تُعد التنظيمات المسلحة في منطقة الشرق الأوسط واحدة من أبرز العوامل التي تؤثر بشكل كبير على الأوضاع الأمنية والعسكرية في المنطقة؛ فقد شهدت المنطقة في العقود الأخيرة انتشارًا واسعًا لهذه الجماعات التي غالبًا ما تتسم بتوجهات أيديولوجية دينية أو سياسية أو عرقية والتي لها تأثيرات عميقة ومعقدة على استقرار الدول والشعوب، ويتنوع تأثير هذه التنظيمات بين عمليات مسلحة، وأنشطة إرهابية، كما تعزز من إمكانية حدوث تغييرات في موازين القوى المحلية والإقليمية.
وقد أدى ظهور هذه التنظيمات إلى إعادة رسم حدود الأزمات في الشرق الأوسط، حيث لا تقتصر تهديداتها على الدول التي تنشط فيها فقط، بل تمتد لتشمل الأمن الإقليمي والدولي، على سبيل المثال ساهمت هذه الجماعات في تصاعد النزاعات المسلحة بالعديد من الدول مثل سوريا والعراق وليبيا واليمن، وأسهمت في انهيار بعض الدول أو تصدعها داخليًا، كما أن التنظيمات المسلحة غالبًا ما تستغل الفراغات الأمنية والسياسية لتوسيع نفوذها، مما يُعقد الحلول السلمية ويزيد من تعقيد الصراعات.
وتواجه جيوش العديد من دول المنطقة تحديات غير تقليدية، تتمثل في محاربة هذه التنظيمات التي غالبًا ما تتسم بمرونة عالية، واعتمادها على أساليب حرب العصابات والأنشطة الإرهابية، وإدخالها تقنيات عسكرية جديدة مثل المسيرات، وهو ما يزيد من أعباء مكافحة تلك التنظيمات، وفي الوقت نفسه تستغل بعض الدول والقوى الإقليمية هذا الوضع لدعم أو مكافحة هذه التنظيمات وفقًا لمصالحها الاستراتيجية، مما يزيد من تعقيد الوضع الأمني.
وإجمالًا، فإن تأثير التنظيمات المسلحة في الشرق الأوسط على الترتيبات الأمنية والعسكرية يتجاوز حدود النزاعات المحلية، حيث يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن الإقليمي والدولي، ويستدعى تعاونًا إقليميًا متعدد الأبعاد لمواجهتها.
وفي هذا الإطار، تأتى هذه الدراسة التحليلية للوقوف على أنشطة التنظيمات المسلحة في الشرق الأوسط وأثرها على ترتيب الأوضاع الأمنية لصالح بعض القوى الإقليمية غير العربية، حيث ناقشت خريطة التنظيمات المسلحة في (ليبيا، العراق، سوريا، لبنان، اليمن، الساحل والصحراء) وتأثيرها على الترتيبات الأمنية الإقليمية، كذا تأثيراتها على الأمن القومي العربي، وقدمت مجموعة من الخطوات التي يمكن الاستعانة بها للتعامل مع ظاهرة الميليشيات المسلحة في المنطقة.
العدد-1-قضايا-أمنية-وعسكرية