Search

رؤى بحثية: إشكاليات التعامل الأوروبي مع ملف الهجرة

22/07/2025

أصبح ملف الهجرة أحد أهم الملفات المطروحة على الساحة الدولية والمؤثرة على طبيعة العلاقات الأوروبية الأفريقية، كما فرض ملف الهجرة بأبعاده المختلفة على صانع القرار الأوروبي إعادة هيكلة هذا الملف، وظهرت مطالبات بتضمين الشركاء الأفارقة في صياغة وصنع سياسات الهجرة الأوروبية، فيما تزامن ذلك مع تزايد اهتمام المراكز البحثية الغربية التي ركزت على تقديم معالجات معمقة لملف الهجرة.

وفي هذا السياق، اهتم المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية “ISPI” بدراسة طبيعة العلاقات الأوروبية الأفريقية ودور ملف الهجرة كمحدد رئيس لهذه العلاقات، من خلال سلسلة من التقارير البحثية، التي تتناول أبعاد “دبلوماسية الهجرة”[1] كأداة لتحليل سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه القارة الأفريقية، لفهم مدى فاعلية هذه السياسات ومواقف الشركاء الأفارقة منها.

آليات التعامل الأوروبية:

ترتكز الاستراتيجية الأوروبية للتعامل مع ملف الهجرة على عددٍ من الإجراءات الأساسية، لعل من أهمها: نقل الأزمة خارج الحدود الجغرافية الأوروبية، من خلال التوسع في تصنيف البلدان “الآمنة”، وتوقيع اتفاقيات مع دول ثالثة لاستقبال المهاجرين أو منعهم من الوصول، ولا تزال أوروبا تنظر للهجرة النظامية كأداة تفاوضية، وليست كجزء من الحل، على الرغم من احتياج أوروبا لقوى عاملة شابة بسبب تراجع عدد السكان في سن العمل.

وتتمثل عناصر وإجراءات الاستراتيجية الأوروبية فيما يلي:

  • توسيع مفاهيم “البلد الآمن”: عملت المفوضية الأوروبية على تشجيع مقترحات توطين المهاجرين في “بلد آمن” وعلى هذا الأساس فقد تم تنظيم إجراءات اللجوء (APR) والتي يمكن من خلالها زيادة عمليات ترحيل طالبي اللجوء من خلال توسيع استخدام قواعد “البلد الآمن”، والتي تشمل مفهوم “البلد الثالث الآمن” و”بلد المنشأ الآمن”.
  • إنشاء مراكز ترحيل: حيث دفعت المفوضية الأوروبية نحو تدشين نظام مشترك لترحيل المهاجرين داخل الاتحاد الأوروبي، بهدف معالجة الثغرات طويلة الأمد في سياسة الترحيل الخاصة بالاتحاد، حيث قدمت المفوضية في مارس 2025 مسودة تشريعية جديدة لتأسيس نظام موحد للترحيل يشمل إجراءات لاتخاذ قرارات الترحيل والاعتراف المتبادل بهذه القرارات بين دول الاتحاد، وكذلك السماح بنقل الأشخاص الذين صدرت بحقهم قرارات ترحيل نهائية إلى أي دولة خارج الاتحاد.
  • التوطين الخارجي: بحيث تقوم دول الاتحاد بنقل مسئولية إدارة الملف إلى دول خارج الاتحاد (دول ثالثة)، فيما يُعرف بـ”التوطين الخارجي” أو externalization، حيث يسعى الاتحاد إلى إبرام اتفاقيات مع دول خارجية (مثل تركيا أو تونس أو ألبانيا) لترحيل المهاجرين أو إبقائهم خارج حدود أوروبا، بدلًا من معالجة طلباتهم داخل الدول الأوروبية.

ومن ثم يتضح استمرار منطق “المركزية الأوروبية” في رفض إشراك الأصوات الأفريقية أو استيعاب وجهات نظرها في صنع السياسات أو تنفيذها.

نقد الاستراتيجيات الأوروبية:

رغم أن الاتحاد الأوروبي يركّز على الحد من وصول المهاجرين غير النظاميين وتسريع عمليات الترحيل، فإن هذه السياسة تواجه العديد من التحديات الهيكلية، وذلك كما يلي:

  • تراجع التعاون مع دول الأصل: خصوصًا فيما يتعلق بقبول الدول إعادة مواطنيها المرحلين (ما يُعرف باتفاقيات الإعادة)، فعلى الرغم من محاولات الاتحاد استخدام أدوات ضغط مثل المساعدات التنموية، فإن نسب الترحيل الفعلية إلى العديد من الدول الأفريقية لا تزال منخفضة، ويمكن تفسير ذلك بالرجوع إلى عدد من الأسباب، منها أن ترحيل المواطنين الأفارقة من أوروبا قد يؤثر على التحويلات المالية في البلدان الأصلية، وهي مصدر دخل مهم لكثير من الأسر والدول الأفريقية.
  • ضعف المسارات القانونية: حيثتظل المسارات القانونية للهجرة أداة ثانوية في سياسات الاتحاد الحالية، حيث يتم التعامل مع الهجرة النظامية كنوع من المكافأة المشروطة مقابل تعاون الدول الثالثة في ضبط الحدود، بدلًا من اعتبارها هدفًا استراتيجيًا، ورغم أن هذا الطرح قد يكون ملائمًا سياسيًا، فإنه محدود المدى استراتيجيًا.
  • تراجع الدعم المالي: لا تزال الاستثمارات في الهجرة القانونية على مستوى المفوضية الأوروبية محدودة مقارنة بالمبالغ المرصودة لضبط الحدود، فمنذ 2016، تم تخصيص 35 مليون يورو فقط عبر “مرفق الشراكة في الهجرة” لمشروعات الهجرة القانونية والتنقل، في المقابل، تم تخصيص أكثر من 10 مليارات يورو للفترة 2021 – 2027 ضمن نفس الصندوق لتعزيز أمن الحدود وإدارة الهجرة.

ومن المهم الإشارة إلى عجز كافة الاستراتيجيات الأوروبية التي تم صياغتها للتعامل مع ملف الهجرة عن إيجاد حل نهائي ومستدام للمهاجرين، وذلك نتيجة عدد من الأسباب، أبرزها ما يلي:

  • معضلة الأمننة (تزايد الاعتماد على عنصر الأمن)، فمنذ اندلاع أزمة اللاجئين عام 2015 ارتكزت كافة السياسات الأوروبية في التعامل مع ملف الهجرة على المنظور الأمني، إذ تركز بنود الميزانية، والاتفاقيات المتعلقة بالهجرة، واتفاقيات إعادة القبول، في المقام الأول، على تدابير الاحتواء، بما في ذلك تعزيز قدرات خفر السواحل في ليبيا والسنغال، وتدعيم تقنيات المراقبة في موريتانيا، وتحفيز حكومات دول الساحل مثل النيجر على الحد من المغادرة، ورغم أن هذه التدابير قد تُبطئ من وتيرة عبور البحر أو طرق الصحراء في الأمد القصير، فإنها تقوم على فرضية خاطئة، مفادها أن “الهجرة مسألة يجب إدارتها في الأساس، بدلًا من اعتبارها عملية اجتماعية معقدة تتأثر بعوامل اقتصادية وديموغرافية وشبكات عابرة للحدود” ونتيجة لذلك، لا يوجد لدى الفاعلين الأوروبيين حافزًا كبيرًا للاستثمار في أساليب تشاركية قائمة على المدخلات المحلية من الأسفل إلى الأعلى، أو في أطر تنقُل إيجابية، أو في معالجة العوامل الهيكلية المحركة للهجرة.
  • الإرث الاستعماري، فلا يزال الإرث الاستعماري أحد أهم المحددات الحاكمة لطبيعة العلاقات الأوروبية الأفريقية، فعلى الرغم من حديث بروكسل عن “الشراكة”، فإن المفاوضات غالبًا ما تتم وفق شروط يحددها الاتحاد الأوروبي، وتُبرز حزم المساعدات المالية والشروط المرافقة لها هذا الاختلال في التوازن، حيث تدفع الحكومات في غرب أفريقيا نحو تحقيق أهداف يحددها الأوروبيون، تركز على ضبط الحدود والتعاون في إعادة المهاجرين،  وفي المقابل، تحظى أولويات التنمية لدى الدول الأفريقية، مثل التكامل الإقليمي، وتوظيف الشباب، وتطوير البنية التحتية الريفية، باهتمام وتمويل أقل، وكذلك فقد أصبح التعاون يميل إلى نمط الصفقات، حيث تُقدم المساعدات المالية مقابل اتفاقيات لإعادة القبول أو تشديد الرقابة على الحدود.
  • التحولات الجيوسياسية، حيث أسهمت التحولات الجيوسياسية التي تشهدها القارة الأفريقية في إعادة تشكيل الموقف الأفريقي من التعاون مع الاتحاد الأوروبي فيما يخص ملف الهجرة، حيث لم تعد أوروبا بالنسبة لصانع القرار الأفريقي مصدرًا للحلول، كما أن الشراكات التقليدية التي سبق أن ربطت بين أوروبا وأفريقيا أصبحت أكثر عرضة لعمليات المراجعة، وذلك نتيجة تزايد المشاعر المناهضة للأجانب ووجود فئة شابة تطالب بالتغيير، كذا فقد أسهمت التحولات التي طرأت على دول مثل مالي، وبوركينا فاسو، والنيجر، في تصاعد الدعوات المجتمعية لإقامة تحالفات بديلة وزيادة الاعتماد على الذات في التعامل مع التحديات الإقليمية.

وختامًا، يتضح تزايد السعي الأوروبي لإعادة صياغة العلاقات بأفريقيا من خلال ما يُعرف بـ”دبلوماسية الهجرة”، والتي حولت ملف الهجرة من قضية إنسانية أو تنموية إلى أداة ضغط سياسية، ومثل هذا الإطار لا يعكس شراكة متوازنة بقدر ما يعيد إنتاج أنماط الهيمنة السابقة، إذ تُستخدم الهجرة كوسيلة لتحقيق مكاسب أمنية أوروبية، دون مراعاة كافية لأولويات ومصالح الطرف الأفريقي، لأن إدارة الملف قائمة على منطق السيطرة والضغط وليس الشراكة المتوازنة، كما أنها تُسيّس ملف الهجرة وتتعامل معه من منظور أمني بدلًا من الاعتراف بالهجرة كحركة اجتماعية عالمية، كما أن هذه الصيغة تفشل في مخاطبة الدوافع الأساسية للهجرة مثل الفقر والتغير المناخي، والحروب والصراعات.


[1] Matteo villa, “Between Shores: Reframing EU Migration Policy Through an African Lens”, Italian Institute for International Political Studies (ISPI). 15 July 2025. Available at https://www.ispionline.it/en/publication/between-shores-reframing-eu-migration-policy-through-an-african-lens-213299

2222
رؤى بحثية: تطورات العلاقات الأمريكية الإسرائيلية
trumpharvard
إشكاليات مطروحة: أبعاد الخلاف بين الرئيس ترامب وجامعة هارفارد
zohran
ما بعد فوز زُهران ممداني بالانتخابات التمهيدية في نيويورك؟
73883
عودة للهدوء: إعلان نتائج الانتخابات الكورية الجنوبية
Scroll to Top