه، في وصله فائدة الجميع وانقطاعه في أي طرف منه نزف مهلك للجميع.

على المدى القصير؛ ثمة أولويات عاجلة تتصل بوقف إطلاق النار، وقضية اللاجئين الحاليين والمحتملين، والأزمة الإنسانية، والحفاظ على وحدة السودان ودرء مخاطر المزيد من تقسيمه.

على المدى المتوسط؛ هناك حاجة لبناء شبكة مصالح حقيقية متوازنة اقتصادية وتجارية، وتدارك الأسباب التي جعلتها عبر عقود من الزمن أمنيات هشًة على أرض الواقع، وأملًا مراوغًا عسير المنال.

على المدى الطويل؛ ثمة حاجة لتلك المراجعة من الجانبين للعلاقات بين البلدين والشعبين في الأساس، وفق رؤية مغايرة، لعل بذورًا جديدة صالحة تثمر نبتًا جديدًا طيبًا لشعبي هذا الوادي، الذي كان مهدًا للخير والحضارة للبشرية.

Israelcapa
حدود القوة الإسرائيلية في الشرق الأوسط: المعطيات – المسارات – الاتجاهات
1111111111111111
المشهد السوري ... تحولات المواقف الدولية
11111
استراتيجية التوسع الصيني في أفريقيا عبر المغرب
EUGCC
الخليج وأوروبا ... تعزيز الشراكات الجديدة
Scroll to Top