تواجه عملية التسوية السياسية للأزمة الراهنة في منطقة شرق الكونغو الديمقراطية، العديد من الصعوبات والتحديات التي تقل معها فرص التوصل إلى اتفاق سياسي شامل يلقى قبول كافة الأطراف المتصارعة (حكومة الكونغو الديمقراطية – رواندا – متمردي حركة “إم 23”) في تلك المنطقة الغنية بالموارد والثروات الطبيعية، وذلك على الرغم من الجهود الدولية التي شهدتها الفترة الأخيرة لدفع أطراف الصراع نحو التسوية.
تسوية مؤجلة:
كان من المقرر أن تعلن كل من جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا في مطلع شهر أكتوبر 2025 عن البدء في تنفيذ اتفاق تم توقيعه بينهما في عام 2024 ينص على رفع رواندا إجراءاتها الدفاعية بمنطقة شرق الكونغو خلال 90 يومًا، وذلك خلال المباحثات التي عُقدت بينهما في الولايات المتحدة في يونيو 2025، وبعدها تم عقد مباحثات أخرى بالولايات المتحدة في منتصف سبتمبر 2025، وتم التوصل خلالها إلى أهمية تنفيذ اتفاق عام 2024، والذي بموجبه يتم البدء في عمليات القضاء على تهديد جماعة القوات الديمقراطية لتحرير رواندا المسلحة، المتمركزة في شرق الكونغو الديمقراطية، وتسهيل انسحاب القوات الرواندية، على أن يتم ذلك خلال الفترة ما بين 21 و31 أكتوبر 2025، إلا أن الواقع الراهن يُشير إلى تأجيل تنفيذ هذا الاتفاق، في إشارة إلى عدم استعداد الحكومة الكونغولية ورواندا للتوصل إلى تسوية شاملة للأزمة المثارة بمنطقة شرق الكونغو الديمقراطية.
يُضاف إلى ذلك رفض الحكومة الكونغولية تنفيذ اتفاق “إطار التكامل الاقتصادي الإقليمي” الموقع مع رواندا برعاية أمريكية في 27 يونيو 2025، والذي كان مقررًا تنفيذه في الأول من شهر أكتوبر 2025، إلا أن بعض المصادر أشارت إلى أن الحكومة الكونغولية لم تُوقع على هذا الاتفاق، حيث اشترطت انسحاب 90% من القوات الرواندية (بقايا من الجيش الرواندي السابق وميليشيات شاركت في حرب الإبادة عام 1994) المتمركزة في منطقة شرق الكونغو الديمقراطية لدعم متمردي حركة إم 23، وذلك قبل التوقيع على هذا الاتفاق، حيث تمثل هذه القوات مصدر قلق دائم للحكومة الكونغولية، وترفض رواندا حتى الآن سحب هذه القوات، وتبرر ذلك بأن وجود هذه القوات لمنع حركة القوات الرواندية لتحرير رواندا من شن هجمات في رواندا، ومع ذلك، تُشير التحركات على الأرض إلى دور هذه القوات في دعم متمردي حركة إم 23، كما أن لها أطماع في الثروات الطبيعية التي تزخر بها منطقة شرق الكونغو الديمقراطية.
تحديات قائمة:
توجد العديد من التحديات التي تقف في طريق التوصل لتسوية سياسية شاملة لأزمة منطقة شرق الكونغو، أبرزها: غياب الثقة بين الأطراف المتصارعة، فمن جهتها تتهم الحكومة الكونغولية متمردي حركة إم 23 بخرق اتفاق وقف إطلاق النار عبر مواصلة التصعيد العسكري وشن العمليات العسكرية ضد القوات الحكومية والمدنيين بغرض توسيع نطاق سيطرتها الجغرافية على معظم منطقة شرق الكونغو الديمقراطية، وفي المقابل يتهم المتمردون الحكومة الكونغولية بحشد قواتها بالمنطقة وشن عمليات عسكرية على مواقع تمركز المتمردين، كما يتهمون الحكومة بعرقلة التوقيع على الاتفاق النهائي للتسوية الذي كان مقررًا في شهر أغسطس الماضي، بالإضافة إلى اتهام الحكومة بعدم الاستجابة لمطالبهم والمتمثلة في إجراء حوار مباشر مع الحكومة الكونغولية لحل أسباب الصراع في منطقة شرق الكونغو الديمقراطية بشكل جذري، وكذلك المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين حيث توجد قائمة تضم أكثر من 700 شخص من عناصر الحركة والناشطين المعارضين الذين اعتقلتهم السلطات الأمنية بشكل تعسفي وفقًا لرواية حركة إم 23، بالإضافة إلى مطالب أخرى تتعلق بالالتزام بوقف إطلاق النار، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وإتاحة المجال للمشاركة السياسية الفاعلة.
يُضاف إلى ذلك، استمرار التصعيد العسكري بمنطقة شرق الكونغو الديمقراطية، حيث اتهمت منظمة الامم المتحدة حركة إم 23 بالمسئولية عن العديد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في شرق الكونغو الديمقراطية، خاصةً في إقليمي شمال كيفو وجنوب كيفو، حيث تسيطر الحركة على عددٍ من المدن، من بينها جوما وبوكاڤو، ولإحكام سيطرتهم على المدينتين يواصل المتمردون عملياتهم العسكرية ضد المدنيين، وهو ما انعكس في التقارير الأممية مؤخرًا[1]، التي أشارت إلى تسجيل 1154 انتهاكًا لحقوق الإنسان في الكونغو الديمقراطية خلال العام الحالي، مع تمركز الجزء الأكبر منها في المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين، ففي 23 سبتمبر 2025، دعت كل من حركة إم 23 المتمردة وجماعة تابعة لتحالف نهر الكونغو (“AFC”)، سكان قرى مينيي وماليمو ومبيتي في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية لإخلاء منازلهم بسبب القتال، وذلك في اطار مخططات متمردي حركة إم 23 للتصعيد العسكري ضد القوات الحكومية الكونغولية، لا سيما بعد فشل المفاوضات التي عقدتها مع الحكومة الكونغولية تحت رعاية قطر والولايات المتحدة، وفي ذلك مؤشر مهم على دور العمليات العسكرية للمتمردين في استمرار الأزمة الحالية وزيادة تفاقمها.
كما تغيب الآليات الكافية لتنفيذ الاتفاقات التي يتم التوصل إليها بين الأطراف المتصارعة في منطقة شرق الكونغو الديمقراطية، فعلى الرغم من توقيع الحكومة الكونغولية ومتمردي حركة إم 23 من جهة، والحكومة الكونغولية ورواندا من جهة أخرى على اتفاقات برعاية كل من قطر والولايات المتحدة، بهدف تسوية الصراع الحالي، وعلى رأسها الاتفاق الذي تم التوقيع عليه في منتصف شهر يونيو 2025 بالولايات المتحدة لإنهاء الحرب، فإن هذه الاتفاقات تفتقد الإشارة إلى آليات واضحة ومحددة تلزم الأطراف بتنفيذ ما يتم التوقيع عليه من اتفاقات للتسوية الشاملة، وهو ما يؤدي إلى استمرار الأزمة.
وفي هذا السياق، تبرز إشكالية عدم الاستقرار السياسي داخل الكونغو الديمقراطية، وذلك على خلفية التجاذبات السياسية بين الحكومة الكونغولية والمعارضين، لا سيما مع محاكمة الرئيس السابق والمعارض “جوزيف كابيلا” بتهمة الخيانة العظمى وإصدار حكم قضائي غيابي يقضي بإعدامه، حيث تتهمه الحكومة الكونغولية بدعم متمردي حركة إم 23 المتهمين بارتكاب جرائم حرب في إقليمي شمال كيفو وجنوب كيفو، بما في ذلك الاعتداءات الجنسية والتهجير القسري والقتل خارج نطاق القانون، وذلك بعد أن قام بزيارة لمدينة جوما الخاضعة لسيطرة حركة إم 23، وإصداره بيان انتقد فيه الرئيس الحالي “فيليكس تشيسيكيدي” واتهمه بعدم القدرة على تسوية الأزمة المتفاقمة في منطقة شرق الكونغو الديمقراطية.
وقد تسببت هذه الانتقادات في إثارة رد فعل الرئيس “تشيسيكيدي” وحكومته التي وجهت اتهامات مباشرة لـ “جوزيف كابيلا” بالتآمر على الدولة ومحاولة زعزعة استقرارها، وهو ما انعكس في إجراء محاكمة سريعة أسفرت عن إصدار الحكم بإعدامه، وقد أثار ذلك “حزب الشعب من أجل إعادة الإعمار والديمقراطية” الذي أسسه “كابيلا”، إذ وصف المحاكمة بأنها “سياسية بامتياز”، معتبرًا أن الهدف منها إقصاء الرئيس السابق من المشهد السياسي الحالي، ومنع عودته إلى الساحة ليكون زعيمًا معارضًا، إلا أن تنفيذ هذا الحكم يظل موضع شك، لا سيما أن السلطات الكونغولية لا تعرف مكانًا محددًا لـ “كابيلا”، منذ توجيه الاتهامات المذكورة في شهر مايو 2025، ومع ذلك، يعكس الحكم القضائي ضد “كابيلا” حالة التجاذب السياسي في الكونغو الديمقراطية.
تجدد الوساطة:
برغم ما سبق، فإن هناك بعض الفرص المحتملة لدفع أطراف الصراع للتوصل إلى اتفاق سياسي شامل يحظى بقبولهم، وذلك استنادًا إلى الدور المحتمل للوساطة القطرية والأمريكية في تحقيق هذا الأمر، فمن المتوقع أن تواصل كل من قطر والولايات المتحدة دور الوساطة بين الحكومة الكونغولية ومتمردي حركة إم 23 المدعومة من رواندا، لا سيما أن هذه الأطراف قد أبدت موافقتها من قبل على التعاون مع أطراف ثالثة، وهو ما انعكس في سلسلة المباحثات والاجتماعات التي عُقدت في كل من قطر والولايات المتحدة، غير أن ما ينقص ذلك هو توافر الإرادة السياسية لدى كافة الأطراف لتنفيذ ما تم التوصل إليه من اتفاقات سابقة، والتي من شأنها تهدئة الأوضاع الأمنية والعسكرية المضطربة بمنطقة شرق الكونغو الديمقراطية.
وختامًا، نُشير إلى أنه في حالة عدم التوصل لتسوية سياسية قريبة للأزمة في شرق الكونغو، فمن المرجح أن تسارع القوى الإقليمية والدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة والصين، للتنافس مجددًا على منطقة شرق الكونغو الديمقراطية الغنية بالموارد والمعادن والثروات الطبيعية مثل الكوبالت والذهب والليثيوم، وقد يكون ذلك في إطار عقد صفقات أو ضخ استثمارات بالاتفاق مع الحكومة الكونغولية والمتمردين الذين يسيطرون فعليًا على مناجم الذهب والمعادن الأخرى، وهو ما يعني استمرار الصراع كما هو دون تسوية في الأجل القريب.
[1] “الكونغو الديمقراطية: بعثة تقصي الحقائق توثق انتهاكات تثير شبح جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية”، موقع أخبار الأمم المتحدة. 5 سبتمبر 2025. متاح على: https://news.un.org/ar/story/2025/09/1143303