Search

استراتيجية جديدة: ترامب والعملات المشفرة

20/03/2025

وضع الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” صناعة التشفير ضمن وعوده الاقتصادية في حملته الانتخابية، بهدف التركيز على دعم سوق الكريبتو[1]، وهي السياسة التي كان يعارضها في الماضي، إلا أنه اكتشف أن دعم هذا القطاع سيتيح له دائرة كبيرة من المؤيدين، حتى بدأ في السعي لإدراج عملات رقمية مشفرة ضمن الاحتياطي الاستراتيجي للولايات المتحدة.

مصالح متشابكة:

تحول موقف ترامب من العملات المشفرة، حيث كان من أكبر المعارضين للعملات المشفرة في عام 2019، من منطلق أنها تشجع الأنشطة غير المشروعة، إلا أن ذلك الموقف قد تغير قبل حملته الانتخابية 2024، ليصبح مؤيدًا للعملات المشفرة استجابة لاتجاهات السوق والتوجهات السياسية، وتكمن أسباب هذا التحول فيما يلي:

  • الرغبة في استقطاب أكبر قدر من أصوات الناخبين الشباب المهتمين بالعملات المشفرة فضلًا عن تقديمه وعود انتخابية كبيرة قبل توليه المنصب، بأن يجعل الولايات المتحدة عاصمة التشفير بالعالم، وتبنيه توجه مالي جديد يقوم على إلغاء القيود على العملات المشفرة، مما سيمكنه من استقطاب ليس فقط الدائرة المهتمة بالكريبتو بل والممولين والبنوك الاستثمارية والمستثمرين الأجانب وأصحاب التقنية والابتكار.
  • تمويل حملته الانتخابية من قبل كبار رجال الأعمال أو المستثمرين في مجال العملات الرقمية والمشفرة، فضلًا عن تقوية علاقاته مع المؤثرين والناشطين في هذا المجال ولا يُستبعد قيامهم بإقناعه بجدوى تبنيه للعملات المشفرة استراتيجيًا وليس على المدى القصير، ومن بين تلك الشخصيات، “إيلون ماسك”، المعرف بكثرة ترويجه للعملات المشفرة، و”براد جارلينجهاوس”، وهو من أكبر ممولي حملة الانتخابات الرئاسية الأخيرة لترامب، ورئيس شركة “ريبل” التي تصدر العملة المشفرة “XRP” وهي من ضمن العملات التي يرغب الرئيس الأمريكي في إدراجها في الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي، و”ديفيد سيكس”  الذي عينه ترامب مستشارًا للذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة، كما يُعرف بلقب “قيصر التشفير” في البيت الأبيض.
  • المكاسب المالية الكبيرة التي حققها الرئيس ترامب، حيث أنه يستثمر في الوقت الراهن في عملة إيثريوم (ETH) والتي ينوي إدخالها في الاحتياطي الاستراتيجي، كما يمتلك ترامب أيضًا حصة في “World Liberty Financial” وهي منصة عملات مشفرة، فضلًا عن إطلاق عائلته عملات “NFTs” وهي عملات غير قابلة للتداول ولكنها جزءًا من صناعة التشفير، كما أطلقت زوجته مجموعة NFTs خاصة بها تُسمى “Melania’s Vision”، وصولًا إلى إصدار ترامب عملة معدنية مشفرة باسم “$Trump”.

تطورات لافتة:

طرح الرئيس الأمريكي مقترحات تهدف إلى تعزيز تلك الصناعة، ومن بين تلك المقترحات تعهده بإنشاء مجلس استشاري للعملات المشفرة، وتيسير القوانين التنظيمية عبر استبدال رئيس هيئة الأوراق المالية “غاري غينسلر”، المعروف بموقفه المعارض لصناعة التشفير، فضلًا عن رغبة ترامب في دعم أنشطة تعدين البيتكوين داخل الولايات المتحدة بما يعزز من قوة الاقتصاد الأمريكي.

وقد ارتفعت عملة البيتكوين قبل الانتخابات الرئاسية حينما كانت تشير التوقعات الأولوية إلى فوز ترامب، إذ ارتفعت العملة إلى ما يقرب من 90 ألف دولار في 12 نوفمبر 2024 بارتفاع حوالي 30% منذ بدء الانتخابات الأمريكية في 5 نوفمبر 2024، لتبلغ أرقامًا قياسية لم تحققها منذ 2018، وعقب فوز ترامب في الانتخابات، ارتفعت العملة لتكسر حاجز 100 ألف دولار لأول مرة في أوائل ديسمبر 2024، كما كسرت حاجز 109 ألف دولار قبل تنصيبه في 20 يناير 2025، مدفوعًة بشكل أساسي بحالة التفاؤل التي عززتها وعوده الانتخابية المؤيدة للعملات المشفرة.

إلا أنه سرعان ما تراجع الحماس بشأن خطط ترامب، في ظل عدم وجود إعلان سياسي حقيقي يتعلق بالعملات المشفرة، يؤكد وعوده الانتخابية بدعم سوق الكريبتو، إذ أنه بحلول أوائل مارس 2025، انخفضت عملة البيتكوين إلى حوالي 86 ألف دولار، بانخفاض حوالي 21% عن مستواها في يناير 2025، كما شهدت العملات الرقمية الأخرى تراجعًا مماثلًا، لاسيما عملة إيثريوم التي شهدت تراجعًا بأكثر من 40% منذ ديسمبر 2024، كما تعرضت عملات رقمية أخرى مثل التي أطلقها الرئيس ترامب “$TRUMP” لتقلبات حادة، إذ فقدت 80% من قيمتها منذ ذروتها في يناير 2025، وبالتالي فقد سوق العملات الرقمية بالكامل ما يقرب من تريليون دولار من قيمته السوقية منذ  ديسمبر 2024[2].

تزايد الاهتمام:

دفعت تلك التقلبات بترامب إلى الإعلان عبر منصة “Truth Social” في 2 مارس 2025، عن أسماء 5 عملات مشفرة متوقع إدراجها ضمن الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي، ولم يتم الكشف عن خطة ترامب بشكل واضح لاسيما فيما يتعلق بحصة كل عملة مشفرة أو الجدول الزمني لإدراجها، ومع ذلك، يمكن القول إن ترامب يستهدف تنويع الاحتياطي الاستراتيجي من الأصول الوطنية بهدف تنويع الممتلكات الحكومية والتحوط في مواجهة المخاطر المالية، كما أن خطوة إنشاء احتياطي استراتيجي للعملات المشفرة يعطيها طابع الشرعية.

ويُلاحظ في المنشور الأول اعتزامه إنشاء احتياطي فيدرالي للعملات المشفرة ولم يذكر إلا 3 عملات وهي سولانا SOL، وإكس أر بي XRP، وكاردانو ADA، ليعود بعد وقت قليل ويضيف عملتي بيتكوين وإيثريوم، كما لُوحظ نشر التصريح في يوم الأحد وهو ما يتماشى مع نهاية الأسبوع وفقًا للنظام الأمريكي، وذلك ما يوضح ضمنيًا نية الرئيس ترامب في إظهار ميزة أن نظام العملات المشفرة متواصل دائمًا ولا يرتبط بأيام العطلات، على خلاف أسواق العملات التقليدية.

ويمكن القول إن الرئيس ترامب لم يُشر إلى بيتكوين وإيثريوم في المرة الأولى بسبب رغبته في دعم العملات الرقمية والمشفرة الصادرة عن شركات أمريكية في المقام الأول، فعلى الرغم من أن العملتين أكثر شهرة في سوق العملات المشفرة، فإنهما لم يصدرا من شركات أو مستثمرين أمريكيين، إذ يعود إطلاق عملة إيثريوم إلى مهندس روسي الجنسية يُدعى “فيتاليك بوتيرين”، بينما لاتزال عملة بيتكوين مجهولة المصدر (تعود لشخصية “ساتوشي ناكاموتو” المجهولة) مع بعض التكهنات أن العملة يابانية المصدر.

أثار تصريح ترامب جدلًا كبيرًا في أسواق العملات المشفرة، وتباينت الآراء بشأن ما نشره ترامب، إذ تخوف البعض من أن السعي لإدراج العملات المشفرة في الاحتياطي قد يرسل إشارة مفادها أن العملات المشفرة دائمة وهو ما يشجع المؤسسات المالية الأخرى على شرائها، وقد تتجه حكومات الدول الأخرى لإنشاء احتياطي خاص بها في إطار تنافسي، وهو ما يسفر عنه ارتفاع الأسعار، في حين يرى آخرون أن احتياطي العملات المشفرة قد يكون بمثابة تحوط من حقيقة أن قيمة الدولار ستصبح أقل بمرور الوقت، بسبب إنتاج عدد محدود من العملات المعدنية.

وبالنظر إلى أسواق العملات المشفرة، كان لإعلان ترامب أثرًا كبيرًا في ظهور ارتفاع مؤقت في أسعار تلك العملات المذكورة، حيث ارتفعت عملة كاردانو بنسبة 60%، وعملة اكس أر بي بنسبة 33%، كما ارتفعت عملة سولانا بنسبة 25%، وفي الوقت نفسه ارتفعت عملة بيتكوين بنسبة 13% وإيثريوم بنسبة 10%[3]، إلا أن تلك الزيادات سرعان ما عادت إلى مستويات ما قبل الإعلان بعد وقت قصير.

واستكمالًا لسلسة تأكيدات ترامب لوعوده الانتخابية بشأن سوق العملات المشفرة وكسب مؤيديه من سوق الكريبتو، فقد وقع أمرًا تنفيذيًا في 7 مارس 2025 لإنشاء احتياطي استراتيجي لعملة البيتكوين، وعلى الرغم من ذلك فإنه من غير الواضح ما إذا كان الاحتياطي المخطط له قد يواجه عقبات قانونية، أو تطلبه قانونًا من الكونجرس، مع تواجد مخاوف من أن هذه الخطوات قد تؤدي إلى تقلبات غير مرغوب فيها في سوق العملات المشفرة.

عقبات ضاغطة:

لا يمكن إخفاء صعوبة تحقيق ترامب طموحاته في صناعة التشفير بمفرده، حتى وإن حصل على تفويض كامل ودعم مؤيديه من الحزب الجمهوري، أو من الكونجرس، أو مساندة كبار رجال صناعة التشفير في الولايات المتحدة، وذلك لعدة أسباب على النحو التالي:

  • إن صناعة التشفير يصعب أن تستحوذ عليها الولايات المتحدة منفردة، لاسيما أن هذه الصناعة تتضمن عمليات عديدة، وهي منتشرة جغرافيًا في جميع أنحاء العالم، وتمارس بعض الدول أدوارًا مؤثرة في هذا الإطار، لاسيما الصين وكازخستان وسنغافورة وفيتنام واليابان وغيرها.
  • حتى تصبح الولايات المتحدة عاصمة لتلك الصناعة فلابد أن يكون ما سيتخذه الرئيس ترامب من إجراءات مقبولًا ومنظمًا من قبل باقي المؤسسات المالية الدولية، والتي لها دور كبير في رسم المسار التنظيمي عالميًا للبنوك المركزية، والتي يأتي في مقدمتها صندوق النقد الدولي وبنك التسويات الدولية “BIS” لاسيما الأخير الذي يهدف لتنسيق السياسات بين البنوك المركزية وتحقيق الاستقرار المالي العالمي، ويشارك في عضويته أكثر من 60 بنكًا مركزيًا حول العالم متضمنًا بنك الاحتياطي الفيدرالي، وبالتالي فإن الرئيس ترامب ليس أمام خيار أن يعمل بمعزل عن المؤسسات المالية الدولية التي تعارض سياسة العملات المشفرة لكونها غير تابعة لإشراف بنك أو حكومة أو إطار تنظيمي.
  • تخوف المستثمرين من صعوبة تحقيق مستهدف ترامب وتنامي الانتقادات لخططه في وسائل الإعلام، الأمر الذي قد يؤدي إلى تقلبات كبيرة في قيمة تلك العملات المشفرة، خاصةً مع عدم وضوح تفاصيل خطط ترامي حتى الوقت الحالي، لكنها تعني ضمنيًا وضع أموال عامة على شكل عملات مشفرة والاحتفاظ بها، وحتى بعد توقيع ترامب للأمر التنفيذي في إنشاء احتياطي استراتيجي، لم يُعلن حينها عن أي خطط موضحة بشكل تفصيلي، ويفاقم الأمر وجود تخوفات أخرى من المواطنين أن يؤدي هذا المشروع إلى تكاليف إضافية على دافعي الضرائب الأمريكيين.

وختامًا، يواجه ترامب تحديات في تنفيذ مخططاته بشأن دعم صناعة التشفير في الولايات المتحدة، خاصةً بعد الانتقادات التي واجهها بأن دعم تلك العملات يصب في صالحه وصالح أسرته، إضافةً إلى ما تتسم به تلك العملات من أنها عرضة للتقلبات الحادة، فالرئيس ترامب بحاجة للتعامل مع التحديات السابقة عند الإقدام على أي خطوة لجعل الولايات المتحدة عاصمة التشفير في العالم، ولعل أقل الخيارات مخاطرة هو سعيه لتنسيق التعاون مع بنك التسويات الدولية “BIS”، فضلًا عن ضرورة سعى ترامب للحصول على موافقة الكونجرس وضمان عدم وجود معارضات وانقسامات داخلية قد تعيق التقدم في تلك الخطط.


[1] سوق الكريبتو هو سوق مالي رقمي يتم فيه تداول العملات المشفرة مثل بيتكوين وإيثريوم وغيرها، يتميز هذا السوق بأنه يعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، ويعتمد على تقنية البلوك تشين لتأمين المعاملات وتسجيلها بشكل شفاف وآمن.

[2] Ashish Ghosh, “BTCUSD on a roller-coaster drive amid Trump policy flip-flop”, iForex. 5 March 2025. Available at: https://www.iforex.in/news/btcusd-roller-coaster-drive-amid-trump-policy-flip-202503051400

[3] Alimat Aliyeva, “Trump creates cryptocurrency reserve that make United States “crypto capital of world”, AZERNEWS. 3 March 2025. Available at: https://www.azernews.az/region/238525.html

benjamin
ارتدادات ضاغطة: كيف ينعكس استمرار حرب غزة على أداء الاقتصاد الإسرائيلي؟
العقوبات
العقوبات الاقتصادية: حرب صامتة أشد فتكًا من الصراعات المسلحة
A Somali internally-displaced person (IDP) child looks out from her family's makeshift home in Maslah camp on the outski
مخاطر متزايدة: تراجع التمويل الخارجي لمنطقة أفريقيا جنوب الصحراء
11113
تحولات نقدية: زيادة حيازة الذهب في مواجهة تقلبات السياسة الأمريكية
Scroll to Top