Search

إشكاليات تحقيق الاستقرار بإقليم التيجراي الإثيوبي

12/05/2025

يشهد إقليم التيجراي في الوقت الراهن عددًا من التطورات السياسية والأمنية المهمة، خاصةً مع إصدار الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي بيانًا في 5 مايو 2025، أعربت فيه عن رفضها لقرار المجلس الوطني للانتخابات بالامتثال لقواعد وإجراءات تسجيلها كحزب سياسي، وعدم بدء الإدارة الجديدة في الإقليم التي شكلها الفريق “تاديسي ويريدي” لمهام عملها، والتعامل مع الملفات الاقتصادية والأمنية المطروحة على جدول أعمالها، وتُشير هذه التطورات في مجملها إلى استمرار مظاهر عدم الاستقرار السياسي في الإقليم.

اتهامات للحكومة الفيدرالية:

استندت الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي في موقفها إلى تقصير الحكومة الإثيوبية في تنفيذ اتفاق بريتوريا للسلام، وعدم نزاهة وشفافية الإجراءات الخاصة بإعادة تسجيل الجبهة كحزب سياسي، حيث ترفض الجبهة الالتزام بشروط إعادة التسجيل بما في ذلك عقد مؤتمر عام، حيث تدعي الجبهة بأنها عقدت هذا المؤتمر في شهر أغسطس 2024، غير أن المجلس الوطني للانتخابات رفض ذلك، إذ تم عقد المؤتمر بزعامة “دبرصيون جبر ميكائيل” في ظل تصاعد الخلافات بينه وبين الرئيس السابق للإدارة المؤقتة لإقليم التيجراي “جيتاشو رضا”، والذي تم تعيينه مستشارًا لرئيس الوزراء “آبي أحمد” لشئون شرق أفريقيا في شهر أبريل 2025.

وفي ختام اجتماع اللجنة المركزية لجبهة التيجراي والذي استمر لمدة خمسة أيام خلال شهر أبريل 2025، اتهمت الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي الحكومة الفيدرالية الإثيوبية بإصدار لوائح وقرارات بشكل أحادي دون التشاور مع الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي، والعمل على فرض هذه القرارات على شعب التيجراي، كذا تقصير الحكومة الإثيوبية في تنفيذ اتفاقية بريتوريا للسلام الموقعة بين الحكومة الإثيوبية والجبهة الشعبية لتحرير التيجراي في ديسمبر 2022، وعدم التعاون مع الجبهة لتنفيذ الاتفاقية خاصةً فيما يتعلق بالبروتوكول الأمني الخاص بدمج وتأهيل عناصر الحركة في الجيش الفيدرالي، إضافةً إلى اتهام الحكومة الإثيوبية بعدم التعامل مع بقاء القوات الإريترية في غرب الإقليم حتى الآن، في ظل رفض الأخيرة سحب قواتها من الإقليم، واعتبرت أن ذلك الأمر يمثل عاملًا مهددًا للاستقرار بالإقليم.

غياب الاستقرار السياسي:

تشير التطورات السياسية الراهنة بإقليم التيجراي، وفي مرحلة ما بعد تعيين إدارة مؤقتة جديدة برئاسة “تاديسي”، وتشكيله حكومة مصغرة لإدارة شئون الإقليم، إلى الملاحظات التالية:

تزايد المعارضة السياسية داخل الإقليم تجاه الإدارة المؤقتة الجديدة، حيث أعلنت ثلاثة أحزاب معارضة (أرينا – استقلال تيجراي – بايتونا) بإقليم التيجراي، رفضها لتشكيل الحكومة المؤقتة الجديدة برئاسة “تاديسي”، وقد استندت هذه الأحزاب في ذلك إلى أن عملية تشكيل الحكومة الجديدة اعتمدت على ما وصفته بغياب الشمولية وهيمنة فئة واحدة (الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي) على السلطة، وذلك بسبب ادعاء هذه الأحزاب أن تشكيل هذه الحكومة تم دون إجراء مشاورات شاملة مع كافة الأطراف الفاعلة بالإقليم، كما أن الإدارة المؤقتة الجديدة وصلت إلى السلطة عن طريق القوة المسلحة، وبالتالي فإن الحكومة الجديدة تفتقر إلى الشرعية السياسية والقانونية اللازمة لتولي السلطة.

استمرار الصراع السياسي على السلطة بين الفاعلين بإقليم التيجراي، لا سيما أن الرئيس السابق للإدارة المؤقتة بالإقليم “جيتاتشو رضا” قد وجه انتقادات لهذه الحكومة أيضًا واتهمها بأنها تعمل لصالح جماعة خارجة عن القانون، في إشارة إلى جبهة التيجراي، والتي قامت بإقصاء الآخرين، والوصول إلى السلطة، وهو ما يتعارض مع مساعي حل الأزمة الإنسانية المتفاقمة بالإقليم، وربما تؤدي هذه الانتقادات إلى تصاعد الخلافات السياسية داخل الإقليم مرة أخرى.

محاولات الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي التأكيد على محورية دورها، باعتبارها شريكًا رئيسيًا لا يمكن استبعاده من المشهد السياسي الإثيوبي الراهن، وليس فقط داخل إقليم التيجراي، وذلك استنادًا إلى الاعتبارات التالية:

  • البيان الصادر عن الجبهة بزعامة “دبرصيون جبر ميكائيل” اعتراضًا على إجراءات إعادة دمجها في الحياة السياسية الإثيوبية، إذ تصر الجبهة على إعادة تأسيسها بشكل قانوني كحزب سياسي وفقًا لما نص عليه اتفاق بريتوريا للسلام، حيث تزعم الجبهة بأن اتفاق بريتوريا لوقف الأعمال العدائية يعيد لها – بحكم الأمر الواقع – شرعيتها كطرف رئيسي في الحياة السياسية الإثيوبية، كما أن الاتحاد الإفريقي – باعتباره أحد أطراف الوساطة في اتفاق بريتوريا – أوصى بإعادة الوضع القانوني للجبهة أيضًا، في حين تُصر اللجنة الوطنية الإثيوبية للانتخابات على إعادة تسجيل الجبهة كحزب وفقًا للإجراءات الرسمية المتبعة في هذا الشأن، واتهمت الجبهة بعدم الالتزام بهذه الإجراءات الجديدة، وهو ما دفع اللجنة لتعليق نشاط الجبهة كحزب سياسي في فبراير 2025 لمدة ثلاثة أشهر بسبب إخفاق الحزب في الوفاء بالتزاماته القانونية، بما في ذلك عقد جمعية عامة.
  • إعلان الجبهة رفضها لقرار تعليق عضويتها بالمجلس الوطني للانتخابات، واتهمت المجلس بتفسير القوانين بشكل انتقائي، وأن الإعلانات الجديدة التي تهدف إلى إعادة تسجيل الجماعات السياسية لا تنطبق عليها، كما اتهمت الجبهة الحكومة الإثيوبية بتقويض اتفاق بريتوريا وعدم الالتزام بما نص عليه من بنود، لا سيما إعادة تسجيل الجبهة كحزب سياسي، حيث يتطلب إلغاء قرار تعليق عضويتها، قيام الجبهة باستعادة وضعها القانوني كحزب سياسي، وهو ما دفع “أمانئل أسفا” نائب رئيس الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي إلى إطلاق تصريحات هدد فيها الحكومة الفيدرالية في حالة رفضها لإعادة الوضع القانوني للجبهة، فإنهم سيعملون على إعادة حكومة التيجراي إلى السلطة والتي تم حلها بعد توقيع اتفاق بريتوريا للسلام بين الحكومة الفيدرالية والجبهة الشعبية لتحرير التيجراي في ديسمبر 2022، وتعكس هذه التهديدات عملية السلام “الهش” في ظل تصاعد التوترات بين الحكومة الإثيوبية وجبهة التيجراي، كما تعكس حالة غياب الثقة بين الطرفين.

العودة للسلطة:

تعكس التحركات الحالية للجبهة الشعبية لتحرير التيجراي مساعيها الدؤوبة لمحاولة العودة إلى السلطة مجددًا، وذلك من خلال ممارسة المزيد من الضغوط على الحكومة الإثيوبية بهدف الاستجابة لمطالبها، خاصةً فيما يتعلق بتقنين وضعها القانوني والسياسي كحزب سياسي، وهو ما يؤهلها للمشاركة في العملية السياسية مرة أخرى.

وعلى الرغم من استجابة الحكومة الإثيوبية لمطالب جبهة التيجراي بإقالة “جيتاشو رضا” الرئيس السابق للإدارة المؤقتة لإقليم التيجراي، وتعيين الفريق “تاديسي” رئيسًا جديدًا للإدارة المؤقتة بالإقليم، والذي يلقى قبولًا من قيادات الجبهة وزعيمها “دبرصيون جبر ميكائيل”، فإن الجبهة لا تزال تُبدي اعتراضها على العديد من الإجراءات السياسية بالإقليم، وهو ما يعكس غياب الثقة في الحكومة الإثيوبية، وتحاول الجبهة توظيف عدم التنفيذ الكامل لاتفاق بريتوريا للسلام حتى الآن، للضغط على الحكومة الإثيوبية لتنفيذ كافة مطالبها السياسية، ومن ثم إمكانية العودة للعملية السياسية مرة أخرى بإثيوبيا.

وختامًا، فإن استمرار رفض الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي الالتزام بإجراءات إعادة التسجيل وفقًا لما ينص عليه المجلس الوطني للانتخابات، قد يؤثر سلبًا على وضعها القانوني، وإلى مزيد من التصعيد بين الجبهة والحكومة الفيدرالية الإثيوبية، ومن المرجح أن تؤثر هذه التطورات في إقليم التيجراي على عمل الحكومة الجديدة هناك، وهو ما يُشكل تحديًا أمام رئيس الإدارة المؤقتة الجديدة للإقليم، الأمر الذي يفرض عليه سرعة التعامل مع كافة الأطراف لتمكينه من تحقيق الاستقرار المنشود بالإقليم، ومن جهة أخرى تمثل هذه التطورات تحديًا بالنسبة للحكومة الإثيوبية برئاسة “آبي أحمد” لاسيما بشأن تنفيذ اتفاق بريتوريا للسلام، وتجنب الانتقادات الدولية في هذا الخصوص، لاسيما أن الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي تطالب الاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية المعنية بالتنمية “إيجاد” والمجتمع الدولي بتحمل مسئولياتهم عن تنفيذ اتفاق بريتوريا، بما في ذلك إعادة الوضع القانوني لها.

2222
رؤى بحثية: تطورات العلاقات الأمريكية الإسرائيلية
trumpharvard
إشكاليات مطروحة: أبعاد الخلاف بين الرئيس ترامب وجامعة هارفارد
Migr
رؤى بحثية: إشكاليات التعامل الأوروبي مع ملف الهجرة
zohran
ما بعد فوز زُهران ممداني بالانتخابات التمهيدية في نيويورك؟
Scroll to Top