Search

عودة شبح المواجهة: الملف النووي الإيراني بين العقوبات الغربية والتهديدات الإسرائيلية

21/10/2025

شكلت مجموعة من العوامل الإقليمية والدولية مؤخرًا مناخًا تصعيديًا بين إسرائيل وإيران، وهو ما شمل فرض عقوبات غربية، وتزايد التصريحات من الجانبين الإيراني والإسرائيلي التي تتناول بشكل أو بآخر استعداداتهما والإجراءات المتخذة لتعزيز قدراتهما العسكرية، بما يُشير إلى أن الفترة المقبلة قد تشهد نشوب مواجهة جديدة بين إسرائيل وإيران.

عقوبات غربية:

اتخذت الولايات المتحدة عدة إجراءات استهدفت شبكات التوريد والتسلح النووي/ الصاروخي، حيث أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية في 1 أكتوبر 2025 فرض عقوبات ضد عدد 21 كيانًا و17 فردًا لتورطهم في شبكات تزويد التكنولوجيا الحساسة لإيران في قطاع الأسلحة والطائرات العسكرية ونظم الدفاع الجوي.

في المقابل أعلنت إيران رسميًا أن اتفاق (JCPOA) لعام 2015 قد انتهت صلاحيته اعتبارًا من 18 أكتوبر 2025 (الاتفاق النووي الإيراني الذي تم التوصل إليه في يوليو 2015 بين إيران ومجموعة الدول الست “الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا، والصين” بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي)، كما أكدت في بيان لوزارة الخارجية أن جميع ملاحقات وقيود الاتفاق على برنامجها النووي تُعتبر لاغية، وأنها أيضًا لم تعد ملزمة بقيود التخصيب والأنشطة النووية المنصوص عليها في الاتفاق، لكنه في الوقت نفسه أعربت عن التزامها بالدبلوماسية، بما يمثل تحولًا نوعيًا في مسار الأزمة النووية، إذ يعكس تحرر طهران الكامل من الضوابط الدولية المفروضة على تخصيب اليورانيوم وتطوير قدراتها النووية، وبما يفتح الباب أيضًا أمام مرحلة جديدة من التصعيد مع الغرب وإسرائيل.

وقد أعلنت مجموعة E3 (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) تنفيذ إعادة فرض عقوبات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بناءً على آلية (Snapback) على إيران في 27 سبتمبر 2025، وذلك رغم الجهود الإيرانية الأخيرة التي سعت لتأخير تفعيل تلك الآلية، والتي رفض مجلس الأمن الدولي قرارًا بتأجيل تفعيلها بعد طلب تم تقديمه من الصين وروسيا، الأمر الذي دفع إيران إلى استدعاء سفرائها لدى الدول الثلاث للتشاور، احتجاجًا على ما وصفته بـ”إساءة استخدام” هذه الدول لآلية فض النزاعات، والمنصوص عليها في الاتفاق النووي لعام 2015.

وتركزت العقوبات الغربية على شركات ومنظمات وأفراد يُسهمون بشكل مباشر أو غير مباشر في برامج إيران النووية أو تطوير صواريخها الباليستية، بما يشمل تقديم المعدات والخبرات أو التمويل، وهو ما شمل العديد من التدابير، أبرزها حظر بيع أو نقل الأسلحة التقليدية إلى إيران، وتجميد بعض الأصول، ومنع الواردات والصادرات أو نقل المكونات أو التكنولوجيا المرتبطة بالبرامج النووية والباليستية.

وقد سبق أن صرح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، في 23 سبتمبر 2025، أن إيران لا تزال تحتفظ بالقدرة على تطوير برنامجها النووي بعد الضربات الأمريكية والإسرائيلية التي استهدفت المنشآت النووية الإيرانية في يونيو 2025، التي يحتمل أنها لم تُلحق الضرر بجميع أجهزة الطرد المركزي الإيرانية، ويتزامن ذلك مع تقارير تحدثت عن إجراء إيران توسيعات في بنيتها التحتية النووية في منشأة جبل كولانج غازلا الواقع في محافظة أصفهان، التي لم تتضرر أو تُستهدف أثناء جولة التصعيد العسكري الأخيرة.

تصعيد لافت:

صدرت العديد من التصريحات والإعلانات التي تُعد مؤشرًا على حالة التصعيد، أبرزها ما يلي:

1-من جانب إيران:

  • صدور تصريحات من قبل المسئولين الإيرانيين، أشاروا فيها إلى إجراء تجارب صاروخية جديدة، ووصول مقاتلات روسية من طراز ميج – 29 إلى إيران في إطار خطة قصيرة الأجل لتعزيز قوتها الجوية، على أن تتبعها تدريجيًا طائرات سوخوي سو – 35 الأكثر تطورًا، وكذلك منظومات دفاع جوي صينية وروسية، إلى جانب تأكيد المرشد الأعلى الإيراني “علي خامنئي” في خطاب ألقاه يوم 23 سبتمبر 2025 على رفض أي مفاوضات مع الولايات المتحدة، وأن بلاده لن تقبل طلب الولايات المتحدة بوقف تخصيب اليورانيوم محليًا.
  • بث التلفزيون الإيراني تقريرًا بعنوان “بيت العنكبوت المخفي” يعرض معلومات استخبارية عن البرنامج النووي الإسرائيلي، شمل وثائق تتضمن تفاصيل حساسة عن البرنامج (نُسخ من جوازات سفر لعلماء إسرائيليين، ومعلومات عن مواقع عسكرية، ولقطات مصورة من داخل مفاعل ديمونة النووي)، وقد أشار وزير الاستخبارات الإيراني “إسماعيل الخطيب” إن إيران استخدمت معلومات تم الحصول عليها في يونيو الماضي لضرب مواقع حساسة داخل إسرائيل، وأن هذا الاختراق الكبير نتاج أشهر من التخطيط المعّقد والتنفيذ الناجح لمراحل متعددة من العملية الاستخباراتية داخل إسرائيل.

2-من جانب إسرائيل:

  • صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي “نتنياهو” عقب توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في غزة في أكتوبر 2025 أن “الحرب على إيران لم تنته بعد”، مؤكدًا أن حكومته نجحت في إبعاد خطر طهران إلى حد كبير، لكن المواجهة “لن تنتهي أبدا”، وأن إسرائيل تراقب التطورات الإيرانية “بعيون مفتوحة”، مشيرًا إلى أنه بحث هذا الملف مع الرئيس الأمريكي، وتم الاتفاق على تنفيذ أي إجراء ضروري إذا اقتضت الحاجة.
  • أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” في خطابه أمام هيئة الأركان يوم 22 سبتمبر 2025 أن على إسرائيل تدمير المحور الإيراني، وأن هذا العام قد يكون تاريخيًا لأمن إسرائيل، ودعا في خطابه خلال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة إلى منع إيران من إعادة بناء قدرات نووية عسكرية، وطالب المجتمع الدولي خاصةً مجلس الأمن بإعادة تفعيل العقوبات ضد إيران.
  • نشر الإعلام الإسرائيلي عدة تقارير أشار فيها إلى احتمالات اندلاع مواجهة جديدة بين إسرائيل وإيران، وأن الحرب القادمة – إن وقعت – ستكون مختلفة في طابعها، ففي الوقت الذي ساد في إسرائيل شعورًا بالانتصار، فإن إيران أظهرت أنها أكثر جرأة وأقل خوفًا من مواجهة عسكرية جديدة، وعلى الرغم من أن القيادة الإيرانية ما زالت تعطى الأولوية للحلول الدبلوماسية من أجل رفع العقوبات، فإن مواقف الدول الغربية التي تعتبرها إيران “شروط إذعان” قد تدفعها إلى التعامل مع خيار التصعيد العسكري كاحتمال واقعي ومتزايد.

دلالات جوهرية:

تحمل هذه التطورات عددًا من الدلالات والمؤشرات تجاه احتمالات التصعيد بين إيران من جانب وإسرائيل والقوى الغربية من جانب أخر، والتي يتمثل أبرزها في الآتي:

1-حرص القوى الغربية على تكثيف الضغوط السياسية والاقتصادية على إيران بالرغم من توقيع اتفاق بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية.

2-سباق التسلّح بين الجانبين، حيث يعمل الطرفان على تعزيز قدراتهما العسكرية والتكنولوجية بشكل متزامن لتحسين خيارات الردع حيث برز الآتي:

  • تأكيد إيران على المضي قدمًا في إستراتيجية “التحصين النووي”، وإعادة تعزيز قدراتها العسكرية (إجراء تجارب صاروخية إيرانية، والإعلان عن وصول طائرات ميج ونظم دفاع جوي روسية / صينية …) بما يُشير إلى تعزيز قدرة الردع والرسائل المزدوجة للغرب وإسرائيل بأن ترسانة طهران قيد التطوير والتجديد بعد أحداث يونيو 2025 تشكل شبكة ردع متقاطعة ويعقد خيار الضربة الاستباقية، وتزيد ثمن أي هجوم مستقبلي.
  • توجّه نتنياهو إلى واشنطن لطلب دعم بصواريخ دفاعية وذخائر متقدمة بالإضافة إلى العمل على عدة إجراءات (تطوير منظومة “آرو 4″، وتحديث برامج القبة الحديدية ومقلاع داود لاعتراض الصواريخ الباليستية، وزيادة إنتاج الصواريخ الاعتراضية “حيتس 3 / 4” …).

3-ترسيخ نمط من الخطاب التصادمي يُركز على إرادة الصمود والتحدي بين إيران من جانب وإسرائيل والقوى الغربية من جانب أخر، مما يضاعف مخاطر الانزلاق إلى تصعيد غير محسوب.

4-التقارير التي كشفت عن حركة غير عادية ومتصاعدة لطائرات التزود بالوقود الأمريكية طراز (KC-135R/T & KC-46) وانتشارها بأعداد كبيرة عبر المحيط الأطلسي، حيث تم توجيه ما لا يقل عن 12 طائرة إلى قاعدة العديد الجوية في قطر، وبما يشير إلى حرص الولايات المتحدة على توجيه رسالة ردع وإظهار القوة إلى إيران أو فاعلين آخرين (الحوثيون باليمن) في المنطقة، بما يعني أن الولايات المتحدة مستعدة للتدخل سريعًا أو تدعيم قدراتها الجوية بصورة كبيرة إذا اقتضت الحاجة.

5- إعلان وزارة الدفاع الأمريكية، فى الأول من أكتوبر 2025 عن بدء خفض قواتها في العراق وإعادة تمركزها في مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان، وذلك في إطار خطة لإعادة الانتشار وتقليص الوجود العسكرى الأمريكي في البلاد، بما قد يشير إلى تهيئة مسرح العمليات العراقي لمرحلة عملياتية جديدة أكثر دقة وأقل انكشافًا (التحول من الوجود المكشوف إلى الردع المرن) الأمر الذي قد يجعل العراق محورًا لعمليات الردع الوقائي ضد أذرع طهران.

6-طبيعة الأهداف الإيرانية، لا سيما بعد الكشف عن معلومات حول البرنامج النووي الإسرائيلي، وتتمثل هذه الأسباب فيما يلي:

  • ضرب سياسة الغموض النووي الإسرائيلي، وإحراج القوى الغربية لتغاضيها عن البرنامج النووي الإسرائيلي.
  • إبراز قدرة الاستخبارات الإيرانية وتمكنها من اختراق العمق الإسرائيلي، بما يُستخدم كورقة ردع مضاد في سياق التصعيد المباشر الذي بدأ منذ يونيو 2025.

المسارات المحتملة:

تعكس التطورات الأخيرة مرحلة جديدة من الردع المتبادل بين إيران وإسرائيل، حيث تبني إيران شبكة ردع (نووي – صاروخي – جوي متعددة الأبعاد)، فيما تحاول إسرائيل والغرب فرض معادلة “ضغط دائم” بالعقوبات والتهديدات بما يُشير إلى تصعيد متبادل، قد يصاحبه مخاطر متزايدة لانزلاق غير محسوب، وفي هذا الإطار فإنه من المرجح أن يتطور الموقف الإيراني / الإسرائيلي / الغربي وفقًا للاحتمالات التالية:

  • الاحتمال الأول: اكتفاء أطراف الصراع بإبراز مظاهر الردع دون الانزلاق إلى مواجهات عسكرية، بالتوازي مع تكثيف الضغوط السياسية / الاقتصادية ضد إيران، لفتح نافذة تفاوضية مشروطة عبر قنوات خلفية لتجنب حرب شاملة، لكن بشروط أكثر صرامة من جانب الغرب.
  • الاحتمال الثاني: التصعيد المحدود عبر القيام بتنفيذ ضربات إسرائيلية / أمريكية ضد أهداف منتقاة داخل إيران (مفاعلات نووية – منصات / مصانع صواريخ – …)، بالإضافة إلى استهداف أذرعها بالمنطقة (الفصائل الشيعية في العراق، والحوثيون باليمن) بما يُقلص من فرص التصعيد الشامل لتداعياته على أمن واستقرار المنطقة.
  • الاحتمال الثالث: التصعيد الشامل يظل احتمالًا مطروحًا، خاصةً حال حدوث سوء تقدير مما قد يفرض تداعيات سلبية على المنطقة قد تؤدى إلى حرب شاملة يصعب احتواؤها.

ختامًا، يُشير مجمل ما سبق إلى أنه لا تزال هناك مؤشرات حول احتمالية بنشوب مواجهة جديدة بين إسرائيل وإيران، الأمر الذي يُوجد سياقًا إقليميًا يتسم بعدم الاستقرار وسط مخاوف من أن يؤدي أي تصعيد غير محسوب إلى ارتدادات بالغة التأثير على كافة دول المنطقة.

sahel-conf
توجه دول الساحل نحو "الأقلمة"
1414
شبكات الظل: ستارلينك والإرهاب في أفريقيا
ir-isr
الردع المتحول والحرب الهجينة .. قراءة تحليلية في المواجهات الإسرائيلية الإيرانية
12356890
تحالفات متجددة: سياسات مكافحة الإرهاب في الساحل الإفريقي
Scroll to Top