Search

الضربة الأوكرانية للقواعد الجوية في العمق الروسي

04/06/2025

عكست الضربة الجوية النوعية الأوكرانية للقواعد الجوية الروسية داخل العمق الروسي في الأول من يونيو الجاري، تطورًا في التكتيكات العسكرية الأوكرانية، ورسالة واضحة بأن كييف قادرة على تنفيذ عمليات مؤثرة وفرض كُلفة باهظة على موسكو، كما كشفت وجود ثغرات أمنية خطيرة في منظومة الدفاع الجوي والاستخبارات الروسية حتى في عمق أراضيها.

تفاصيل محددة:

تمثل الهدف الاستراتيجي للعملية في تدمير القاذفات الروسية المسئولة عن ضربات الصواريخ بعيدة المدى ضد أوكرانيا، حيث استهدفت العملية عدد “4” قواعد جوية استراتيجية كالتالي:

  • قاعدة بيلايا في سيبيريا وتقع على بعد “4.300” كم من أوكرانيا.
  • قاعدة أولينيا وتقع في منطقة مورمانسك في الدائرة القطبية الشمالية في روسيا وتبعد حوالي “1900” كم عن أوكرانيا.
  • قاعدة دياغيليفو في منطقة ريازان وبها مركز تدريب القاذفات وتبعد حوالي “600” كم عن العاصمة كييف.
  • قاعدة إيفانوفو وتقع في منطقة إيفانوفو في روسيا وتبعد حوالي “750” كم عن العاصمة كييف.

Source: CSIS

استخدمت أوكرانيا لتنفيذ العملية عدد (117) طائرة مُسيرة من طراز “FPV (First Person View)”، وهي طائرات صغيرة يتم التحكم فيها عن بعد باستخدام نظارات أو شاشة تعطي المشغل رؤية من منظور الطائرة نفسها وتم استخدامها بشكل واسع في المجالات العسكرية خاصة في الحرب الروسية الأوكرانية نظرًا لدقتها العالية وتكلفتها المنخفضة مقارنةً بالذخائر التقليدية، حيث يمكنها حمل عبوات ناسفة من “1 إلى 2” كجم، ويتم التحكم والتوجيه بأحد النظم (كاميرا لاسلكية – إشارة لاسلكية – نظام الملاحة GPS).

أما عن طريقة تنفيذ العملية، فقد تمثلت في دخول الطائرات المسيرة للأراضي الروسية حيث أشارت بعض التقارير (طبقًا لتصريحات الرئيس الأوكراني) إلى أنها استغرقت حوالي 18 شهرًا بما يشير إلى تهريب الطائرات على دفعات متباعدة للحد من فرص اكتشافها، وقد تم تحميل الطائرات داخل كبائن خشبية متنقلة مثبتة على شاحنات، مع إخفائها تحت أسقف متحركة تُفتح عن بُعد، والتمركز في مواقع قريبة من القواعد الجوية المستهدفة، مع تنفيذ هجمات متزامنة لإرباك منظومات الدفاع الجوى والأجهزة الأمنية الروسية وبما يتيح سحب العناصر المنفذة من منطقة الإطلاق.

واستكمالًا لما سبق، فقد استهدفت أوكرانيا تحقيق أهداف أخرى، أهمها: إظهار القدرة على استهداف العمق الروسي وإلحاق أضرار كبيرة بوسائل قتالية بسيطة، دون الحصول على دعم من القوى الغربية أو التنسيق معها، كذا التأكيد على استقلالية القرار الأوكراني، وإمكانية اتخاذ قرارات دون توجيه غربي (الإشارة إلى عدم إخطار واشنطن بالعملية)، واستباق مفاوضات إسطنبول مع الجانب الروسي ومحاولة كسب ورقة ضغط تفاوضية، خاصةً مع إصرار أوكرانيا على وقف إطلاق نار غير مشروط.

خسائر روسية:

على الرغم من عدم الاعتراف الروسي بالخسائر (حتى الأن) والاكتفاء بتأكيد وزارة الدفاع الروسية حدوث حرائق في بعض الطائرات وصد الهجمات ضد القواعد الجوية، فإن المعلومات الرسمية محدودة بسبب التعتيم الاعلامي، على الجانب الأخر تُشير المعلومات التي تُروج لها وسائل الإعلام الأوكرانية إلى النجاح في تكبيد روسيا خسائر لعدد “41” قاذفة استراتيجية منها (طائرات الإنذار المبكر بعيدة المدى  A-50- قاذفات استراتيجية Tu-95،Tu-22M3 ).

كما يُشير الاعتراف الروسي المحدود بخسائر الهجمات الأوكرانية إلى محاولة منح القيادة الروسية المرونة في حجم الرد الروسي المنتظر، حيث سيكون الرد على قدر الاعتراف بالخسائر، الأمر الذي برز من استمرار وتيرة الهجمات الروسية على الأراضى الأوكرانية كما كانت قبل الهجمات الأوكرانية يوم 1 يونيو.

وقد كشفت الهجمات الأوكرانية عن العديد من الثغرات خاصةً الإجراءات الأمنية والمعلوماتية ومنظومة الدفاع الجوي الروسي والتي يمكن تلخيصها في الآتي:

  • فشل أجهزة الاستخبارات في كشف التحضير للهجوم حيث أشارت التقارير إلى أن العملية استغرق التحضير لها حوالي (18) شهرًا وهو وقت طويل.
  • ضعف الإجراءات الأمنية في منطقة الحدود الروسية المشتركة مع أوكرانيا وعدم رصد هذا العدد من الطائرات المُسيرة والنجاح في تهريبها إلى داخل الأراضي الروسية.
  • القصور في إجراءات التأمين والرقابة على التحركات داخل الأراضي الروسية، خاصةً بالقرب من مناطق الأهداف الحيوية والعسكرية، بالإضافة القصور في إجراءات التأمين للقواعد الجوية الاستراتيجية في ظل عدم اكتشاف الشاحنات المُهربة رغم تمركزها بالقرب من هذه القواعد.  
  • ضعف الدمج بين النظم الدفاعية المتعددة الطبقات وهو الأمر الذى برز من خلال الإعتماد بشكل كامل على منظومات الدفاع الجوى بعيدة المدى مثل “S-400” مع ضعف منظومات الدفاع الجوي متوسطة وقصيرة المدى في محيط القواعد الجوية على الرغم من إمتلاك روسيا للعديد من تلك المنظومات، أبرزها: منظومة Pantsir-S1 / Pantsir-S2، والتي تجمع بين صواريخ أرض – جو ومدفعين عاليين السرعة (30 مم) للدفاع الجوي القريب، وبما يشير إلى إقتصار استراتيجية الدفاع عن تلك المنشآت على التهديدات الاستراتيجية دون الوضع في الاعتبار التهديدات المتمثلة في هجمات منخفضة الارتفاع أو طائرات مسيرة بطيئة وصغيرة الحجم.
  • غياب نظم الحرب الإلكترونية الفعالة، حيث لم يُسجّل أي تدخل إلكتروني فعال لشل أو إعتراض الطائرات المسيّرة وذلك بسبب ضعف الإنتشار الجيد لهذه المنظومات بالقواعد الجوية أو بسبب التمويه الجيد للطائرات المسيرة الأوكرانية.
  • غياب تحصينات حقيقية للطائرات الإستراتيجية (ملاجئ محصنة للطائرات) حيث كان بعضها ملاجئ مكشوفة، بالإضافة إلى سوء توزيع الطائرات والمعدات بشكل يسهّل استهدافها بضربة مركزة واحدة.

تحولات واردة:

قد تؤدي المواجهة الأوكرانية الروسية إلى تحولات محتملة في العقيدة الدفاعية الروسية والعديد من الدول خاصة في المجالات التالية:

  • تأمين عمق أراضيها والتى كانت تعتمد على مفهوم أن العمق الجغرافي الروسي محمي من الهجمات الجوية في ظل امتلاكها لمنظومات دفاع جوى إستراتيجية والتوجه إلى مراجعة مفاهيم تشغيل هذه المنظومات وتكاملها مع طبقات دفاعية أقصر مدى وأكثر مرونة بما يمكنها من التعامل مع التهديدات غير المتناظرة.
  • مبدأ الردع بالمفاجأة، حيث كانت تعتمد روسيا على مبدأ الضربة الأولى الصاعقة لفرض سيطرتها، إلا أن مباغتتها من قبل خصم أضعف، وبأدوات تكنولوجية بديلة، سيحتم عليها مراجعة أسس التوازن التكتيكي في عقيدتها العسكرية.
  • إعادة النظر في منظومة الاستخبارات ورقابة التحركات الداخلية، بالإضافة إلى إجراءات التأمين للأهداف الحيوية والمنشآت العسكرية خاصة الاستراتيجية.

وختامًا، تعد الهجمات الأوكرانية ضد الأهداف الاستراتيجية في العمق الروسي في الأول من يونيو الجاري بمثابة تحذير استراتيجي ليس فقط في سياق الحرب الروسية الأوكرانية، بل كمؤشر على شكل الصراعات القادمة، حيث تتفوّق المرونة على الكثافة، والابتكار على الإنفاق، كما أفرزت بعض الدروس المستفادة التي ستدفع الدول نحو إعادة صياغة عقيدتها الدفاعية بما يواكب التهديدات غير المتناظرة والتعامل مع عمق الدولة بوصفه ساحة قتال مُحتملة، وذلك عبر ما يلي:

  • بناء منظومات مرنة متعددة الطبقات في مختلف المجالات (الحصول على معلومات منظومات دفاع جوى متكاملة – منظومات حرب إلكترونية – ..)، وتكثيف أنشطة الأجهزة الأمنية المختلفة (الاستخبارات – عناصر تأمين الحدود – عناصر الأمن الداخلية – تعدد نطاقات التأمين حول الأهداف الحيوية والمنشآت العسكرية) لإكتشاف المخططات التى من شأنها تهديد الأمن والاستقرار، والحد من فرص تهريب مثل تلك المعدات إلى داخل الأراضي، بالتوازي مع اكتشاف الأماكن التي يمكن تصنيع مثل تلك المعدات في الداخل أو أي تحركات / أنشطة معادية بالقرب من الأهداف الحيوية.
  • الإهتمام بالبنية التحتية العسكرية المخفية والمتناثرة خاصة القواعد الجوية للحد من تعرض الطائرات والمعدات لأضرار جسيمة نتيجة تمركزها في أماكن مكشوف، والحصول على نظم دفاع جوى متعدد الطبقات للتعامل مع التهديدات الاستراتيجية ومتوسطة وقصيرة المدى.
  • تزايد أهمية دور منظومات الحرب الإلكترونية في تأمين الأهداف الحيوية وتعزيز نظم كشف الحركة الجوية البطيئة والمنخفضة، لا سيما أن هناك إمكانية لإحداث أضرار هائلة لأهداف حيوية في العمق الاستراتيجي لدولة باستخدام أسلحة منخفضة التكلفة، حال التخطيط لاستخدامها بشكل جيد، كما أن القدرات العسكرية المتقدمة لا تغنى عن الجاهزية القتالية للقوات والمعدات والقدرة على صد الهجمات المفاجئة.
ir-isr
الردع المتحول والحرب الهجينة .. قراءة تحليلية في المواجهات الإسرائيلية الإيرانية
12356890
تحالفات متجددة: سياسات مكافحة الإرهاب في الساحل الإفريقي
12345
تحولات هيكلية: مستقبل الأوضاع العسكرية في السودان
WKNAWALCTSER2SDJ2CVQVJMUGA
حدود توظيف التنظيمات الإرهابية في أفريقيا للمسيرات 
Scroll to Top