يشكل التحول الرقمي في مصر أحد المحاور الاستراتيجية الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة وبناء اقتصاد رقمي تنافسي، فقد تبنت الدولة، منذ تولي القيادة السياسية، رؤية واضحة تهدف إلى رقمنة الخدمات الحكومية، وتعزيز البنية التحتية التكنولوجية، وتوسيع نطاق الاعتماد على الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، ويأتي هذا التوجه في إطار “رؤية مصر 2030″، التي تسعى إلى إحداث نقلة نوعية في الأداء المؤسسي والخدمات المقدمة للمواطنين.
استراتيجية واضحة:
اعتمدت مصر على استراتيجية واضحة لإنجاح مخططات عملية التحول الرقمي، وذلك من خلال الآليات التالية:
- تطوير بنية معلوماتية ضخمة حتى تتمكن من البدء في عملية التحول الرقمي من خلال تعاون كافة مؤسسات الدولة وبناء مراكز بيانات ضخمة على مستوي تقني وتأميني عالي لاستيعاب هذه البيانات.
- توفير بيئة تشريعية وقانونية تدعم وتنظم قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وتضبط التفاعلات وتضمن الحقوق وترصد الالتزامات.
- اعتمدت الحكومة في إطار السعي للدفع بعملية التحول الرقمي إلى ثلاث طرق رئيسية، تمثلت في: تدشين مواقع للأجهزة والمؤسسات الحكومية على شبكات المعلومات الدولية (الإنترنت)، بالإضافة إلى تطبيقات الهاتف المحمول والأجهزة ذات الخدمات الذاتية، وهو ما جاء ارتباطًا بالتطورات السريعة في تقنية الاتصالات خاصة شبكات الإنترنت؛ التي أسهمت بصورة أو بأخرى في تغذية العديد من القطاعات والمؤسسات الحكومية، فيما شرعت مؤسسات الدولة في تطوير البنية التحتية للاتصالات والخدمات البريدية وتحديث البنية المعلوماتية للوزارات والهيئات الحكومية؛ وبناء وتعزيز القدرات البشرية على التعامل مع هذا التحول.
أولويات محددة:
في السياق السابق، فقد تبنت الحكومة المصرية عدة محاور حتى تتمكن من تحقيق إنجازات ملموسة في مجال التحول الرقمي، بما تُسهم في خدمة المواطنين وسرعة إنجاز مصالحهم، وذلك من خلال ما يلي:
- إنشاء شبكة حكومية مغلقة تربط كافة المباني والمصالح الحكومية على مستوى الجمهورية ببعضها البعض، بما يُسهل عمليًا تلبية مطالب المواطنين.
- إطلاق العديد من الخدمات الإلكترونية في عدد من الهيئات الحكومية؛ من بينها هيئات إنفاذ القانون والتوثيق والأحوال الشخصية ومحاكم الأسرة والتموين والكهرباء والشهر العقاري وصندوق الإسكان الاجتماعي.
- إطلاق “منصة مصر الرقمية” الإلكترونية لتوفير خدمات حكومية واسعة بفاعلية أكثر بالتعاون مع عدد من وزارات الدولة التي تقدم خدماتها على المنصة منها وزارة العدل والنيابة العامة ووزارة الداخلية.
- توفير وسائل مختلفة يمكن من خلالها الدفع الإلكتروني لرسوم الخدمات، مثل بطاقات الخصم والائتمان بالإضافة إلى محافظ المحمول الإلكترونية.
- التعاون مع الجهات المعنية بإنشاء تطبيقات خاصة بالحكومة داخل العاصمة الإدارية الجديدة؛ حتى يتوفر لدى كل موظف حكومي أداة للتوقيع الإلكتروني يمارس بها عمله دون استخدام أوراق.
وقد انعكست الجهود الحكومية في مجال التحول الرقمي على أداء العديد من الجهات، خاصةً في قطاعي التعليم والصحة، ونُشير في هذا الإطار للنقاط التالية:
- أصبحت التكنولوجيا من أهم العوامل في تحقيق أهداف المؤسسات التعليمية مما ساعد في انتشار أشكال “التعلم عن بعد”، التي تُسهم في توفير فرص حقيقية للتعلم لكافة فئات المجتمع المصري.
- شهدت المنظومة التعليمية تطورًا كبيرًا نتيجة استخدام أدوات الاتصال وتكنولوجيا المعلومات من خلال توفير الأجهزة الذكية وتطبيقاتها التعليمية؛ والعمل على توفير خدمات الانترنت في المؤسسات التعليمية كالمدارس والجامعات؛ بالإضافة إلى المحتوي الرقمي التفاعلي لتحسين عملية التعلم وجودته.
- شهد قطاع الصحة جهودًا واسعة لوضع خطة شاملة لتطوير منظومة رقمية متكاملة مرتبطة بالمنظومة الصحية؛ حيث تضمنت هذه الخطة إنشاء سجلات صحية إلكترونية؛ وتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي تخدم العديد من التخصصات الصحية؛ كما عملت الدولة على تدشين منصة رقمية لتبادل المعلومات الصحية؛ فيما أعلنت هيئة الإسعاف مؤخرًا عن إطلاق تطبيق “أسعفني” على الهواتف المحمولة لضمان سرعة الاستجابة؛ بما يعزز التكامل بين التكنولوجيا والقطاع الصحي.
- حققت مصر تقدمًا في العديد من المؤشرات الدولية مما يعكس جهود الدولة في تبني التكنولوجيا الحديثة؛ حيث احتلت مصر المركز الأول إقليميًا وقاريًا والخامس عشر عالميًا في مؤشر “كيرني” لمواقع الخدمات العالمية عام 2021[1]، كما تقدمت مصر 55 مركزًا في مؤشر “جاهزية الحكومة للذكاء الاصطناعي” الذي يقيس مدي استعداد الحكومات لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في تقديم خدمات عامة للمواطنين؛ حيث احتلت المركز 56 عام 2020 مقارنة بالمركز 111 عام 2021[2]، كما احتلت مصر المركز 111 عام 2020 مقارنة بالمركز 114 عام 2019 في مؤشر تطوير الحكومة الإلكترونية؛ الذي يقيس مدى استعداد وقدرة الحكومات على استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تقديم خدمات عامة للمواطنين.
جني الثمار:
وفر التحول الرقمي في المؤسسات الحكومية العديد من الفوائد التي تعود على المواطنين والدولة بشكل إيجابي، ويكمن أبرزها فيما يلي:
- تحسين تقديم الخدمات للموطنين بشكل أكثر كفاءة مما يسمح للمواطنين بإتمام المعاملات والوصول إلى الخدمات والتفاعل مع الجهات الحكومية من أي مكان وفي أي وقت.
- توفير التكلفة من خلال تبسيط العمليات الإدارية وتقليل الأعمال الورقية وإلغاء المهام اليدوية حيث يؤدي إلى تحقيق مكاسب بأقل التكاليف في الجهات الحكومية.
- تعزيز مرونة واستمرارية العمليات الحكومية من خلال تعزيز مظاهر وأنماط العمل عن بُعد والتعاون الرقمي والتخطيط، كما أنها تعمل أيضًا على استمرار الخدمات الحكومية دون انقطاع أثناء حالات الطوارئ والأزمات.
- وفي ذات السياق، فقد زاد استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتوظيفها والاستفادة منها في العديد من المجالات، أبرزها مكافحة الفساد الإداري، حيث لعب الذكاء الاصطناعي دورًا مهمًا في الفترة الأخيرة في مكافحة الفساد في مصر من خلال قدرته على تحليل البيانات الإدارية والمالية لاكتشاف عمليات الفساد الإداري والتلاعب بالمال العام والأنماط غير المشروعة، بالإضافة إلى فحص العقود الحكومية ومتابعة المشروعات للتأكد من حوكمتها بصورة محترفة.
وختامًا، يتضح تزايد إدراك المؤسسات الحكومية لأهمية التحول الرقمي وتأثيره المهم على قطاع الأعمال والحياة اليومية، ويظهر أثر التحول الرقمي على كفاءة المؤسسات التي تبنته، حيث أسهمت في تحقيق العديد من الإنجازات، من أهمها: تسهيل تقديم الخدمات للمواطنين، وفي ظل صعود الأجيال الجديدة التي نشأت في ظلال التكنولوجيا، والتحديات المرتبطة بالتقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي (مثل: التحديات الأخلاقية المرتبطة ببعض الممارسات، مثل تقنيات “التزييف” للمحتويات المنشورة خاصةً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بما قد يؤدي إلى تزايد معدلات التضليل الإعلامي، فضلًا عن المشكلات المجتمعية)، فإن التحول الرقمي وتزايد الاعتماد على التكنولوجيا أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضي.
[1] “مصر تحتل المركز الأول إقليمياً وقارياً.. والخامس عشر عالمياً في مؤشر كيرني لـ “مواقع الخدمات العالمية”، الهيئة العامة للاستعلامات. 28 مايو 2021. متاح على https://shorturl.at/faqSD
[2] “دراسة علمية تكشف تقدم مصر 55 مركزًا على مؤشر “الذكاء الاصطناعي” عالميًا بفضل جهود الدولة في توطين التكنولوجيا”، الأهرام. 2 مارس 2023. متاح على https://gate.ahram.org.eg/News/4162358.aspx