Search

رؤى بحثية: تطورات العلاقات الأمريكية الإسرائيلية

16/09/2025

تشهد العلاقات الأمريكية الإسرائيلية مرحلة من التحولات العميقة، في ظل التطورات الميدانية والسياسية المرتبطة بالحرب المستمرة في قطاع غزة، فقد أثار إعلان إسرائيل نيتها فرض سيطرة كاملة على القطاع، ردود فعل واسعة النطاق داخل الولايات المتحدة وخارجها، بما في ذلك مواقف صادرة عن مؤسسات بحثية وصناع قرار أمريكيين، وقد ركزت المؤسسات البحثية على تطورات العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، وتقييمها، ورصدت طبيعة السياق العام الداخلي في تل أبيب، والعوامل المساهمة في التحول النوعي في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية.

في هذا الإطار، نشر المجلس الأطلنطي تقريرًا بعنوان “ستؤدي عملية إسرائيل في مدينة غزة إلى مزيد من عزلتها، حان الوقت لتصحيح المسار”[1]، كما نشرت مجلة فورين بوليسي تقريرًا بعنوان “علاقة أمريكا بإسرائيل تشكل خطرًا أخلاقيًا”[2]، فيما نشر المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية تقريرًا بعنوان “الانقسامات المتزايدة في إسرائيل: الاحتجاجات والجمود السياسي واحتلال غزة”.[3]

موقف الداخل:

تشكل التفاعلات الداخلية في إسرائيل عنصرًا حاسمًا في فهم التحولات التي تشهدها العلاقات الأمريكية الإسرائيلية. فمع استمرار الحرب في قطاع غزة، برزت عدة مؤشرات على تصدع الجبهة الداخلية الإسرائيلية، الأمر الذي انعكس بدوره على مدى قدرة الحكومة الإسرائيلية على التنسيق مع الحليف الأمريكي، وعلى طبيعة الاستجابة الأمريكية لمجريات الأحداث، وفيما يلي أبرز ملامح هذا المشهد الداخلي:

  • تزايد سخط الرأي العام الداخلي، فقد أشارت عدة استطلاعات للرأي إلى تراجع شعبية الحكومة، مع ضغط المواطنين من أجل التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار.
  • استمرار حالة عدم الاستقرار، حيث تزايدت حدة الاحتجاجات المدنية في إسرائيل، تعبيرًا عن رفض استمرار الحرب الجارية في قطاع غزة، حيث طالب المحتجون بالتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار لإطلاق سراح الرهائن لدى حركة حماس، فعلى الرغم من أن الاحتجاجات ليست ظاهرة حديثة نسبيًا في الداخل الإسرائيلي، فإنها قد تطورت مع تطور مجريات الحرب في غزة، واشتدت إثر إعلان الحكومة الإسرائيلية خطتها للسيطرة على قطاع غزة.
  • إبداء المنظومة العسكرية الإسرائيلية لبعض التحفظات على توجه الحكومة، حيث حذرت الأجهزة الأمنية في إسرائيل من خطة السيطرة على قطاع غزة، لأنها ستؤدي إلى المخاطرة بالجنود الإسرائيليين، ولذلك طالب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال “إيال زمير” بقبول المقترح الأخير لوقف إطلاق النار.
  • تصدع الائتلاف الحاكم، على الأخص مع انسحاب الحزبين المتشددين “التوراة اليهودي المتحد” و”شاس”، من الائتلاف الحكومي، وذلك نتيجة عودة مسألة إعفاء المتدينين من الخدمة العسكرية لتطفو على مناقشات الحكومة، حيث طالبت فئات واسعة من المواطنين بتطبيق التجنيد الإجباري على الجميع دون استثناء، فيما يسعى المتدينون إلى الحفاظ على إعفائهم التقليدي الذي يستند إلى دراستهم الدينية، وقد أدت المحاولات الحكومية الأخيرة لتقليص هذه الإعفاءات إلى حالة من الاستياء العام للأحزاب الدينية، مما دفعها إلى الانسحاب كوسيلة للضغط السياسي.

اضطراب بنيوي:

بالتوازي مع السياق العام الضاغط المحيط بالحكومة الإسرائيلية، فقد واجهت نمطًا جديدًا من الضغوطات المتمثل في تراجع علاقاتها مع الولايات المتحدة، وهو ما اتضح من خلال تنديد الرئيس “ترامب” بتدهور الأوضاع الإنسانية في غزة، وطلبات الإحاطة التي تثار من قبل الدوائر الجمهورية والديموقراطية في الكونجرس بشأن حدود الدعم الأمريكي الموجه لإسرائيل.

يمكن تفسير التحركات الإسرائيلية التي أسهمت بصورة أو بأخرى في تقويض علاقاتها مع الولايات المتحدة، من خلال تسليط الضوء على رغبة تل أبيب في الانتقام من حركة حماس (أو القضاء عليها كليًا) بعد هجمات 7 أكتوبر 2023، وكذلك طبيعة العلاقة غير المتوازنة بين الطرفين، التي تتيح لإسرائيل اتخاذ خطوات محفوفة بالمخاطر دون تحمل التبعات، وهو ما يمثل خللًا هيكليًا في طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ومن أبرز مظاهر ذلك ما يلي:

  • تسببت الغارات الإسرائيلية المتكررة على دمشق في تقويض جهود الرئيس “ترامب” لتحقيق الاستقرار في سوريا وسحب القوات الأمريكية هناك.
  • أدت الضربات الإسرائيلية ضد إيران إلى إفشال مساعي الرئيس “ترامب” للتوصل إلى اتفاق نووي جديد مع طهران، وأدخلت واشنطن في صراع غير مرغوب فيه مع الأخيرة.
  • تُعد الحرب المستمرة على غزة عائقًا رئيسيًا أمام توسيع الاتفاقيات الإبراهيمية، التي تُشكل أولوية متقدمة في أجندة الرئيس “ترامب” للولاية الثانية، وقد زادت التوترات مع تكثيف إسرائيل لضغوطها على الإدارة الأمريكية لاستئناف الصراع في إيران واليمن، رغم التفاهمات التي أبرمها الرئيس “ترامب” مؤخرًا لإنهائها، كذا فقد أثارت حوادث استهداف كنائس في قطاع غزة والضفة الغربية، والتي راح ضحيتها مسيحيون، موجة غضب جديدة، خصوصًا أن الحرب يُفترض أنها موجهة ضد حركة حماس فقط.

ونتيجة لتزايد الأعباء المفروضة على الولايات المتحدة نتيجة التحركات الإسرائيلية، فمن المتوقع اتجاه الولايات المتحدة إلى إجراء نوع من التعديل النسبي لسياساتها تجاه إسرائيل، لتجنب العزلة الدولية، وستكون هذه العزلة مماثلة للعزلة التي فُرضت على الولايات المتحدة خلال فترتي الحرب في فيتنام والحرب في العراق.

تقييم منضبط:

تمثل التغيرات التي طرأت على العلاقات الأمريكية الإسرائيلية ما يكن وصفه بالمعضلة الأخلاقية، وهي سمة اتصفت بها السياسة الخارجية الأمريكية، وبموجبها يقدم الطرف الأقوى ضمانات أمنية مكثفة للطرف الأكثر ضعفًا، إلا أن التحولات والظروف التي طرأت على المشهد السياسي والأمني في الشرق الأوسط، أدت إلى تحول إسرائيل من دول ضعيفة إلى قوة إقليمية، فضلًا عن أنها أصبحت أحد أهم الأصوات اليمينية المحافظة، التي تفرض توجهاتها على السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط.

بالنظر إلى الوضع الجيوسياسي الحالي لإسرائيل، تحتاج الولايات المتحدة إلى إعادة صياغة وضبط طبيعة علاقاتها مع إسرائيل، لتعكس التطورات التي طرأت على وضع إسرائيل في المنطقة، فبدلًا من علاقة العميل-الراعي، تحتاج الولايات المتحدة إلى تفعيل علاقة قائمة على الشراكة الاستراتيجية، وبموجب هذه الشراكة ستتمكن الولايات المتحدة من مواصلة دعمها وحمايتها لإسرائيل، بدون تكبد التزامات مجحفة نتيجة التطلعات الإسرائيلية في الشرق الأوسط.

ولعل من أهم الملفات التي يجب أن تركز عليها الولايات المتحدة لتعديل علاقاتها مع إسرائيل تتمثل في طبيعة التعهدات الأمريكية الحالية بتقديم دعم مكثف وغير مشروط لإسرائيل، فضلًا عن صادرات الأسلحة الأمريكية لإسرائيل، ويتطلب ذلك تعديل طبيعة التزام واشنطن تجاه إسرائيل وجعل هذا الالتزام مشروطًا، وتزويد إسرائيل بالمعدات العسكرية الدفاعية بشكل أساسي، بدلًا من الدعم المالي والمعدات الهجومية.

لكن لا يجوز إغفال أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تخدم المصالح الأمريكية، حيث تكشف مجمل التحركات الأمريكية خلال هذه الفترة عن توجه استراتيجي جديد، لا يقتصر فقط على إنهاء الحرب الحالية، بل يشمل أيضًا إعادة تشكيل المشهد السياسي في غزة، حيث لم تُخف الولايات المتحدة نيتها في دعم ترتيبات سياسية تُقصي حماس من السلطة، وتُعيد تأهيل القطاع وفقًا لرؤية أمريكية – إسرائيلية مشتركة، وتُعد هذه الرؤية جزءًا من مشروع أكبر لإعادة صياغة العلاقات في المنطقة، وإعادة دمج غزة ضمن ترتيبات أمنية واقتصادية أكثر اتساقًا مع المصالح الغربية.

وختامًا، نُشير إلى أنه على الرغم من أن مراكز الأبحاث الأجنبية قد طرحت مسألة خطة السيطرة على قطاع غزة بصورة ضبابية، والمشروعات التي طرحتها الإدارة الأمريكية مؤخرًا لإدارة القطاع في مرحلة ما بعد الحرب، فمن غير المحتمل أن ينجح الرئيس ترامب في دفع الكونجرس إلى إصدار تشريع داعم للخطة الإسرائيلية للسيطرة على القطاع، خاصةً مع تحركات الجاليات العربية والمسلمة للدفع بالسياسات الداعمة للمصالح العربية والفلسطينية.


[1] Jonathan Panikoff, “Israel’s Gaza City operation will leave it more isolated. It’s time for a course correction”, The Atlantic Council. 21 August 2025. Available at: https://www.atlanticcouncil.org/blogs/new-atlanticist/israels-gaza-city-operation-will-only-worsen-its-global-isolation/

[2]  Will Walldorf, “America’s Relationship With Israel Is a Moral Hazard”, Foreign Policy. 26 August 2025. Available at: https://foreignpolicy.com/2025/08/26/america-relationship-israel-moral-hazard/

[3] Martin Konecny, “Israel’s Widening Rifts: Protests, Political Stalemate and the Occupation of Gaza “, the Italian institute for international political studies. 28 August 2025. Available at: https://www.ispionline.it/en/publication/israels-widening-rifts-protests-political-stalemate-and-the-occupation-of-gaza-216138

trumpharvard
إشكاليات مطروحة: أبعاد الخلاف بين الرئيس ترامب وجامعة هارفارد
Migr
رؤى بحثية: إشكاليات التعامل الأوروبي مع ملف الهجرة
zohran
ما بعد فوز زُهران ممداني بالانتخابات التمهيدية في نيويورك؟
73883
عودة للهدوء: إعلان نتائج الانتخابات الكورية الجنوبية
Scroll to Top