Search

شبكات الظل: ستارلينك والإرهاب في أفريقيا

07/10/2025

أسهم التوسع العالمي لمشروع ستارلينك Starlink التابع لشركة سبيس إكس Space X في إثارة قدر كبير من الجدل في السنوات الأخيرة، إذ يهدف المشروع إلى إتاحة إنترنت عالي السرعة في مناطق ذات البنية التحتية المتواضعة، بما يسهم في سد الفجوة الرقمية العالمية، ويقدم خدمات للمناطق المهمشة لا سيما في بعض الدول الأفريقية، حيث لايزال النفاذ إلى الإنترنت يشكل تحديًا مزمنًا. لكن في الوقت ذاته، طرحت هذه الطفرة التكنولوجية مخاوف أمنية متعددة مرتبطة باحتمالية توظيف التنظيمات الإرهابية لهذه التقنية المتقدمة لتوسيع نشاطها وتعزيز نفوذها.

مؤشرات صاعدة:

تضم شبكة ستارلينك ألاف الأقمار الصناعية ذات المدار الأرضي المنخفض، مما يسمح لها بتوفير الإنترنت حتى في المناطق الأكثر بعدًا[1]، وعلى عكس البنية التحتية التقليدية القائمة على الأرض، والتي تصل إلى 37% فقط من القارة، توفر الشبكة تغطية إنترنت شبه كاملة، واعتبارًا من منتصف عام 2025، أصبحت الشبكة نشطة رسميًا في 24 دولة من أصل 54 دولة في أفريقيا[2]، وتضم شبكة ستارلينك مكونات صغيرة محمولة، حيث تشتمل على طبق، ومصدر طاقة، وكابلات، وقاعدة، وجهاز توجيه واي فاي، وقد أسهم صغر حجمها وسهولة نقلها في جعلها أداةً مهمةً للتنظيمات الإرهابية، إذ تستغل عصابات التهريب المعرفة المحدودة لأجهزة إنفاذ القانون بتكنولوجيا ستارلينك وعدم فهم مسئولي الحدود لمكوناتها وتقوم بتفكيك مكوناتها وتهريبها مع عناصر أخرى لتجنب اكتشافها من قبل السلطات.

وقد استخدمت التنظيمات الإرهابية التي تنشط في منطقة الساحل الأفريقي ووسط أفريقيا شبكات ستارلينك، حيث تندر البنية التحتية للاتصالات الأخرى، وبرزت العديد من المؤشرات التي كشفت هذا التوظيف، فعلى سبيل المثال، في يونيو 2024، نشرت جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” مقطع فيديو أعلنت فيه مسئوليتها عن عملية في “غاو” شرق مالي استهدفت “عبد العزيز مازا” قائد تنظيم “داعش الساحل”، وقد أظهر المقطع بشكل جلي استخدام الجماعة لنظام ستارلينك، كما أفادت قوات الأمن النيجرية أن أجهزة ستارلينك تمت مصادرتها خلال العمليات ضد كل من جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” وتنظيم “داعش الساحل” في منطقتي “تيلابيري” و”تاهوا” في النيجر.

كذلك، فقد كشفت الغارات التي شنها الجيش النيجيري على جماعة “بوكو حرام” عن استخدام الجماعة نظام ستارلينك للتواصل مع العالم من مخبئها في غابة سامبيسا، حيث صادرت القوات هذه التقنية في يوليو 2025، إلى جانب هواتف محمولة وأسلحة، خلال عملية “هادين كاي” لمكافحة الإرهاب في ولايتي “أداماوا” و”بورنو” شمال شرق نيجيريا[3].

وتشير تقارير متخصصة إلى أن قوة المهام المشتركة المتعددة الجنسيات، التي تم إنشائها في عام 2014 بهدف محاربة تنظيم “داعش غرب أفريقيا” وغيره من التنظيمات الإرهابية النشطة في حوض بحيرة تشاد، صادرت عدد كبير من أجهزة ستارلينك خلال العمليات ضد التنظيم في عامي 2024 و2025 [4]، وأكدت منظمة تحليل الأمن الأفريقي (ASA) أن ميليشيات “القوات الديمقراطية المتحالفة” المرتبطة بتنظيم “داعش” والتي تنشط في الكونغو الديمقراطية، حصلت على شبكات ستارلينك، مما أمن نطاقًا مستقرًا للقيادة ومراكز الإعلام، وانعكس بشكل إيجابي على تحسن جوده الاتصال[5].

دوافع متعددة:

ثمة دوافع متعددة تقف خلف توظيف التنظيمات الإرهابية لشبكة ستارلينك، يمكن استعراضها على النحو التالي:

  • تسهيل الاتصالات: توفر شبكات ستارلينك روابط موثوقة وعالية السعة للاتصال بالإنترنت في المناطق التي تكون فيها شبكات الهاتف المحمول متقطعة أو غائبة تمامًا. باستغلال هذه الروابط، تستطيع القنوات الإعلامية للتنظيمات الإرهابية تحميل فيديوهات عالية الجودة، والتنسيق عن بُعد مع جهات خارجية، والحفاظ على قنوات مراسلة مشفرة دون الاعتماد على البنية التحتية للاتصالات المحلية.
  • تعزيز القيادة: ينعكس النفاذ إلى الإنترنت عبر الأقمار الصناعية على تعزيز مرونة القيادة داخل التنظيمات الإرهابية، وذلك عبر تسريع اتخاذ القرار وتحسين جودة الاتصال بين المستويات القيادية والكوادر الميدانية، وينعكس هذا التطور على قدرة تلك التنظيمات على إنتاج رسائل أكثر دقة، وضمان التزامن بين النشاط العملياتي والخطاب الإعلامي. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى قيام المراكز الإعلامية والإقليمية التابعة لتنظيم “داعش” في وسط أفريقيا والقرن الأفريقي بإقامة روابط تواصل شبه فورية عبر الأقمار الصناعية مع القيادة المركزية للتنظيم، حيث تدعم هذه الروابط تنسيق الرسائل، والتحقق من صحة الادعاءات المرتبطة بالعمليات الميدانية، وتنفيذ عمليات عابرة للحدود[6].
  • تقويض العزلة: لطالما لجأت التنظيمات الإرهابية إلى المناطق النائية من أجل تجنب كشفهم وصعوبة الوصول إليهم، مما فرض عليهم عزلة معلوماتية، لكن يؤدي  انتشار شبكات ستارلينك إلى أن تتحول الملاذات الجغرافية البعيدة من فضاءات منعزلة إلى منصات متصلة بشبكات المعلومات، ولكنها في الوقت ذاته بعيده عن المراقبة، بما يضاعف من قدرة التنظيمات على التجنيد والاستقطاب، وتبادل المعلومات، وتنسيق الأنشطة عبر الحدود، وبالتالي لا يقتصر توظيف ستارلينك على تقليص الفجوة الرقمية فحسب، بل يُعيد تعريف معنى “الاتصال الشامل” بجعل العزلة الجغرافية والمعلوماتية شبه معدومة فيما يتعلق بالوصول إلى الإنترنت[7].
  • التهرب من المراقبة: يمثل استخدام الاتصال عبر الأقمار الصناعية تحديًا مباشرًا لآليات المراقبة، إذ يقوض من فعالية أدوات تعقب الإشارات الخلوية القائمة على رسم المثلثات لتحديد الموقع الجغرافي للمستخدمين، حيث تُتيح شبكات الهاتف المحمول لأجهزة الاستخبارات رصد حركة العناصر ومتابعة نشاطهم عبر تحليل أبراج الاتصالات، فإن الأقمار الصناعية تحول دون استمرار النمط التقليدي في المراقبة، وتفرض قيود على عملية تحديد المواقع وتعقب مصادر الاتصال[8].

إشكاليات مطروحة:

يحمل توظيف التنظيمات الإرهابية لشبكة ستارلينك ثلاث إشكاليات مركبة، وذلك على النحو التالي:

  • يُشير توظيف التنظيمات الإرهابية للتكنولوجيا الحديثة من أجل تحقيق أهدافها إلى ما يُعرف بـ”الابتكار الخبيث”، إذ تهدف تلك التنظيمات من الابتكار الخبيث تأمين اتصالها وبنيتها التحتية والحفاظ على بقائها لا سيما مع توسع جهود المكافحة وممارستها ضغوط أمنية على هياكلها التنظيمية[9]، فلطالما واجه الابتكار التكنولوجي استغلالًا مبكرًا من قبل الفواعل العنيفة من دون الدول لا سيما التنظيمات الإرهابية، ولا تُستثنى ستارلينك من ذلك، وبالتالي يقتضي هذا الطرح ضرورة تفعيل سبل “الابتكار في المكافحة” لمواكبة المرونة والتكيف الذي تتميز به التنظيمات الإرهابية، والتعامل مع توظيفها للتطورات التكنولوجية الحديثة.
  • تعاون التنظيمات الإرهابية مع شبكات الجريمة المنظمة سعيًا لتوفير احتياجاتها المالية ودعم قدراتها اللوجستية، وفي ظل ذلك التعاون، وفرت عصابات التهريب العابرة للحدود شبكات ستارلينك للتنظيمات الإرهابية، مما يؤدي إلى تعقيد المشهد الأمني المضطرب بالفعل في القارة الأفريقية، ويقتضي اتخاذ إجراءات من شأنها تقويض شبكات النفوذ المتنامية بين الإرهاب والجريمة المنظمة في أفريقيا لا سيما منطقة الساحل.
  • تحدي شبكات ستارلينك المفهوم التقليدي للسيادة الوطنية المرتبط بالحدود المادية، فهناك تناقض واضح بين الطبيعة المادية للحدود الوطنية وطبيعة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية العابرة للحدود، إذ إن قدرة الدولة على التحكم في تدفق المعلومات أو الوصول إلى الإنترنت داخل حدودها المادية يتم تقويضها من قبل نظام يعمل فوق تلك الحدود، ومن ثم أصبحت المفاهيم التقليدية للسيادة الوطنية، المتمثلة في السيطرة الجغرافية، أقل فعالية في المجال الرقمي، الأمر الذي فرض على الدول إعادة تقييم سيطرتها الوطنية في المجال الرقمي، فضلًا عن ضرورة البحث عن آليات جديدة لتحقيق التوازن بين الانفتاح العالمي واعتبارات الأمن القومي[10].

وختامًا، يؤدي توظيف شبكة ستارلينك من قبل التنظيمات الإرهابية إلى تحول هيكلي في بيئتها التشغيلية، فلا يقتصر هذا التحول على تطور نمط ونطاق الدعاية بل يمتد إلى زيادة التنسيق الإقليمي، وتحقيق التكامل بين ساحات القتال المختلفة، وبالتالي تعزز تلك التنظيمات من قدراتها العملياته ومرونتها التنظيمية، مما يؤدي إلى تنامي التهديدات الأمنية في القارة الأفريقية، ويفرض على دول القارة البحث عن سبل جديدة لمواجهة هذه التحديات الناشئة.


[1] SpaceX, “Starlink Technology,” https://www.starlink.com/us/technology

[2] Solomon Ekanem, “Jihadist groups exploiting Starlink amid African expansion”, Business Insider- Africa. 7 July 2025. Available at https://africa.businessinsider.com/local/lifestyle/jihadist-groups-exploiting-starlink-amid-african-expansion-new-report-warns/qlsfzcm

[3] “Starlink Becomes Communication Tool of Choice for Sahel Terrorists”, Africa Defense Forum. 12 August 2025. Available at https://adf-magazine.com/2025/08/starlink-becomes-communication-tool-of-choice-for-sahel-terrorists/

[4] “The shadow constellation: how Starlink devices are shaping conflict and crime in the Sahel”, Risk Bulletin. Issue 12. May 2025. Available at https://riskbulletins.globalinitiative.net/wea-obs-012/02-how-starlink-devices-are-shaping-conflict-and-crime-in-Sahel.html

[5] “Starlink and African Jihadist Networks”, African Security Analysis (ASA). 17 September 2025. Available athttps://www.africansecurityanalysis.org/reports/starlink-and-african-jihadist-networks

[6] Ibid.

[7] “The Starlink Dilemma: Global Connectivity vs National Sovereignty”, New space Economy. 14 August 2025. Available at https://newspaceeconomy.ca/2025/08/14/the-starlink-dilemma-global-connectivity-vs-national-sovereignty/

[8] “Starlink and African Jihadist Networks”, Op cit.

[9] Aaron Brantly, “Innovation and Adaptation in Jihadist Digital Security”, Survival, Vol. 59. Issue 1. January 2017.  Available at https://doi.org/10.1080/00396338.2017.1282678

[10] “The Starlink Dilemma: Global Connectivity vs National Sovereignty”, Op cit

sahel-conf
توجه دول الساحل نحو "الأقلمة"
IranvsIsrael
عودة شبح المواجهة: الملف النووي الإيراني بين العقوبات الغربية والتهديدات الإسرائيلية
ir-isr
الردع المتحول والحرب الهجينة .. قراءة تحليلية في المواجهات الإسرائيلية الإيرانية
12356890
تحالفات متجددة: سياسات مكافحة الإرهاب في الساحل الإفريقي
Scroll to Top