سيقوم الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” بجولة لدول الخليج خلال الفترة 13 – 16 مايو 2025، والتي تأتي في ظل سياق إقليمي ودولي مختلف ومفتوح على سيناريوهات ومشاهد متعددة، وستمثل فرصة مواتية للولايات المتحدة ودول الخليج لتحقيق العديد من الأهداف والمصالح المشتركة.
ومن المتوقع أن تقتصر جولة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” على ثلاث دول خليجية، هي: السعودية والإمارات وقطر (مع احتمال أن يزور دولًا أخرى لم تتحدد بعد)، على أن تكون توقيتات الجولة وجدول أعمالها كما يلي: السعودية التي سيزورها خلال يومي 13 و14 مايو، وسيحضر خلال اليوم الثاني قمة مع قادة الدول الخليجية، وقطر التي سيزورها يوم 14 مايو، والإمارات التي سيزورها يوم 15 مايو.
خطوات مرحلية:
اتخذ الجانبان الأمريكي والخليجي بعض الخطوات مؤخرًا والتي ترتبط بصورة أو بأخرى بجدول أعمال وملفات الجولة، ويتمثل أبرزها كما يلي:
- مباحثات وزير خارجية السعودية الأمير “فيصل بن فرحان” مع نظيره الأمريكي “ماركو روبيو” التي ركزت على العلاقات الثنائية والتطورات الإقليمية والدولية، ومن المرجح اشتمال المباحثات على الترتيبات المتعلقة بزيارة الرئيس “ترامب” لا سيما أنه سيُعقد في السعودية قمة تجمع قادة دول الخليج العربي.
- توجه الولايات المتحدة نحو إطلاق اسم “الخليج العربي” بدلًا من “الخليج الفارسي”، وهو ما يأتي بعد إعلانه عن تطور كبير (قد يكون متعلقًا بغزة) بالتزامن مع زيارته للسعودية وقطر والإمارات، وترغب الولايات المتحدة من خلال هذه الخطوة إظهار مدى ارتباطها وتماشيها مع المطالبات الخليجية حتى وإن كانت تحمل دلالات رمزية فقط.
- إعلان سلطنة عُمان في 6 مايو 2025 عن نجاح وساطتها بين الولايات المتحدة والحوثيين، والتي أسفرت عن وقف إطلاق النار بين الجانبين، وقد جاء هذا النجاح بعد سلسلة من الاتصالات التي أُجريت مؤخرًا مع الولايات المتحدة والحوثيين، اتفق خلالها الجانبان على عدم استهداف بعضهما البعض مستقبلًا، بما في ذلك السفن الأمريكية، في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وقد نفذت الولايات المتحدة بشكل سريع جانبها من الاتفاق، حيث أوقفت بشكل تنفيذ ضربات جوية في اليمن، دون أن يمتد ذلك للجانب الإسرائيلي حيث أعلن الحوثيون استمرار استهدافهم للسفن الإسرائيلية.
- حراك خليجي لتنسيق المواقف والقضايا، وقد تمثل أبرز مظاهر هذا الحراك في: زيارة أمير قطر الشيخ “تميم بن حمد آل ثاني” إلى الإمارات، وعقده لقاءً مع الرئيس الإماراتي الشيخ “محمد بن زايد”، كذا تجديد مجلس التعاون الخليجي دعمه لموقف الكويت بشأن ملف ترسيم الحدود البحرية مع العراق، ودعم الدول الخليجية لحالة التهدئة والحوار في الأزمات الإقليمية والدولية الراهنة، لا سيما المحادثات الإيرانية الأمريكية التي تقودها سلطنة عُمان (من المُقرر استئناف المحادثات خلال الأيام المقبلة أثناء زيارة الرئيس ترامب)، والتصعيد الهندي الباكستاني.
أهداف خليجية:
ترغب الدول الخليجية تحقيق بعض الأهداف خلال زيارة الرئيس “ترامب” المرتقبة، والتي يكمن أبرزها فيما يلي:
- الحصول على المساعدة الأمريكية في تعزيز القدرات العسكرية، عبر المضي قدمًا في تنفيذ صفقات الأسلحة التي جرى الإعلان عنها دون قيود، مع إمكانية الحصول على نظم تسلح جديدة ومتطورة، لاسيما المقاتلات والطائرات المسيرة، بل وإبرام صفقات تسلح جديدة، مع الأخذ في الاعتبار أن إدارة “ترامب” تتبنى هذا التوجه، حيث تُشير التقارير إلى أن الرئيس “ترامب” قد يدفع باتجاه توقيع صفقات عسكرية بقيمة 100 مليار دولار مع السعودية أثناء الزيارة.
- ضمان أمن المنطقة الخليجية من أي مهددات ومخاطر إقليمية، فعلى الرغم من دعمها لمسار التهدئة والتباحث بين الولايات المتحدة وإيران، فإن الدول الخليجية لا ترغب في أن يتم التوصل لاتفاق لا يراعي المصالح الخليجية أو يعالج مخاوفها الرئيسية، والتي تتمثل في منع إيران من تصنيع أسلحة نووية، وضبط سياساتها في المنطقة.
- الإبقاء على السياسة الأمريكية الراهنة، التي تقوم على عقد صفقات سريعة، وهو أسلوب عمل تفضله الدول الخليجية، كذا البحث عن نقاط التوافق وتحقيق المصالح المشتركة كأولوية متقدمة على اعتبارات أخرى.
- ضبط التصرفات الإقليمية لإسرائيل، خاصةً في ظل توسع أنشطتها العسكرية في أكثر من بلد عربي، وهو الأمر الذي أدى لإدانة إسرائيل حتى من قبل الدول الخليجية المطبّعة معها مثل الإمارات، ومن شأن الضغط الأمريكي على إسرائيل إعادة الهدوء النسبي في بعض المناطق التي تنشط فيها عسكريًا، لا سيما في الأراضي الفلسطينية.
أهداف أمريكية:
على جانبٍ آخر، تُركز الولايات المتحدة في علاقتها بالدول الخليجية على تحقيق هدفين رئيسيين، وذلك كما يلي:
- تعزيز العلاقات والروابط الاقتصادية لا سيما أن السعودية والإمارات أعلنتا استثمار “2.4” تريليون دولار في اقتصاد الولايات المتحدة خلال السنوات المقبلة، تشمل مجالات عديدة، أبرزها: الطاقة، والأمن والدفاع، والبنية التحتية للذكاء الاصطناعي، وأشباه الموصلات، إضافةً إلى استثمارات خليجية أخرى في كياناتٍ وشركاتٍ كبرى يمتلكها أفراد مقربون من الرئيس “ترامب”، سواء قبل أو بعد توليه للمرة الثانية، فمثلًا، ضخ “جهاز قطر للاستثمار” و”جهاز الاستثمار العماني” استثمارات في شركة الذكاء الاصطناعي الناشئة xAI التي أسسها “إيلون ماسك”، القريب من “ترامب”، والذي يُرجح أن يظل عنصرًا مهمًا في صياغة السياسات الاقتصادية وعمليات إعادة الهيكلة الحكومية في الولايات المتحدة، حتى وإن ترك منصبه الرسمي كوزير للكفاءة الحكومية.
- استمرار الولايات المتحدة باعتبارها المورد الأمني والدفاعي الرئيسي للدول الخليجية، وذلك في الوقت الذي تتبنى فيه الدول الخليجية سياسية تنويع مصادر التسليح، حيث بدأت إدارة الرئيس “ترامب” بشكلٍ سريعٍ في تلبية المتطلبات الدفاعية والأمنية للدول الخليجية، من خلال العديد من الصفقات العسكرية، تضمن أبرزها: بيع محتمل لطائرات بدون طيار لقطر بقيمة “1.96” مليار دولار، وبيع محتمل لنظم أسلحة متطورة دقيقة التوجيه للسعودية بتكلفة تقدر بنحو “100” مليون دولار، وصفقة أخرى تتضمن صواريخ جو-جو متطورة متوسطة المدى من طراز “AIM-120C-8” بقيمة تبلغ “3.5” مليار دولار، وترقية وتطوير صواريخ باتريوت (من طرازي “PAC-2-GEM” و”PAC-2-GEM-T”) لدى الكويت في صفقة قيمتها نحو “400” مليون دولار، وجدير بالذكر أن الدول الخليجية من أكبر المستوردين العالميين للأسلحة الأمريكية خلال الفترة 2020 – 2024، حيث حصلت السعودية على نسبة “12%” من إجمالي الأسلحة الأمريكية، وحصلت قطر على نسبة “7.7%” وحصلت الكويت على نسبة “4.4%”، فيما أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية خلال الفترة 2016 – 2024 تراخيص تصدير بقيمة “613” مليون دولار من المعدات الدفاعية إلى عُمان، شملت الأسلحة الصغيرة والإلكترونيات العسكرية.
وختامًا، فإن زيارة الرئيس “دونالد ترامب” تتسم بكونها زيارةً مهمةً في سياقها العربي والدولي، وتأتي في إطار المصالح المشتركة، والفوائد المتبادلة، وقد يكون لها ارتدادات عميقة على ملفات إقليمية أخرى، لاسيما إيران وسياساتها الإقليمية، وكذلك التطورات الجارية في الأراضي الفلسطينية، والتي بدأت الإدارة الأمريكية في التسويق لها مبكرًا عبر تعيين حاكم أمريكي لإدارة قطاع غزة، وكذلك الإعلان عن شركة أمريكية إسرائيلية تتولى توزيع المساعدات في قطاع غزة، إلى جانب احتمالات التغيير في المعادلة الراهنة في الشرق الأوسط، ارتباطًا بما ستُسفر عنه المفاوضات الأمريكية الإيرانية حال نجاحها في التوصل لاتفاق نهائي.