Search

مبادرة الرباعية الدولية لإنهاء حرب السودان.. استمرار التباينات

24/09/2025

في ظل استمرار الأزمة السودانية دون تسوية سياسية، تواصل القوى الإقليمية والدولية جهودها في محاولة لوقف إطلاق النار ودفع كل من الجيش السوداني والدعم السريع للعودة إلى المسار السياسي ومحاولة التوصل إلى اتفاق سياسي شامل لإنهاء الصراع المستمر منذ أبريل 2023، وما أسفر عنه من تداعيات على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والإنسانية، حيث أصبح هناك حكومتين، ولأول مرة في تاريخ السودان، الحكومة الشرعية برئاسة “كامل إدريس” في بورتسودان، وحكومة أخرى موازية في مناطق سيطرة الدعم السريع، وهو ما يُزيد احتمالات انقسام البلاد سياسيًا، وفي نفس الوقت تزداد الأزمة الإنسانية بسبب الانتهاكات التي ترتكبها قوات الدعم السريع ضد المدنيين في جبهات القتال، ومنعهم إيصال المساعدات الغذائية والدوائية لهم.

مسار مُقترح:

طرحت اللجنة الرباعية الدولية التي تضم كل من مصر والسعودية والإمارات والولايات المتحدة، مبادرةً دعت فيها كل من الجيش السوداني برئاسة الفريق أول ركن “عبد الفتاح البرهان” رئيس مجلس السيادة الانتقالي، وقوات الدعم السريع لوقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أشهر بصفة أولية، وذلك لأغراض إنسانية تتضمن إيصال المساعدات بشكل سريع إلى جميع أنحاء السودان، بما يؤدي إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار في البلاد.

كما تضمنت المبادرة أيضًا إطلاق عملية انتقالية شاملة وشفافة تختتم في غضون 9 أشهر لتلبية تطلعات السودانيين نحو تأسيس سلس لحكومة مدنية مستقلة تتمتع بشرعية واسعة ومساءلة، باعتباره أمرًا حيويًا لاستقرار السودان والحفاظ على مؤسسات الدولة، مع التأكيد على أن مستقبل الحكم في السودان هو قرار يخص الشعب السوداني وحده، في إطار مرحلة انتقالية شاملة تتسم بالشفافية ولا تخضع لسيطرة أي من طرفي الصراع الراهن، وهو ما يعني دعوة الأطراف السودانية للدخول في مرحلة انتقالية جديدة تبدأ بوقف فوري لإطلاق النار وهدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، كخطوة أولى لتهيئة الأجواء السياسية الداخلية لمرحلة انتقالية تمتد إلى عام، وتنتهي بتشكيل حكومة وطنية.

رفض رسمي:

أثارت مبادرة اللجنة الرباعية الدولية مواقف الأطراف السودانية الفاعلة، وعلى رأسها الجيش السوداني والحكومة الشرعية برئاسة “كامل إدريس”، وتمثل الموقف الرسمي السوداني في رفض المبادرة جملة وتفصيلًا، وهو ما ظهر في البيان الصادر عن مجلس السيادة الانتقالية السوداني برئاسة الفريق أول ركن “عبد الفتاح البرهان” والذي عبر فيه عن رفضه لوقف إطلاق النار والتأكيد على أن الحرب القائمة تستهدف الشعب السوداني، وهو ما يفرض على الجيش أن يواجهها، وبالتالي فإن الجيش هو الجهة الوحيدة التي لها الحق في اتخاذ القرار الخاص سواء بمواصلة الحرب أو إيقافها.

كما أعربت الحكومة السودانية برئاسة “كامل إدريس” عن اعتراضها على المبادرة، وأشارت إلى أن الشعب السوداني هو الوحيد الذي يحدد كيف يُحكم من خلال التوافق الوطني تحت قيادة الحكومة الانتقالية الحالية، واشترطت الحكومة السودانية احترام سيادة الدولة السودانية وشرعية المؤسسات القائمة كشروط رئيسة لقبول أي مبادرات خارجية تدعو لوقف إطلاق النار في البلاد، وفي هذا الإطار أشار البيان الصادر عن وزارة الخارجية السودانية إلى أن الحكومة السودانية تؤيد أي جهد إقليمي ودولي يساعدها على إنهاء الحرب.

وقد استند موقف الجيش والحكومة السودانية الرافض لهذه المبادرة إلى أنها تعد تدخلًا في الشئون الداخلية للدولة السودانية، بالإضافة إلى أن المبادرة شأنها شأن مبادرات سابقة تسعى للمساواة بين الجيش والدعم السريع، وهو ما ترفضه الحكومة السودانية التي أكدت على عدم استطاعة “أي جهة في العالم فرض ميليشيا الدعم السريع كطرف في أي تسوية سياسية أو عسكرية”، كما يرى الجيش أن أي هدنة قد تُستغل من الدعم السريع لإعادة ترتيب الصفوف، والتموضع في جبهات القتال، وبالتالي رفض منح الدعم السريع أي فرصة للقيام بذلك.

مواقف مؤيدة:

في مقابل الموقف الرافض للحكومة الشرعية السودانية، فقد أصدرت الحكومة الموازية غير المعترف بها التابعة للدعم السريع، عن ترحيبها بمبادرة اللجنة الرباعية الدولية، ووصفت المبادرة بأنها تأتي في إطار الجهود الدولية الساعية لإنهاء الحرب في السودان، وادعت قوات الدعم السريع أن المبادرة تتماشى مع مساعيها لوقف الحرب وبناء الدولة السودانية.

ويتناقض هذا الطرح الذي تروج له قوات الدعم السريع وحكومتها مع الانتهاكات والممارسات على أرض الواقع، حيث تُواصل قوات الدعم السريع التصعيد العسكري ضد مواقع الجيش كذا استهداف المدنيين، وذلك من خلال شن هجمات عسكرية مكثفة باستخدام الطائرات المُسيرة على مواقع عسكرية وبنى تحتية، وتسعى قوات الدعم السريع لمواصلة التصعيد العسكري من أجل الحفاظ على الوضع الميداني والعسكري، ومحاولة توسيع مناطق النفوذ والهيمنة، وهو ما تعكسه محاولاتها الدؤوبة لاقتحام مدينة “الفاشر” عاصمة ولاية “شمال دارفور” بغرض إحكام سيطرتها على إقليم دارفور بالكامل، غير أن هذه المحاولات قد باءت بالفشل بسبب نجاح الجيش السوداني والقوات المتحالفة معه في التصدي للهجمات العسكرية للدعم السريع، وإحباط محاولاتها، بل وتكبيدها خسائر مادية وبشرية.

تباينات الداخل:

أعلنت بعض القوى المدنية عن ترحيبها بمبادرة اللجنة الرباعية، حيث أصدر رئيس تحالف القوى الديمقراطية المدنية (صمود) “عبد الله حمدوك” بيانًا أشار فيه إلى أن المبادرة جاءت متطابقة مع رؤيتهم لإنهاء الحرب بحل سياسي والتمسك بوحدة السودان، كما رأى تحالف “صمود” أن المبادرة لاقت قبولًا واسعًا على الصعيد المحلي في السودان، وهو ما تمثل في بيانات وتصريحات القوى المدنية المناهضة للحرب، لا سيما مع تركيز المبادرة على محاولة حل الأزمة الإنسانية وإيصال المساعدات الغذائية والأدوية للمدنيين المتضررين من الصراع.

فيما أيد التحالف دعوة المبادرة لإبعاد الإخوان المسلمين عن المشهد السياسي والعسكري في البلاد، حيث دعا “حمدوك” الرباعية الدولية لاتخاذ إجراءات حازمة تجاه معرقلي التسوية، لاسيما جماعة الإخوان، وطالب “حمدوك” بتصنيف الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني في السودان كجماعتين إرهابيتين، مستندًا في ذلك إلى أن وضع الإخوان المسلمين أصبح مماثلًا لتنظيمي القاعدة وداعش، متهمًا الإخوان المسلمين وحزب المؤتمر الوطني (الحاكم سابقًا) بتأجيج الصراع في البلاد، وعرقلة محاولات وقف إطلاق النار، ومن ثم تقويض عملية التسوية السياسية للأزمة السودانية المتفاقمة.

استندت هذه الاتهامات إلى البيانات الصادرة عن قيادات الحركة الإسلامية، ومن بينهم “أحمد هارون” و”علي كرتي”، والتي تدعو إلى استمرار الحرب، لأن في استمرارها فرصة سانحة تضمن لهم تنفيذ مخططاتهم الخاصة بالعودة إلى السلطة وتصدر المشهد السياسي مرة أخرى، بينما يتهم قادة الحركة الإسلامية اللجنة الرباعية بعدم الحياد والعمل على زعزعة الاستقرار الداخلي في البلاد، والزعم بالانحياز لموقف قوات الدعم السريع والقوى المؤيدة له التي تحاول الترويج إلى أنها تستهف وقف إطلاق النار والعودة لمسار المفاوضات، حيث يخشى الإخوان المسلمون من تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها القوى السياسية المدنية الرافضة لعودة التيار الإسلامي للسلطة في السودان.

استمرار الصراع:

تعكس مبادرة اللجنة الرباعية الدولية محاولة القوى الإقليمية والدولية وقف التصعيد العسكري الراهن في السودان، وذلك عبر دفع الأطراف السودانية لوقف إطلاق النار والعودة مرة أخرى للمسار السياسي، في ظل تفاقم الأوضاع الإنسانية وزيادة معاناة الشعب السوداني، إلا أن هناك العديد من الأسباب التي تحول دون نجاح هذه المبادرات، التي يكمن أبرزها في التعامل مع الجيش والدعم السريع كطرفين متساويين، وهو أمر يرفض الجيش، حيث يرى أن الدعم السريع ميليشيا متمردة يجب القضاء عليها، وأن هذه المسئولية تقع على عاتق الجيش وحده دون تدخل خارجي من أي دولة أو جهة، وهو الشرط الذي يتمسك به الجيش السوداني لحل الصراع الحالي، ويرفض التنازل عنه.

في هذا السياق، من المتوقع أن يزداد التدخل الدولي في الأزمة السودانية، وهو ما عكسه إعلان الولايات المتحدة فرض عقوبات جديدة على شخصيات سودانية، وموافقة مجلس الأمن الدولي على تمديد قرار حظر الأسلحة المفروض على دارفور حتى سبتمبر 2026.

وختامًا، فإن المعطيات الراهنة ترجح استمرار الصراع المسلح لحين نجاح الجيش السوداني في القضاء على قوات الدعم السريع، أو على أقل تقدير، تحييد قدراتها العسكرية ودفعها لوقف التصعيد العسكري واستهداف المدنيين، والاستجابة لشروط الجيش بنزع السلاح واحترام سيادة الدولة السودانية، إلا أن ذلك يواجهه رفض الدعم السريع الاستجابة لمطالب الجيش، بل والعمل على فرض واقع سياسي جديد، الأمر الذي قد تزداد معه مظاهر عدم الاستقرار السياسي والأمني، بشكل يدفع القوى الدولية لمواصلة جهودها لتسوية الأزمة السودانية.

2222
رؤى بحثية: تطورات العلاقات الأمريكية الإسرائيلية
trumpharvard
إشكاليات مطروحة: أبعاد الخلاف بين الرئيس ترامب وجامعة هارفارد
Migr
رؤى بحثية: إشكاليات التعامل الأوروبي مع ملف الهجرة
zohran
ما بعد فوز زُهران ممداني بالانتخابات التمهيدية في نيويورك؟
Scroll to Top