Search

ما بعد فوز زُهران ممداني بالانتخابات التمهيدية في نيويورك؟

09/07/2025

نجح عضو الجمعية التشريعية لولاية نيويورك “زهران ممداني” في الفوز بالانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لمنصب عمدة مدينة نيويورك، مما يؤهله للانخراط في سباق الانتخابات المقررة في نوفمبر 2025، إلا أن فوزه لم يخل من تجاذبات، حيث صاحب الإعلان عن نتيجة الانتخابات التمهيدية خطابًا حادًا ضد شخص ممداني والمسلمين في الولايات المتحدة.

تجاذبات داخلية:

أثار فوز ممداني بالانتخابات التمهيدية العديد من ردود الأفعال السلبية في الداخل الأمريكي، حيث هدد الرئيس “دونالد ترامب” بإلقاء القبض على ممداني، إذا لم يسمح للمسئولين عن الهجرة باعتقال المهاجرين غير النظاميين في الولاية، فقد سبق وأشار ممداني إلى أنه سيعمل على استخدام سلطاته في الحيلولة دون ترحيل المهاجرين، و”إيقاف عملاء إدارة الهجرة والجمارك المقنّعين من ترحيل جيراننا”، كما أشارت النائبة الجمهورية “نانسي مايس” إلى أن المواطنين في الولايات المتحدة قد نسوا أحداث 11 سبتمبر، والتداعيات التي أخلفتها هذه الأحداث على المجتمع الأمريكي، ونشرت النائبة الجمهورية “مارجوري تايلور غرين” صورة مُولدة بالذكاء الاصطناعي تُظهر تمثال الحرية مغطى بالنقاب، واتهم النائب الجمهوري “أندي أوجليس” ممداني بمعاداة السامية، كما أشار إلى أنه سيقوم بتدمير ولاية نيويورك، وطالب بإخضاعه لإجراءات سحب الجنسية، وفي سياقٍ متصل، كانت  هناك ردود أفعال سلبية لكن أكثر هدوءًا، فمثلًا، لم تعرب صحيفة نيويورك تايمز عن دعمها لأي مرشح من المرشحين، لكنها أشارت إلى أن أجندة ممداني، لا تراعي التحديات الفعلية التي تواجه ولاية نيويورك، كما أنها طموحة بدرجة كبيرة وتتجاهل التحديات التي تفرضها مسئوليات المنصب.

وقد طرح ممداني في خطابه الإعلامي التحديات المتجذرة في البيئة الاقتصادية المتراجعة وانتشار الفقر، وارتفاع تكلفة المعيشة في نيويورك، ومن ثم جاءت أهم ملامح برنامجه الانتخابي في توفير خدمة الانتقال المجاني بالحافلات في جميع أنحاء الولاية، وتجميد الإيجارات، وتشديد المساءلة على المالكين المقصرين، وكذلك توفير رعاية شاملة ومجانية للأطفال من عمر ستة أسابيع حتى خمسة أعوام، كما أشار إلى إمكانية إعادة هيكلة مكتب العمدة لضمان محاسبة مالكي العقارات، إلى جانب توسيع نطاق الإسكان الدائم بتكلفة في متناول المستهلك.

عوامل حاكمة:

ترتبط حالة الزخم والارتباك السياسي بعد فوز ممداني بعدد من العوامل، وذلك على النحو التالي:

  • خلفية ممداني الثقافية، حيث يقدم ممداني صورة مغايرة للصورة المعتادة عن السياسيين في الولايات المتحدة، حيث يعد أول مسلم يصل إلى هذه المرحلة في الانتخابات على منصب العمدة في الولايات المتحدة، فضلًا عن كونه متعدد الأعراق، فقد انحدر من أصول أسيوية – أفريقية، ثم انتقل مع أسرته للعيش في نيويورك عندما كان في السابعة، وبالتالي فهو يقدم نموذج مختلف عن نموذج الرجل الأبيض المسيحي الغربي.
  • طبيعة توجهاته السياسية، فقد انتقد ممداني في أكثر موقف البنية السياسية الأمريكية، والدعم غير المشروط التي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل، وقد أشار إلى أن السياسات العرقية تعد المحرك الأساسي للسياسة الأمريكية (على الرغم من الترويج المستمر لموضوعية وحياد هياكل صنع القرار الأمريكية)، بل وتخطى ممداني مسألة الانتقاد على مستوى الخطاب، حيث بدأ في التحرك وتكثيف نشاطه السياسي للضغط على إسرائيل، وطرح مشروع قانون لإنهاء الإعفاء الضريبي للجمعيات الخيرية في نيويورك المرتبطة بالمستوطنات الإسرائيلية التي تنتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان، وكذلك فقد رفض إدانة عبارة “عولمة الانتفاضة”، مما أثار استهجان اليهود في الولايات المتحدة الذين أشاروا إلى أن العبارة تشجع على خطاب الكراهية والعداء ضد اليهود.
  • رمزية ولاية نيويورك، فعلى الرغم من كون الولاية إحدى أهم الولايات الأمريكية، فضلًا عما تحمله من إرث ثقافي مرتبط بتمثال الحرية، الذي يؤكد على القيم الأمريكية الأساسية من حرية وديموقراطية وتنوع مجتمعي، فإن ولاية نيويورك تزخر بالعديد من الصراعات الثقافية والعرقية (على الأخص بين العرب واليهود، أو بين الحركات اليهودية وجماعات اللوبي المسلمة)، وغالبًا ما يتم التغافل عن هذه الصراعات وتهميشها إعلاميًا للحفاظ على سردية التماسك الاجتماعي التي تفرق بين الولايات المتحدة (أو الغرب بشكلٍ عام) وبين دول الجنوب العالمي التي تسود في بعضها مظاهر التحيز العرقي.
  • طبيعة السياق الداخلي المحيط بفوز ممداني، وذلك من حيث مساعي الحزب الديموقراطي لتصدر المشهد السياسي مرة أخرى وتكثيف جهوده في المرحلة الحالية لإعادة بناء شعبيته، وهو ما يُفسر قيام الحزب بحشد الدعم الكامل لممداني (هذا الدعم غير مقدم لشخصه ولكنه يرتبط بصورة أساسية بترسيم الدور السياسي المستقبلي للحزب)، هذا إلى جانب دور المؤسسات في الولايات المتحدة، في تمرير أجندة الإدارة الأمريكية، ومحاولتها الحفاظ على القيم السياسية الأمريكية القائمة وتجنب صعود أي قيم أو سرديات أخرى بديلة قد تمثل تهديدًا للنظام السياسي الأمريكي، فضلًا عن التوجه الإقصائي العام في الداخل الأمريكي، فبدلًا من تقبل التوجهات المختلفة والعمل عن إدماجها في النظام الأمريكي بصورة تضمن استمراره، فقد لجأت الإدارة الأمريكية الراهنة إلى أسلوب التهديد والعنف، وهذه الممارسات لا تقتصر على ممداني فقط، حيث هدد الرئيس “ترامب” بسحب جنسية رجل الأعمال “إيلون ماسك” بل وبدأ البعض في التشكيك في قانونية حصوله على الجنسية الأمريكية.

تطور الدور:

أثار فوز ممداني تساؤلات جادة حول مدى قدرة جماعات الضغط العربية والمسلمة في التأثير على السياسة الأمريكية، وتمهيد الطريق لفوز ممداني في انتخابات نوفمبر 2025، ويرتبط ذلك الأمر بما شهده دور هذه الجماعات من تطور خلال السنوات الماضية.

وبشكلٍ عام، فقد سادت صورة نمطية عن الجاليات العربية أو المسلمة في الولايات المتحدة، وتأسست على اعتبارات عديدة، منها أن المجتمع المسلم لا يمتلك الشروط السياسية والمؤسساتية والمالية اللازمة لإحداث فرق في الساحة السياسية الأمريكية، وتحاول منظمات الحقوق المدنية للعرب والمسلمين (مثل رابطة خريجي الجامعات العربية الأمريكية AAUG ولجنة مكافحة التمييز الأمريكية-العربية ADC) الضغط السياسي من أجل تعزيز مصالح مجتمعاتهم في الداخل أكثر من الدفاع عن قضايا خارجية (التطورات في الشرق الأوسط)، ومع ذلك، أسفرت جهودهم في الضغط السياسي عن نتائج محدودة خاصةً أنها كانت تقوم بالأساس على المشاركة الفردية، فيما يُعتبر المسلمون في الولايات المتحدة أقلية مجزأة، تدافع عن تنوعها المذهبي والعرقي إلى حد كبير، مما يجعل من الصعب عليهم التعاون معًا، والكثير منهم يعانون من ظروف اجتماعية واقتصادية تجعل من الصعب عليهم المشاركة بفاعلية في الأنشطة السياسية المختلفة.

حدث تحول في هذه الصورة النمطية، حيث تشير بيانات واستطلاعات الرأي الحديثة إلى أن المجتمع المسلم في الولايات المتحدة يشهد نموًا متسارعًا في عدد أفراده وتأثيرهم السياسي والاجتماعي، فقد أظهرت دراسة أجرتها مؤسسة بيو للأبحاث إلى أن عدد المسلمين في الولايات المتحدة قد تضاعف تقريبًا خلال العقدين الماضيين، مما يعكس زيادة واضحة في التمثيل السكاني، إلى جانب ذلك، أصبح رجال الأعمال العرب والمسلمين أكثر انخراطًا في السياسة الأمريكية، حيث يُسهمون بفاعلية في دعم حملات انتخابية وتأسيس منظمات مجتمع مدني ذات تأثير متزايد، كما تؤدي بعض الحركات والمنظمات أدوارًا ملموسة في الداخل الأمريكي، مثل مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (CAIR) والاتحاد الوطني للمسلمين الأمريكيين (NAMA) حيث تركز على الدفاع عن حقوق المسلمين وتعزيز مشاركتهم السياسية والاجتماعية، ويعكس هذا التطور على مستوى السياسات والتحركات تحولًا حقيقيًا نحو المزيد من المأسسة والتأثير الوطني، بما يقوض الفكرة القائلة بأن المسلمين في الولايات المتحدة يفتقرون إلى الإمكانيات السياسية أو التنظيمية اللازمة لصنع فارق ملموس في السياسة الأمريكية.

وختامًا، فإن فوز ممداني لم يكشف فقط عن حالة الارتباك السياسي في الداخل الأمريكي نتيجة سياسات الإدارة الراهنة، ولكن أيضًا عن دور بعض الأطر التنظيمية للمجتمعات العربية والمسلمة في الداخل الأمريكي، ها الدور الذي يُرجح أن يتزايد خلال السنوات المقبلة، خاصةً مع وجود توجهات واهتمامات لدى رجال الأعمال العرب والمسلمين بالانخراط بصورة ملموسة في السياسة الأمريكية.

2222
رؤى بحثية: تطورات العلاقات الأمريكية الإسرائيلية
trumpharvard
إشكاليات مطروحة: أبعاد الخلاف بين الرئيس ترامب وجامعة هارفارد
Migr
رؤى بحثية: إشكاليات التعامل الأوروبي مع ملف الهجرة
73883
عودة للهدوء: إعلان نتائج الانتخابات الكورية الجنوبية
Scroll to Top