يعد البشر أعظم ثروات الأمم كما يعد توظيفهم والاستفادة منهم أكبر المنجزات التي تضمن استدامة عملية التنمية والتطور عبر الأجيال في هذا العالم.
وقد اهتم الباحثون بتسمية كل جيل بمسمى معين؛ في محاولة لتحديد سماته وخصائصه واتجاهاته في التفكير، والحياة، والتسوق، والعمل.. إلخ، ومن هذه المسميات: جيل طفرة المواليد (ولدوا في الفترة من 1946 – 1965)، وجيل إكس X (وُلدوا في الفترة من 1966 – 1980)، وجيل الألفية Y (ولدوا في الفترة من 1981 – 1996)، وجيل زد Z (ولدوا في الفترة من عام 1997 – 2012)، وصولًا لجيل ألفا (ولدوا في الفترة من 2012 – 2024).
إذن يشير مصطلح الجيل “Z” إلى جيل ما بعد الألفية، أي إلى الأشخاص الذين وُلدوا بين عامي 1997 و2012. ورغم أنه الجيل الأصغر عمرًا، لكنه الجيل الأكثر قدرة على التعامل مع التطور التكنولوجي السريع، ويحظى بثقل ديموجرافي كبير؛ إذ استطاع أن يفرض نفسه وتوجهاته بقوة على مواقع التواصل الاجتماعي؛ فيبلغ تعداده نحو “2.8” مليار شخص، بنسبة “32%” من إجمالي سكان العالم (حوالي ثلث سكان الكرة الأرضية)، الأمر الذي يجعله قادرًا ليس فقط على الإنتشار والتأثير على مواقع التواصل الإجتماعي، بل أيضًا التأثير في العديد من المجالات.
إن المعرفة الدقيقة والإستشراف الحقيقي بحجم التحول وعمق التأثير الذي تطرحه هذه الأجيال وتسير نحوه، يمكن أن يؤدي إلى المعرفة التفصيلية لأفكار ومفاهيم وسلوكيات وقيم تلك الأجيال، الأمر الذي يمكن التعامل معه ومواجهته والحد من سلبياتها، إلا أن ما رصدته بعض المراكز الاجتماعية من الإشكاليات والقضايا ذات السمات العامة في بعض المجتمعات قد تؤثر بعمق في هوية تلك المجتمعات.
يمكن القول إن الجيل “Z” المصري قد لا يختلف عن أقرانه من هذا الجيل على مستوى العالم، فهو جيل شفرته عالمية ونظرته تتجاوز المحلية، يرفض الواقع ويهدف إلى تغييره أو تجاوزه، هو جيل شكلته المعارف المتعددة المرتكزة على الثقافة الغربية بشكل كبير، وما فرضته فترة ما بعد الحداثة من تغذيات مادية وذاتية والرؤى المختلفة للعالم ، وهو أيضًا ذلك الجيل الذي عاصر واستوعب هذه المرحلة “ما بعد الحداثة” (ميكنة الإنسان وأنسنة الآلة)، هذا الجيل يمتلك من الذكاء والخيال الكثير، لكنه يعاني من تأثير التباين المعيشي بين عالمه الافتراضي الذي يحبه ويحقق أحلامه والواقع بكل ما يحمله من تحديات وتناقضات تنعكس بوضوح في الأمراض الاجتماعية والسلوكية والتشوه القيمي الذي حدث له، وقد تشهد بعض الدول العربية سجالًا بين الأجيال وبينهم وبين بعض مؤسسات الدولة والمجتمع نتيجة اختلاف الرؤى للواقع الذي يعيشونه عن واقعهم الافتراضي.
نخلُص مما سبق إلى أهمية رسم الخريطة المعرفية للأجيال التي يتشكل منها المجتمع المصري وتحديد ملامحها ومميزاتها وخصائصها، وهو مطلب حتمي لتحديد استراتيجية التعامل مع هذه الأجيال والاستفادة منها كمرتكز لتحقيق التنمية المستدامة فعليًا وبشكل صحيح وسليم للمجتمع التي هي غايتها الإنسان وأداتها الإنسان أيضًا.
العدد-2